السليمانية في مرمى نيران المسيّرات التركية، فلماذا تصمت بغداد وإربيل

أوساط كردية تتهم دوائر في الإقليم بإعطاء المسيرات التركية معلومات وتسهيلات كي تصوب على أهدافها في ساحة مفتوحة.
الأحد 2024/08/25
صحافيتان من شبكة محلية ضحية هجوم بمسيرة

السليمانية (العراق)- تتعرض مدينة السليمانية في إقليم كردستان، والتي يتمركز فيها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لهجمات مستمرة من المسيرات التركية في وقت تلازم فيه الحكومة المركزية في بغداد الصمت، وكذلك مدينة إربيل عاصمة الإقليم، التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني وتوجد فيها سلطات الإقليم ومؤسساته السياسية والأمنية.

ويتابع سكان الإقليم بقلق الاستهدافات الجوية المتكررة التي تنفذها مسيرات حربية تركية بتصويبات دقيقة من الجو مدعومة بمعلومات استخبارية من الأرض، كان آخرها غارة جوية استهدفت سيارة تقل فريقا إعلاميا مرخصا من قبل شركة محلية في بلدة سيد صادق شرقي السليمانية وأودت بحياة إعلاميتين شابتين هما هيرو إبراهيم وكولستان تارا وإصابة خمسة إعلاميين آخرين بجروح بليغة.

قوباد طالباني: الصحافيتان الضحيتان ليستا أعضاء قوة مسلحة لكي تشكلا تهديدا على أمن واستقرار أي بلد أو منطقة
قوباد طالباني: الصحافيتان الضحيتان ليستا أعضاء قوة مسلحة لكي تشكلا تهديدا على أمن واستقرار أي بلد أو منطقة

تقول الرواية الرسمية في أنقرة إن الغارة استهدفت مسؤولا في حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، لكن القنوات الكردية ومواقع التواصل الاجتماعي وشهود عيان يفندون هذه الرواية التي تغطي على قتل المواطنين العزل بحجج واهية.

وتتهم أوساط كردية دوائر في الإقليم بإعطاء المسيرات التركية معلومات وتسهيلات كي تصوب على أهدافها في ساحة مفتوحة وعلى مرأى من الجميع وفي وضح النهار.

وتتساءل الأوساط نفسها كيف يمكن لتلك المسيرات أن تتخذ ممرات لها من داخل أراضي الإقليم بمحافظة دهوك شمالي العراق دون أي رد فعل من قوات الإقليم أو القوات الحكومية العراقية؟ مشيرة إلى أن وقود الطائرات والمسيرات التركية توفره أنابيب النفط الكردي الذي حرم سكان الإقليم من عائداته.

وهناك صمت سياسي واسع في الإقليم تجاه الحملات التركية اليومية التي تستهدف مواقع في المنطقة وتخلف ضحايا مدنيين. وكل طرف سياسي يسعى لأن ينأى بنفسه عن نيران تلك المسيرات، خاصة سلطات إقليم كردستان التي تجد أن التقارب مع أنقرة أهم بالنسبة إليها من مخاوف سكان الإقليم ولا يهمها إن كان القصف التركي يستهدف فعلا نشطاء حزب العمال الكردستاني أم أنه يعتمد أسلوب الأرض المحروقة ويمس بأمن القرى الكردية.

ولسلطات الإقليم علاقات وثيقة اقتصاديا وسياسيا مع أنقرة، وهو ما يفسر صمتها على استهداف الإقليم. والأمر نفسه بالنسبة إلى الحكومة المركزية في بغداد، التي أبرمت اتفاقية أمنية مع أنقرة لا تفتح فقط الأراضي العراقية أمام تدخل القوات التركية، وإنما هي أيضا تلزم بغداد بالتنسيق الأمني وإقامة نقاط أمنية مشتركة لمواجهة نشطاء حزب العمال.

وفي الأسبوع الماضي أعلنت تركيا عن اتفاقية تعاون عسكري مع العراق تتضمن إقامة مراكز تدريب وقيادة مشتركة ضد المسلحين الأكراد، وقالت بغداد إنها قررت حظر العمال الكردستاني كحزب.

◄ الحزب يخوض تمردا مسلحا ضد السلطات التركية منذ عام 1984 وتصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية
الحزب يخوض تمردا مسلحا ضد السلطات التركية منذ عام 1984 وتصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية

وتعمل الحكومة العراقية على تنفيذ الاتفاق الأمني مع تركيا في جانبه المتعلق بمحاصرة الأكراد الداعمين لحزب العمال الكردستاني. لكن هذه الخطوة التي تقابل برضا من أنقرة تزيد المخاوف بين العراقيين الذين يقطنون في المناطق القريبة من الحدود التركية، وتجعلهم مثار استهداف بشبهة الولاء لحزب عجزت أنقرة عن هزمه عسكريا.

وقد قتلت صحافيتان في إقليم كردستان بشمال العراق في غارة بطائرة مسيرة استهدفت سيارتهما ونسبت إلى أنقرة، لكن وزارة الدفاع التركية قالت إن منفذّ الهجوم “ليس الجيش التركي”.

وأكد مسؤول أمني عراقي أن “طائرة مسيرة يرجح أنها تابعة للجيش التركي قصفت سيارة تقلّ صحافيين” في سيد صادق شرق السليمانية، ثانية كبرى مدن كردستان.

وندد قوباد طالباني نائب رئيس وزراء إقليم كردستان بالقصف في بيان، موضحا “إن ضحايا القصف الجوي في قضاء سيد صادق صحافيتان اثنتان، وليستا أعضاء قوة مسلحة لكي تشكلا تهديدا على أمن واستقرار أي بلد أو منطقة”.

ومن جانبه انتقد رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني محمد الحاج محمود، السبت، بشدة الاتفاق المبرم بين العراق وتركيا بشأن التنسيق العسكري والأمني بين الجانبين، واصفا إياه بأنه “تم على حساب ضرب الكرد”.

وقال إن “هذا الاتفاق أُبرم على حساب ضرب الكرد، وينبغي للقوى السياسية في إقليم كردستان أن تجتمع مع بعضها البعض بدلاً من دول الجوار”. وأضاف أن “الجميع يستعد لحرب غير مرغوب فيها، والتي على وشك الاندلاع في المنطقة، ولا ينبغي للكرد أن يتورطوا في الحرب التي لا يريدونها”.

وأكد حزب العمال الشيوعي الكردستاني أن حكومتي الإقليم والعراق تتحملان مسؤولية الهجوم الذي استهدف الصحافيين، داعيا المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى حماية الصحافيين من الجرائم التي ترتكبها الدولة التركية، في ظل استمرار الصمت الحكومي.

محمد الحاج محمود: الاتفاق أُبرم على حساب ضرب الكرد
محمد الحاج محمود: الاتفاق أُبرم على حساب ضرب الكرد

وقال السياسي الكردي أدهم بارزاني “إن استهداف الصحافيتين جريمة دولية، ينتهك كل قوانين وأعراف حقوق الإنسان. وهو انتهاك لحقوق المواطنين والصحافيين”. ودعا “المجتمع الدولي إلى وضع حد لهذه الانتهاكات التي باتت تشكل خطراً على حياة المواطنين المدنيين”.

وخلال مؤتمر صحفي أكد كامل حمه رضا رئيس مؤسسة جتر، وهي شركة إعلامية كردية، مقتل صحافيتين تعملان في مؤسسته، إحداهما من السليمانية والثانية كردية من تركيا.

من جانبه قال جهاز مكافحة الإرهاب في إربيل عاصمة إقليم كردستان في بيان “استهدفت طائرة دون طيار تابعة للجيش التركي في الساعة الـ11 صباحا مركبة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني بالقرب من قرية تبراشي في منطقة سيد صادق بمحافظة السليمانية”. وتابع “ما أسفر عن مقتل مسؤول في حزب العمال الكردستاني وسائقه ومقاتل مرافق له”.

ولحزب العمال الكردستاني قواعد خلفية في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي والذي فيه أيضا قواعد عسكرية تركية منذ 25 عاما.
ويخوض الحزب تمردا مسلحا ضد السلطات التركية منذ عام 1984 وتصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية.

وبالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية التركية بحجة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني شمالي العراق يواصل أهالي العشرات من القرى في إقليم كردستان النزوح بسبب شدة القصف الذي يطال مناطقهم.

1