السلع الفاخرة بعيدة عن فلك الحرب التجارية بين الصين وأوروبا

شنغهاي (الصين) - يستبعد المحللون أن تستهدف المعركة التجارية القائمة بين الصين والاتحاد الأوروبي منتجات السلع الفاخرة، في وقت يواجه فيه القطاع العديد من المطبات، وخاصة من قبل سوق السلع الفاخرة المستعملة.
وخلال الأيام القليلة الماضية تراجعت أسهم السلع الفاخرة الأوروبية بسبب مخاوف المستثمرين من أن تكون حقائب اليد هيرميس وحقائب ديور هي الأهداف التالية للانتقام من بكين.
وجاء هذا المنحنى المفاجئ بعد أن قرر الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، بنسب تتجاوز الأربعين في المئة، مما ولد قلقا لدى المصنعين الأوروبيين وخاصة عملاق القطاع الألماني فولكسفاغن.
وقال باتريس نوردي، الرئيس التنفيذي لشركة تراجيكتري لاستشارات الابتكار، ومقرها شنغهاي، “إنها مسألة كيفية رد بكين على تعريفات السيارات الكهربائية. هل سيكون هناك تصعيد؟ أعتقد نعم. هل ستلاحق السلع الفاخرة؟ لا أعتقد ذلك”.
وحتى الآن، استهدفت تحركات الصين في الخلاف التجاري المستمر مع الاتحاد الأوروبي البراندي ولحم الخنزير ومنتجات الألبان، وكلها صناعات رئيسية بالنسبة إلى فرنسا، التي ضغطت من أجل فرض تعريفات جمركية على المركبات الكهربائية صينية الصنع المستوردة إلى الاتحاد الأوروبي.
وانخفضت أسهم شركة أل.في.أم.أتش، التي تقوم أيضًا بتسويق كونياك هينيسي الفاخر وهيرميس وكيرينغ وفيراغامو وبربري، بنسبة اثنين إلى ستة في المئة الثلاثاء الماضي، بعد أن أكدت بكين أنها ستفرض إجراءات مؤقتة لمكافحة الإغراق على واردات البراندي.
وقال جاك رويزن المدير الإداري للاستشارات الصينية في مجموعة ديجيتال ليكسوري غروب إن “استهداف السلع الفاخرة في الصين سيتعارض مع السياسات المفضلة باستمرار للشركات الفاخرة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
وأضاف أن “الصين تحرص على الاحتفاظ بالمزيد من الإنفاق على السلع الفاخرة بدلا من رؤية المستهلكين يتفاخرون في الأسواق الخارجية”.
ويشير إلى مثال هاينان، التي تم بناؤها لتصبح مركزا رئيسيًا للإعفاء من الرسوم الجمركية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اعتراف صناع السياسات بأن الإنفاق على السلع الفاخرة في الصين مفيد للبلاد.
وقال رويزن “عندما تتم مبيعات السلع الفاخرة في الصين، فهذا يعني المزيد من الإيرادات الضريبية، وهو أمر مهم”.
وأوضح أنه إذا كانت هناك بيئة مالية جديدة تجبر العلامات التجارية الفاخرة على زيادة أسعارها في الصين، فإن ذلك سيفرز حافزا إضافيا للمستهلكين الصينيين لدفع نفقاتهم الفاخرة خارج الصين، وهو عكس ما تريده الحكومة.
ومن المتوقع أن يمثل حجم سوق السلع الفاخرة الصينية، حتى مع الأخذ في الاعتبار التباطؤ الأخير، 35 في المئة من الإجمالي العالمي هذا العام، وفق يلينا سوكولوفا، كبيرة محللي الأسهم في شركة مورينينغ ستار.
وتقول مورينينغ ستار إن هذا يساعد في تفسير رد فعل أسهم السلع الفاخرة الأوروبية على كل إعلان يأتي من الصين، لكنه يعني أيضًا أنه حتى التهديد بفرض تعريفات جمركية أو زيادة ضرائب الاستهلاك المحلي على السلع الفاخرة المستوردة سيضرب التكتلات الفاخرة الفرنسية بشكل مؤلم.
وبلغت شحنات البراندي الفرنسي إلى الصين 1.7 مليار دولار في العام الماضي وتمثل 99 في المئة من واردات البلاد من الكحول، في حين تم استيراد سلع أوروبية فاخرة بقيمة 11 مليار يورو (12 مليار دولار) إلى الصين في العام الماضي.
تحركات الصين في الخلاف التجاري المستمر مع الاتحاد الأوروبي استهدفت حتى الآن البراندي ولحم الخنزير ومنتجات الألبان
لكن حجم صناعة السلع الفاخرة في حد ذاته قد يجعلها هدفا أقل احتمالا لبكين، وفقا لما أكده ألبرت هو أستاذ الاقتصاد في كلية الصين وأوروبا للأعمال الدولية في شنغهاي لوكالة رويترز.
ويعتقد ألبرت أنه في هذه المرحلة، لا الاتحاد الأوروبي ولا الصين يريدان حربًا تجارية واسعة النطاق من شأنها أن تضر الاقتصادين.
وقال إن “تنسيق الصين الدقيق نسبيًا للأهداف الانتقامية حتى الآن يشير إلى أن بكين حريصة على مواصلة التفاوض والعمل نحو التوصل إلى اتفاق. تم التوصل إلى تسوية مع بروكسل”.
كما أن طبيعة صناعة السلع الفاخرة تجعل من الصعب على الصين أن تدافع بشكل معقول عن ادعاءاتها بشأن الإغراق.
وقالت سوكولوفا “من الصعب منطقياً تبرير وجود مبرر للتخلص من حقائب اليد التي تبلغ قيمتها ألفي دولار”.
وفي خضم ذلك يتهافت الزبائن على المتاجر لشراء المنتجات الفاخرة المستعملة، من ثياب وأحذية، إذ يمكن مثلا الحصول على فستان من ماركة ديور لقاء 489 يورو وحذاء غوتشي في مقابل 368 يورو، لكنّ دور الأزياء والماركات الكبرى لا تستسيغ هذه الظاهرة.
وتقول مديرة متجر لا ماريل الفرنسي كريستيل لوكلير لوكالة فرانس برس “الجميع يأتون، فعلا. لم يعد يوجد تكبّر في ما يتعلق بالملابس المستعملة (…) وخصوصا أن لا تنزيلات في مجال المنتجات الفاخرة”.
ويمكن في متجرها شراء القطعة بسعر يقلّ بنحو 70 في المئة في المتوسط عن ثمنها الأصلي.
وعلى تطبيق فينتد، يُسجّل “تقدّم ملحوظ” لعرض المنتجات الفاخرة المستعملة، وفق مديرة القسم المختص بها في المنصة سيسيل ويكمان.
وتؤكد أنه استنادا إلى دراسة أجرتها شركة باين آند كومباني الاستشارية فإن حجم هذه السوق على المستوى العالمي بلغ نحو 49 مليار دولار عام 2023، أي بزيادة من 4 إلى 6 في المئة على مدى عام واحد.