السلطة المصرية تواجه تحدي فقدان السيطرة على النقابات المهنية

المهندسون يتصدون لمحاولات الظهير السياسي للحكومة وضع يده على النقابة.
الخميس 2023/06/01
"بلطجية" يداهمون مقر اجتماع الجمعية العمومية للمهندسين ويتلفون أوراق التصويت

حمل اقتحام عناصر مجهولة لمقر انعقاد الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين المصريين، قبيل إعلان النتائج عن قرار سحب الثقة من النقيب الحالي طارق النبراوي، صورة سلبية وسط اتهامات لحزب "مستقبل واطن" بالوقوف خلف ما حصل بسبب عجزه عن الإطاحة بالنقيب.

القاهرة - بعث أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المهندسين برسالة قوية إلى السلطة المصرية، بتصديهم لمساعي حزب "مستقبل الوطن" الذي يمثل ظهيرا سياسيا لها السيطرة على النقابة. وصوّت أعضاء الجمعية العمومية في نقابة المهندسين برفض إجراءات سحب الثقة من النقيب الحالي طارق النبراوي المحسوب على تيار الاستقلال.

وأحدث انحياز غالبية المهندسين للنبراوي ردود فعل واسعة، الأربعاء، وتوقفت دوائر عديدة عند الحدث الذي حمل علامة على أن أجهزة السلطة بصدد فقدان السيطرة على النقابات المهنية كمخزن تقليدي مهمّ في الحراك السياسي بمصر، خاصة بعد تطورات حدثت في نقابتي الصحافيين والمحامين، لم تكن في صالحها.

واختتمت الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين التي دعا لها مجلس النقابة لسحب الثقة من النبراوي، مساء الثلاثاء، بحالة من الفوضى وإتلاف صناديق التصويت من مجهولين وتحطيمها ونثر أوراق الفرز داخل قاعة كبيرة، ما أسفر عن إصابة أحد المهندسين، وهو ما حال دون إعلان النتيجة النهائية رسميا.

وانسحبت اللجنة المشرفة على الجمعية العمومية لنقابة المهندسين من منصة إعلان النتيجة قبل لحظات من إعلانها رسميا وبعد هجوم عدد من معارضي النبراوي عليها. واتهم النبراوي صراحة من أسماهم بـ"بلطجية حزب مستقبل وطن” باقتحام مقر انعقاد الجمعية العمومية غير العادية وتقدم ببلاغ إلى النائب العام، وطالب بإحالة ما جرى من أحداث عنف إلى الرأي العام وأجهزة الدولة ورئيس الوزراء ووزير الداخلية للتحقيق فيها والوقوف على مجمل الأوضاع الراهنة.

حماد عبدالله حماد: 22 ألف مهندس رفضوا سحب الثقة من النقيب طارق النبراوي
حماد عبدالله حماد: 22 ألف مهندس رفضوا سحب الثقة من النقيب طارق النبراوي

وفاز النبراوي بمقعد نقيب المهندسين في مارس من العام الماضي بعدما أطاح بمرشح الحكومة هاني ضاحي، وهو وزير نقل سابق، وقيادي بحزب “مستقبل وطن". وشهدت نقابة المهندسين جملة من الأزمات مؤخرا أدت إلى المطالبة بسحب الثقة من النبراوي، عقب انقسام شهدته النقابة منذ انعقاد الجمعية العمومية العادية في السادس من مارس الماضي، وسط تبادل للاتهامات بين النقيب وهيئة المكتب التي ينتمي أغلب أعضائها إلى حزب "مستقبل وطن".

وانعقدت الجمعية العمومية الطارئة لسحب الثقة من النقيب العام بناء على طلب تقدم به 1960 عضوا، وشهدت الجلسة إقبالا حاشدا وقُدر عدد الحضور بـ25 ألف عضو.

ويرى مراقبون أن الإقبال من جانب المهندسين ورفضهم مساعي سحب الثقة رسالة تحذير بأن سياسات الحكومة لا ترضي قطاعات واسعة، وأن انتخاب نقيب للصحافيين محسوب على المعارضة إلى جانب انتخاب ستة أعضاء لمجلس النقابة من المعارضة كان إشارة تعبّر عن حالة من الإحباط في الشارع تظهر عبر توجهات الناخبين في اقتراعات النقابات المهنية التي تحظى بقدر كبير من النزاهة والشفافية.

وقال عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين حماد عبدالله حماد إن الجمعية العمومية كانت شاهدة على أكبر تحرك من أعضائها في تاريخها، وأغلب من جاؤوا كانوا مدفوعين بتوجيهات من هيئات وجهات حكومية لسحب الثقة من النقيب الحالي، وأن أعضاء مكتب النقابة، وتحديداً الأمين العام المساعد والوكيلان، أشرفوا على عمليات الحشد غير أن النتائج جاءت عكس توقعاتهم.

وأضاف حماد في تصريح لـ"العرب" أن الأرقام النهاية قبل الإعلان عن النتيجة أشارت إلى رفض 22 ألف مهندس سحب الثقة من النبراوي فيما وافق 1961 فقط على إجراءات سحب الثقة منه، وأن الجمعية العمومية شارك بها أكثر من 24 ألف مهندس، وهذه النتيجة دفعت أعضاء مكتب مجلس النقابة للتحرك لوقف إعلان النتيجة وارجائها إلى حين الاستعانة بعدد من البلطجية الذين اعتدوا على بعض المهندسين.

وأشار إلى أن المجلس الأعلى لنقابة المهندسين تقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد الانتهاكات التي جرت بعد منع القضاة المشرفين على عملية الفرز من إعلان النتائج، وأن الدولة بأجهزتها المختلفة عليها التحرك للنظر في “الكارثة” التي وقعت والتعرف على الأسباب التي قادت لدخول مجهولين إلى أماكن صناديق الاقتراع في غياب أجهزة الأمن، والتحقيق مع قيادات حزب "مستقبل وطن" الذين هدفوا إلى إفشال المشهد الذي اتسم بالديمقراطية والنزاهة منذ انطلاق التصويت على سحب الثقة.

وبثت النائبة في البرلمان المصري مها عبدالناصر فيديو من داخل مقر الاقتراع قالت إنه بلاغ للنائب العام عن أعمال البلطجة التي تعرض لها المهندسون في جمعيتهم العمومية، وتورط عدد من المجهولين في كسر ذراع أحد المهندسين، وتحطيم صناديق الاقتراع لمحو الدليل على فشل تغيير إرادة المهندسين بإبعاد نقيبهم.

وقالت "لا يجوز أن يتم تسليط البلطجية للاعتداء على المهندسين وترويع المستشارين (القضاة) حتى لا يتم الإعلان عن النتيجة، وأتقدم ببلاغ إلى كافة الجهات الرقابية وأنا نائبة بمجلس النواب وشاهدة على ما جرى ومستعدة لأيّ تحقيق".

جمال أسعد: مستقبل وطن يشكل أغلبية برلمانية مصنوعة
جمال أسعد: مستقبل وطن يشكل أغلبية برلمانية مصنوعة

وأوضح المحلل السياسي جمال أسعد لـ”العرب” أن واقعة نقابة المهندسين تختلف عن انتخابات نقابة الصحافيين، فالثانية كانت منظمة ولم يحدث فيها عنف، وأن الحكومة كانت تتصور أن مرشحها سينجح في الانتخابات والمفاجأة الأولى هي فوز النقيب الحالي للصحافيين خالد البلشي، وجذبت هذه الانتخابات أنظار الجميع في الداخل والخارج بأن هناك معارضة قوية ضد الحكومة، عبّرت عن أن حرية التعبير عن الرأي لا بد أن تكون مصانة مهما طال الزمن.

وتابع أسعد “في نقابة المهندسين كان من المفترض سحب الثقة من النقيب بقرار سلطوي، لكن التصويت أظهر رغبة الجمعية العمومية التمسك به، وهنا ظهرت الأساليب التقليدية التي يجب أن تغيب، لأنه لا أحد سيكون بإمكانه الوقوف أمام الجماهير".

ولفت إلى أن "مستقبل وطن" يشكل أغلبية برلمانية مصنوعة ولا يعبّر عن الحكومة ولم يشكّلها، لكنه يتبعها وينفذ أوامرها، وليس من المتوقع أن يكون له حضور قوى في المستقبل، وأن صناعته بصورة سريعة تقود إلى نهايته سريعًا.

وفي وقت سابق اتهم النبراوي “مستقبل وطن” بشن حملة ضده مستعيناً بأجهزة الدولة وبعض الوزارات لمحاولة توجيه إرادة المهندسين بأسلوب الترهيب والترغيب، والجميع يشهد على هذه الإجراءات، وهذا الاستنفار في كافة محافظات الجمهورية.

ويؤكد متابعون أن تطورات نقابتي الصحافيين ثم المهندسين، وقبلهما المحامين، وجهت رسالة هامة إلى الحكومة مفادها أن جموع المواطنين الذين يشكلون النقابات المهنية وأغلبهم من الطبقة الوسطى يسعون لإحداث تغيير في السياسات والأشخاص والأزمات الاقتصادية التي تعرضوا لها سوف تخلق احتقانا مجتمعيا.

ويمكن أن تصبح النقابات المهنية ساحة قابلة للقيام بدور مهم في التنفيس السياسي وسيتم القياس على موقف الحكومة مما جرى في نقابة المهندسين على مدى مصداقيتها في نجاح الحوار الوطني الراهن، وأن تمرير ما جرى دون الوقوف على أسبابه ودوافعه ومحاسبة المتورطين فيه سينعكس حتما بالسلب على صورة الحوار.

2