السلطة الفلسطينية تخشى من توجه أميركي لتحييدها

عباس: لا يحق للأميركيين ولا لغيرهم أن يكونوا في غزة.
الاثنين 2025/05/12
عباس ينتقد من موسكو خطط واشنطن

وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من موسكو، وبنبرة لم تخل من حدة وتحد، جملة من الرسائل للإدارة الأميركية في مقدمتها رفضه "القاطع" لأي إدارة مؤقتة في غزة بقيادة واشنطن، وهو موقف غير مألوف لعباس، الذي لطالما كان حذرا في إبداء أي موقف تجاه ما يصدر عن إدارة ترامب.

رام الله - تتوجس السلطة الفلسطينية من وجود نوايا أميركية لتحييدها، واستثنائها من لعب أي دور في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وربما إنهاء دورها الوظيفي مستقبلا في الضفة الغربية.

ويرى مراقبون أن مخاوف السلطة الفلسطينية لها ما يبررها، حيث أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب تنظر للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس على أنها عاجزة وأضعف من أن يراهن عليها أو أن تكون جزءا من الحل، على خلاف الإدارة السابقة بقيادة جو بايدن التي كانت تدفع باتجاه تولي هذه السلطة إدارة قطاع غزة بعد الحرب، شريطة أن تجري إصلاحات، تعيد من خلالها ثقة الداخل الفلسطيني والمجتمع الدولي.

وفي موقف لافت أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه القاطع لإقامة إدارة أميركية في قطاع غزة، قائلا إن الجانب الفلسطيني أبلغ واشنطن بذلك.

وجاءت تصريحات عباس خلال مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رد على تقارير أميركية كشفت عن خطط تجري مناقشتها لتشكيل إدارة مؤقتة بقيادة أميركية لقطاع غزة، إلى حين تمكين الفلسطينيين من تسلم زمام الأمور على ألا تكون لهم انتماءات إلى حركة حماس أو السلطة الفلسطينية.

ويرى متابعون أن موقف عباس لا ينبع من رفضه لـ”احتلال مقنع” للقطاع المدمر، بل هو مرتبط بمخاوف على مستقبل سلطته، مذكرين بالموقف الخجول للرئيس الفلسطيني، حينما اقترح ترامب في بداية عهدته الرئاسية الحالية تهجير فلسطينيي غزة إلى دول الجوار.

وقال الرئيس الفلسطيني “نرفض رفضا قاطعا فكرة تهجير الشعب الفلسطيني من غزة كما طرحها ترامب عندما أعلن أنه لا بد من تهجير أهل غزة ليبني محلهم ريفييرا فرنسية جديدة في غزة.”

موقف عباس لا ينبع من مبدأ رفضه لـ"احتلال مقنع" للقطاع المدمر، بل هو مرتبط بمخاوف على مستقبل سلطته

وتابع “طبعا هذا هراء ولا يمكن أن نقبل به ولذلك رفضناه رفضا قاطعا وأبلغناهم أن هذا الموضوع لا يمكن أن نقبل به.”

وواصل الرئيس الفلسطيني قائلا “سمعنا مؤخرا أيضا أن هناك فكرة لإقامة إدارة في غزة من الأميركان. أيضاً نحن نرفض هذا رفضا قاطعا وأبلغنا الأميركان بذلك.”

وشدد على أنه “لا يحق لا للأميركيين ولا غيرهم أن يكونوا في قطاع غزة. نحن يجب أن نعود إلى قطاع غزة، ونحن قادرون على أن نحكم هذه المنطقة.”

وأردف “بالتالي، على الأميركيين إما أن يساعدوا أو يتخلوا عن هذه الأفكار.”

ونقلت وكالة رويترز مؤخرا عن مصادر مطلعة قولها إن الولايات المتحدة وإسرائيل تدرسان إمكانية أن تقود واشنطن إدارة مؤقتة لقطاع غزة بعد انتهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع.

وبحسب الوكالة فإن المشاورات “رفيعة المستوى” ركزت على تشكيل حكومة انتقالية يقودها مسؤول أميركي للإشراف على غزة حتى يتم نزع سلاحها واستقرارها، وظهور إدارة فلسطينية قابلة للاستمرار.

وقالت المصادر لرويترز إن هذه المناقشات لا تزال في مراحلها الأولية، ولم يتم تحديد جدول زمني ثابت لطول فترة إدارة كهذه بقيادة أميركية، حيث سيعتمد الأمر على الوضع الميداني.

وأفادت بأن دولاً أخرى ستُدعى للمشاركة في هذه الإدارة التي من المزمع أن تقودها الولايات المتحدة في غزة، دون تحديد تلك الدول. وأضافت أن الإدارة ستعتمد على تكنوقراط فلسطينيين، لكنها ستستثني حركة حماس الإسلامية والسلطة الفلسطينية التي تملك سلطة محدودة في الضفة الغربية المحتلة.

ويرى متابعون أن رد فعل عباس على المقترح والنبرة الحادة له يعكسان قلقا متناميا من تبني الإدارة الأميركية لرؤية إسرائيل، في علاقة بتهميش السلطة الفلسطينية ومعارضة أي دور لها في القطاع، وربما إنهاء دورها أيضا في الضفة الغربية.

ويشير المتابعون إلى السلطة الفلسطينية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية حيال ما يجري، في ظل سوء إدارتها، وتغلغل الفساد بين أركانها، وإقصائها لمعارضيها، كل ذلك ضرب مصداقيتها في الداخل والخارج، وأدى إلى صرف الأنظار عن القضية المركزية، قبل أن يتم بحث كيفية طمسها نهائيا.

ويلفت المتابعون إلى أن الإصلاحات الطفيفة التي أحدثتها السلطة، وآخرها اختيار نائب للرئيس، لا يمكن أن تقنع المجتمع الدولي أو الفلسطينيين أنفسهم بحدوث تغير يعيد الثقة بها.

ومن جهة ثانية من الواضح أن إدارة ترامب لديها تصور مختلف للتعاطي مع الملف الفلسطيني لا تملك فيه السلطة الفلسطينية أي موقع.

ونفت مصادر قريبة من السلطة الفلسطينية الأحد تلقي عباس أي دعوة رسمية أو إشعارات تفيد بترتيبات لعقد لقاء مع الرئيس الأميركي خلال زيارته المنتظرة إلى المنطقة.

وهناك عدم اكتراث واضح للمسؤولين الأميركيين بلقاء ممثلين عن السلطة الفلسطينية، للاستماع إلى مشاغلهم.

السلطة الفلسطينية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية حيال ما يجري، في ظل سوء إدارتها، وتغلغل الفساد بين أركانها، وإقصائها لمعارضيها

وكانت تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية كشفت مؤخرا أن إدارة ترامب تعتزم إلغاء منصب المنسق الأمني – الأميركي للضفة الغربية وقطاع غزة، وهو المنصب الذي يشغله الجنرال مايكل فينزل منذ عام 2021.

ويعتبر مكتب المنسق الأمني الأميركي للضفة وغزة من المناصب الأقل شهرة في هيكل العلاقات الأميركية – الفلسطينية، لكنه يمثل أبرز أدوات الانخراط الدفاعي الأميركي مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

وتشي خطوة إلغاء المنصب بأن الإدارة الأميركية بصدد التحلل من أي ارتباط أو تنسيق مع سلطة عباس.

وأُنشئ هذا المنصب في عام 2005 بهدف تدريب القوى الأمنية الفلسطينية وتعزيز التنسيق الأمني بينها وبين الجانب الإسرائيلي. ورغم تبعيته لوزارة الخارجية الأميركية يتولى قيادة المكتب جنرال أميركي ويقع مقره في القدس.

وسبق أن أوقفت الإدارة الأميركية في فبراير الماضي كل التمويلات التي كانت تقدمها إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك ضمن قرار واشنطن تجميد مساعداتها الخارجية على مستوى العالم.

وكانت واشنطن قطعت المساعدات المباشرة عن السلطة الفلسطينية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى، لكنها استمرت في تمويل تدريب قوات الأمن، التي من المفترض أنها تشكل المحور الرئيسي لقدرة السلطة على الحفاظ على القانون والنظام.

وخلال لقائه ببوتين وجّه عباس الشكر لروسيا “على مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، سواء في الدعم السياسي أو الاقتصادي.”

وأكد الرئيس الفلسطيني على ضرورة “التمسك بالشرعية الدولية كأساس لحل القضية الفلسطينية وقيام دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.”

وأوضح عباس أن المساعدات الروسية الأخيرة، المتمثلة في شحنة قمح تبلغ 30 ألف طن مخصصة لغزة، تمثل بلسما للشعب الفلسطيني في ظل الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، التي أودت بحياة أكثر من 51 ألف شخص، وخلّفت أكثر من 150 ألف جريح وآلاف المفقودين.

2