السلطة الجزائرية تفكك الوعاء المدني للحراك بحل منظمات وتعليق عمل أحزاب

الرئيس الجزائري يتخذ من شماعة المؤامرة ذريعة لضرب الحريات.
الجمعة 2023/02/24
أجواء مكفهرّة

يعكس قرار السلطات الجزائرية بحل جمعية “راج”، وتعليق عمل حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وقبله حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وجود توجه رسمي لتفكيك الحاضنة المدنية للحراك الاحتجاجي الذي شهدته البلاد قبل سنوات قليلة.

الجزائر - أصدر مجلس قضائي بالجزائر الخميس قرارا بحل جمعية شبابية على صلة بالحراك الاحتجاجي الذي شهدته البلاد قبل نحو أربع سنوات، كما علق نشاط حزب يساري معارض.

ولم يوضح مجلس الدولة الجزائري سبب اتخاذه قرار حل جمعية “تجمع – عمل – شبيبة” (راج) الجزائرية المحظور نشاطها بالفعل، أو تعليق نشاط حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية.

وجاءت الخطوة بعد أسابيع قليلة من قرار بحل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ما يعكس نية السلطة في تفكيك الفواعل المدنية التي كانت تمثل وعاء شعبيا وسياسيا للحراك الشعبي الذي يحيي ذكراه الرابعة في جو من القمع ومن الصمت الرسمي رغم إدراجه في دستور البلاد.

عبدالمجيد تبون: الجزائر تواجه تحدّيات التصدي لمحاولات استهدافها
عبدالمجيد تبون: الجزائر تواجه تحدّيات التصدي لمحاولات استهدافها

وأيد مجلس الدولة في العاصمة الجزائرية، وهو أعلى هيئة قضائية تختص في حل النزاعات الإدارية، الحكم القضائي القاضي بحل جمعية “راج”، وذلك بدعوى تنافي نشاطها مع العمل الأساسي لفعاليات المجتمع المدني، حيث تفرغت لنشر الخطاب السياسي وتنشيط التجمعات، إلى جانب عدم تكيفها مع القوانين الناظمة.

وجمعية “راج” التي تأسست العام 1993 تعرف بعملها ونشاطها المعارض للسلطة، ودعم الخطاب السياسي الديمقراطي، وكان لها دور لافت في احتجاجات الحراك الشعبي منذ اندلاعه في فبراير 2019، فكانت طيلة التظاهرات والاحتجاجات المنتظمة تمثل أحد روافده الشعبية.

وتزامن القرار مع الذكرى الرابعة للحراك الشعبي الجزائري التي خيم عليها هذا العام استمرار القمع السياسي في البلاد، والصمت المثير للسلطة التي أدرجت الأحداث في الوثيقة الدستورية للعام 2020، وهو ما اعتبر رسالة من السلطة لقوى المعارضة وللفواعل المؤيدة له تنطوي على عزمها إنهاء كل أشكال المعارضة السياسية والشعبية بما فيها الأحزاب السياسية والجمعيات وحتى النقابات التي لا تسير في خطها.

وتتخذ السلطة الجزائرية من نظرية المؤامرة ذريعة تسوقها للأري العام المحلي لغض الطرف عن انتهاكاتها للحقوق والحريات، وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إن بلاده “تواجه تحديات التصدي لمحاولات الاستهداف العدائي” لها.

وكان قرار حل “راج” قد صدر في أكتوبر العام 2021، غير أن قيادات الجمعية استأنفت الحكم على أمل تراجع السلطة عن موقفها من المنظمات المدنية، قبل أن تفاجأ الجمعية بتأييد الحكم الذي أنهى عقدين من النضالات المدنية والسياسية لها.

وذكرت الجمعية في بيان على صفحتها الرسمية في فيسبوك بأن “مجلس الدولة أيد حكم حل الجمعية” بعد الدعوى التي رفعتها ضدها وزارة الداخلية والجماعات المحلية في العام 2021.

وكان رئيس الجمعية عبدالوهاب فرصاوي قد سجن لمدة ستة أشهر العام 2020 على خلفية نشاطه في الحراك الشعبي وقيادته لجمعية باتت تشتغل خارج الأطر القانونية والتشريعات الناظمة.

hgfvglhk

وبهذا القرار تلتحق جمعية “راج” بالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي أعلن منذ أسابيع عن حلها بقرار قضائي، وقبلهما لقيت أحزاب سياسية نفس المصير بدعوى عدم التكيف مع التشريعات الناظمة للعمل الحزبي والجمعوي، الأمر الذي اعتبره ناشطون سياسيون “إمعانا في سياسة القمع السياسي والتخلص من الفعاليات المناوئة للسلطة”.

وباستثناء بعض التعليقات والصور التذكارية للحراك الشعبي التي تداولها أصحابها على شبكات التواصل الاجتماعي، والمسيرة الشعبية التي انتظمت بباريس الأحد الماضي لإحياء الذكرى وتجديد المواقف السياسية والمبادئ الأساسية للحراك الشعبي، مرت الذكرى في صمت مثير في الجزائر.

واكتفت السلطة التي أدرجت الحراك الشعبي في ديباجة دستور العام 2020 كمرجعية شعبية وسياسية لما يعرف بـ”الجزائر الجديدة” ببعض التظاهرات الرمزية المعزولة في إطار ما يعرف بـ”عيد التلاحم بين الجيش والشعب”، وبرسائل مقتضبة من طرف مسؤولي الدولة، الأمر الذي يوحي بأن السلطة التي حاولت العزل بين ما تصفه بـ”الحراك الأصيل” و”الحراك المفبرك”، تتجه إلى تجاهل الأحداث ما دامت مقاربتها عاجزة عن إقناع الشارع بتفكيك الحراك “الواحد” بحسب أنصاره الراديكاليين، رغم الآلة الأمنية المنتهجة لإنهاء جميع أشكاله.

السلطة الجزائرية تتخذ من نظرية المؤامرة ذريعة تسوقها للرأي العام المحلي لغض الطرف عن انتهاكاتها للحقوق والحريات

وقال تبون الخميس إن “الجزائر الجديدة تتوجه إلى عهد خال من الفساد والظلم، وكل أشكال الانحرافات من بيروقراطية ورشوة ومحاباة”.

وذكر رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) صالح قوجيل في كلمة له بالمناسبة بأن “الجيش الوطني الشعبي يعود له الفضل في تقوية اللحمة الوطنية وحماية المتظاهرين، وأن شعار ‘جيش شعب خاوة خاوة’ (الجيش والشعب إخوة) يؤكد الروح الوطنية القوية، وهذا أمر يقلق الأعداء”.

وأضاف “كل أسبوع كنا نرى مظاهرات سلمية تنادي بشعار ‘جيش شعب خاوة خاوة’ ولم تتم إراقة قطرة دم واحدة، وأن بناء جزائر جديدة يتطلب تجند الجميع في المشروع الهام الذي تشهده البلاد، والوقوف كرجل واحد في وجه الأعداء”.

ولفت قوجيل إلى أن “تحدي اليوم يتمثل في تحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي هو ضمان للاستقلال السياسي، وأن الجزائر تتعامل مع جميع الأطراف سواء من الشرق أو من الغرب، نحن نتعامل مع مختلف الأطراف ومن كل الجهات، لكن لنا رأينا الخاص”.

ونددت قوى حقوقية محلية ودولية بمسار السلطة في التضييق على الحريات الأساسية، لاسيما حل منظمات وجمعيات حقوقية في رصيدها عقود نضالية في سبيل إرساء حقوق الإنسان بالبلاد، واعتبرت حل رابطة حقوق الإنسان وجمعية “راج” هو تهديد مباشر للمكاسب الديمقراطية التي حققتها تضحيات الجزائريين في انتفاضة أكتوبر 1988.

وعلقت منظمة العفو الدولية على القرار بالقول “حل الجمعية بمثابة ضربة قاسية للحق في حرية تكوين الجمعيات التي يكفلها الدستور”، أما فتحي غراس منسق حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية المنحلة هي الأخرى، فقد صرح “بتجميد نشاط الحزب وغلق مقره، وحل جمعية ‘راج’، فإن النظام يبحث عن مخرج لأزمته بقتل الحياة السياسية”.

4