السلطة الجزائرية تركن إلى الصمت في مسعاها لتجاوز صدمة عدم الانضمام إلى بريكس

فضلت السلطة السياسية في الجزائر الركون إلى الصمت وهي تحاول تجاوز صدمة عدم الانضمام إلى بريكس، رغم مطالبات الشارع بضرورة الخروج والكشف للرأي العام عن الأسباب التي أدت إلى هذا الإخفاق.
الجزائر - يتواصل الصمت الرسمي والسياسي في الجزائر حول استثناء البلد من القائمة المرشحة للانضمام إلى مجموعة بريكس، ولم تصدر إلا تعاليق معزولة في شكل مساهمة أو منشور أو تصريح من هذه الشخصية الحزبية أو تلك، فيما لم يصدر أي تصريح عن السلطة أو عن القوى السياسية الداعمة لها.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر ضجت على مدى الأيام الماضية بخبر استثناء البلاد من الانضمام إلى المجموعة، وعبر الآلاف من الجزائريين عن خيبة أملهم، وفقدانهم الثقة في السلطة السياسية القائمة التي روجت منذ فترة غير بعيدة أن الانضمام شبه محسوم.
وقد طالب الجزائريون على مواقع التواصل الحكومة الجزائرية بضرورة الخروج وتوضيح الأسباب الحقيقية التي أدت إلى رفض طلب الانضمام، لكن الأخيرة فضلت التجاهل والركون إلى الصمت، فيما شرعت قيادات سياسية في نبش الأسباب الكامنة خلف الرفض.
وقال القيادي في حزب الكرامة محمد قندوز إن الغموض يكتنف كواليس مجموعة بريكس، والمعايير التي تطبقها في قبول الطلبات أو رفضها، نافيا أن يكون عدم قبول بلاده فشلا للقيادة السياسية أو سوء تقدير منها للتحولات المتسارعة في العالم.
وشدد المتحدث في تصريح صحفي على أن “الرئيس عبدالمجيد تبون لم يجزم بضمان الانضمام إلى المجموعة، وإنما كان يؤكد في تصريحاته على أن الجزائر عملت على استيفاء الشروط الممكنة، ولذلك فإن القرار هو تأجيل وليس رفضا”، في إشارة إلى تجديد الطلب خلال الدورة القادمة للمجموعة.
وقدم رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان قراءته لقرار مجموعة بريكس بعدم ضم بلاده، الذي وصفه بـ”الصادم والمر”، في مساهمة وزعت على وسائل إعلام مختلفة، لتكون بذلك أول موقف يصدر عن إحدى القوى السياسية التي انتقلت في ظرف وجيز من المعارضة إلى الموالاة.
وذكر سفيان أن “قمة بريكس التي عقدت في جوهانسبرغ ستترك للجزائريين طعما مريرا، وإن الأمل في أن تكون جزءاً من نخبة البلدان التي تطمح إلى بناء عالم متعدد الأقطاب سينقلب إلى الشعور بخيبة الأمل إزاء الرفض بهذه الطريقة الوحشية”.
وألمح رئيس حزب جيل جديد إلى أن الرهان الجزائري على مثل هذا الإنجاز شابته اختلالات تترجم تجاهل نقاط ضعف جوهرية، وقال “إن الاستثمار الدبلوماسي والسياسي والإعلامي للجزائر ورئيسها، من أجل الانضمام إلى مجموعة بريكس، لا يمكن أن يحجب نقاط الضعف البنيوية”.
وإلى غاية الأيام القليلة التي سبقت قمة جوهانسبرغ لمجموعة بريكس، كانت الساحة السياسية تعج بدعاية حزبية وإعلامية ضخمة قادتها جبهة الموالاة ووسائل إعلام مختلفة، فكانت العضوية في حكم الأمر المحسوم، لكن قرار الرفض كان صادما وألجم الكل إلى حد الآن.
وفي دعوة مبطنة إلى ضرورة تقييم الذات والتخلص من خطاب المؤامرة، دعا جيلالي سفيان إلى ضرورة مواجهة الحقيقة والعودة إلى الواقع، معتبرا أنه “من الوقاحة أن نحمل المسؤولية عن فشلنا بسوء نية أو (نعزوه) إلى عداء خاص حمله ضدنا عضو أو أعضاء من مجموعة الخمسة المؤسسين للمجموعة”.
وأضاف “سيكون الأمر أكثر خطورة حين يكون ردنا بدافع الحقد، فبقدر ما قد يكون الأمر مؤلما من واجبنا أن نحلل بهدوء الأسباب التي دفعت شركاءنا إلى عدم قبول حماسنا للانضمام إليهم”.
وذكر جيلالي سفيان أنه كانت لدى الجزائر الكثير من الأصول الجيوسياسية، والتي كان من الممكن أن يكون لها تأثير كبير في قرار الدول الخمس، لكن تلك الأصول ظهر أنها ليست الوحيدة من بين المرشحين.
ولا زالت القراءات الجزائرية متباينة بشأن الأسباب الحقيقية التي حالت دون انضمام البلاد إلى المجموعة، بين من يحصرها في الجانب الاقتصادي وبين من يرى دخول الشأن الإستراتيجي على الخط، وبين من حتى يعلق الفشل على الكواليس، ولو أن الخطاب الغالب يُجمع على فشل السلطة في رسم خيارات الدولة.
ولزعيم حزب جيل جديد رأي آخر، يرى فيه أن اجتماع الأعضاء الخمسة هاجسه الأول هو البعد الاقتصادي للقضايا العالمية ولمصالحهم الوطنية المفهومة جدا، وهي رهانات مازال الغرب يسيطر عليها من خلال المال والقوة العسكرية والتكنولوجيا والمعلومات، وعلى هذا الأساس تريد القوى البديلة إدخال تغييرات وإعادة التوازن للعالم، لكن على هذا المستوى أين الجزائر في هذه المعادلة؟
وشدد المتحدث على أن “هذا الإخفاق لا بد أن يتحول إلى نجاح وإلا لا مكان لنا بين الأمم”، وأنه يستوجب “توظيف هذه المغامرة الفاشلة في الانفتاح على الواقع واستجواب أنفسنا وعدم إلقاء اللوم مرة أخرى على الآخرين. إن تخلفنا الاقتصادي الكبير هو سببنا، لقد منحت الطبيعة الجزائر الكثير لكن ليست لنا القدرة على تثمينها”.
القراءات الجزائرية متباينة بشأن الأسباب الحقيقية التي حالت دون انضمام البلاد إلى المجموعة
وأكد على أنه من “العيوب التي تسبب لنا الكثير من الضرر، هناك سوء فهم لوتيرة العالم الاقتصادي، والميل إلى الرفاهية المعممة والروح الريعية، والشعبوية التي لا حدود لها، وكل ذلك ممزوج بميل شديد إلى الفساد، واستغلال الدولة”.
من جهته علق الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري، على تصريح لوزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، بالقول “رفقا بنا يا لافروف”.
وذكر في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك أن “لافروف يقول إن المعايير التي أخذت في الاعتبار لدى مناقشة توسع مجموعة بريكس كانت تشمل وزن الدولة وهيبتها ومواقفها في الساحة الدولية. يعني، حسب أصحابنا الروس، نحن لا وزن لنا ولا هيبة ولا مواقف”.
وأعاد التذكير بما أورده في تعليقه على التصريح الأخير للرئيس تبون، لوسائل إعلام محلية، والذي جاء فيه “بريكس منظمة اقتصادية دولية لاقتصادات صاعدة وصناعية ومنتجة لها أرقام ومؤشرات عالية في الناتج الإجمالي الخام.. وغيره”.
وأضاف “للانضمام إلى المجموعة هناك معايير اقتصادية ومالية وسكانية، ووضعية المؤسسات وبيئة الاستثمار، تريد من خلالها مواجهة الهيمنة الاقتصادية الأميركية، بتشجيع التبادل بينها لتقوية بعضها البعض ولإنهاء تسلط الدولار الأميركي على التبادلات المالية العالمية”.
وأكد “كررت عدة مرات في هياكل الحركة، منذ بداية الحديث عن الموضوع، أن الجزائر لا تستطيع أن تكون عضوا في بريكس، بسبب ضعف مؤشراتها الاقتصادية خاصة الناتج الإجمالي الخام، والقدرات التكنولوجية والإنتاجية الصناعية، فهي تستطيع أن تكون قريبة من بريكس ولكن لا تستطيع أن تنال العضوية قبل أن تصبح قوة اقتصادية صاعدة فعليا، وليس بالادعاء الذي يقنع السذج في بلادنا”.