السلطة الجزائرية ترخص لجبهة التحرير عقد مؤتمرها دون ضجيج سياسي

الجزائر - حصل حزب جبهة التحرير الوطني على ترخيص من الهيئات المختصة في العاصمة لعقد مؤتمره الحادي عشر في نهاية شهر أكتوبر المقبل، بعد أشهر من الانتظار عكس الأحزاب الأخرى التي عقدت مؤتمراتها بشكل سلس، وهو ما يوحي بأن السلطة اطمأنت على النتائج المنتظرة للمؤتمر وانعقاده دون ضجيج سياسي، في ظل تواري الأجنحة المتصارعة عن الواجهة.
وأعلن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي، أمام مسؤولين محليين، عن عقد المؤتمر الحادي عشر للحزب في نهاية شهر أكتوبر بعد الحصول على الترخيص اللازم من مصالح ولاية (محافظة) الجزائر العاصمة، وهو موعد يتوافق مع الرمزية التاريخية للحزب، كون جبهة التحرير التاريخية أعلنت عن نفسها في الفاتح من نوفمبر 1954.
وجاء هذا الترخيص بعد أشهر من الانتظار الذي أثار التساؤلات في أوساط الحزب حول الخلفيات والدلالات الحقيقية التي وقفت وراء عدم رد المصالح المختصة على طلب التنظيم، الأمر الذي طرح آنذاك فرضية فك الارتباط بين الحزب والسلطة، خاصة في ظل وفرة البدائل الحزبية والأهلية الشريكة للسلطة.
في حين ذهبت تأويلات أخرى إلى أن السلطة غير راضية عن النسخة الحالية للحزب الذي يحوز الأغلبية في المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، لكنه لا يملك كوادر في الحكومة أو المؤسسات الكبرى، بسبب اعتماد السلطة على الأجهزة التنفيذية التكنوقراطية، عكس الحقب الماضية التي كان الحزب يستحوذ فيها على تمثيل معتبر.
◙ السلطة غير راضية عن النسخة الحالية للحزب الذي يحوز الأغلبية في المجالس المنتخبة لكنه لا يملك كوادر في الحكومة أو المؤسسات الكبرى
وظل الحزب منذ حكومة الاستقلال الأولى يمثل الواجهة السياسية الأولى للسلطة، سواء خلال حقبة الأحادية السياسية (1962 – 1989) أو أثناء حقبة التعددية الحزبية، ولم يستقل بنفسه إلا لفترة محدودة، خلال قيادة الأمين العام الراحل عبدالحميد مهري، غير أن نفوذه تراجع منذ الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2021، رغم استحواذه على أغلبية المقاعد.
وأعلن أبوالفضل بعجي أن كل الترتيبات التنظيمية واللوجستية قد اتخذت من أجل عقد المؤتمر في الموعد المعلن عنه، لكنه تفادى الكشف عن المتنافسين على المناصب القيادية، بمن في ذلك شخصه، حيث قال “من السابق لأوانه الحديث عن ترشحي لقيادة جبهة التحرير الوطني، وسيحدد في الوقت المناسب”.
وكانت الهيئات الحزبية قد قررت الإطار التشريعي والتنظيمي للمندوبين والمدعوين، وهي الخطوة التي عادة ما تفصل في مسار الحزب حسب التوجه السياسي المتعلق بالمرحلة، ولذلك كثيرا ما ظهرت حركات غضب وتململ في صفوفه بسبب طريقة انتقاء المندوبين الذين سينتخبون أو سيزكون القيادة الجديدة.
وهي المرحلة التي انتهت في شهر مايو الماضي، غير أن عدم رد السلطات المختصة على طلب تنظيم المؤتمر خلط الأوراق وبث الشكوك في صفوف قيادة الحزب، لكن الأمين العام ظل متمسكا بما أسماه “جهود الهيئات في ترتيب شؤون الحزب، بما فيها الهياكل القاعدية (المحافظات والبلديات)”، وأصر على أن المشاكل التنظيمية تحل في الأطر الداخلية.
وكان الحزب ضمن القوى السياسية المغضوب عليها خلال احتجاجات الحراك الشعبي، حيث رفع المتظاهرون شعار “أفالان ديقاج (جبهة التحرير ارحلي)”، وهو ما علق عليه أبوالفضل بعجي بالقول “شيء طبيعي أن يطالب حراكيون برحيل الحزب، لأنه اقترن بالفساد و’العصابة’، لكن المرحلة الجديدة هي مرحلة بناء الحزب وإعادة انتشاره في القواعد الشعبية المؤمنة بأفكاره”.
وشهدت جبهة التحرير الجزائرية حالة من عدم الاستقرار خلال العشريتين الأخيرتين، ففي عام 2004 ظهر صراع قوي داخل الحزب بين أمينه العام آنذاك علي بن فليس وجناح الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بسبب رغبة الرجلين الجامحة في توظيفه لأغراض سياسية وانتخابية.
◙ حزب جبهة التحرير لا يتوانى عن دعم وتأييد التحولات السياسية والاقتصادية في البلاد بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون
ولئن انتهت المعركة حينها لصالح بوتفليقة، الذي وضع رجل ثقته آنذاك عبدالعزيز بلخادم على رأس الحزب، فإن الهزات التنظيمية عادت بقدوم الأمين العام الفار إلى بريطانيا عمار سعداني، تحت ضغط الحراك الشعبي وتصفية الحسابات السياسية، الأمر الذي فسح المجال أمام قيادات جديدة، كجمال ولد عباس ومحمد جميعي (الأول مسجون والثاني أنهى محكومية السجن)، وكذلك رئيس البرلمان السابق معاذ بوشارب.
ولا تستبعد مصادر من داخل الحزب أن يتم ترتيب مجريات المؤتمر الحادي عشر بتجديد الثقة في الأمين العام الحالي أبوالفضل بعجي، في ظل غياب منافسين مفترضين قبل الموعد بأسابيع قليلة، فضلا عن تواري الأجنحة التي كانت تغذي صراعات داخلية عن الواجهة كنتيجة طبيعية لتراجع فضاءات التعبير السياسي داخل الأحزاب والمجتمع معا.
ولم يتوان حزب جبهة التحرير الوطني عن دعم وتأييد التحولات السياسية والاقتصادية في البلاد بقيادة الرئيس تبون، وكان أحد الفاعلين في ندوة “التلاحم الوطني وتأمين المستقبل” المنعقدة مؤخرا، من أجل تشكيل جبهة داخلية، ظهر أنها تجميع لمعسكر الموالاة السياسية.