السلطة الجزائرية تحصر لمّ الشمل في بقايا الإسلاميين المسلحين التائبين

الجزائر تراهن على تفهم باريس لطلبات التسليم التي تقدمت بها من أجل استقدام عدة ناشطين.
الأربعاء 2022/08/31
السلطات تقمع المعارضين وتدعي فتح حوار معهم

الجزائر - حصر مجلس الوزراء المنعقد برئاسة عبدالمجيد تبون، مشروع لم الشمل، في تسوية وضعية بقايا فلول الإسلاميين المسلحين المستفيدين من قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية، الأمر الذي ينهي الجدل الدائر حول إمكانية توظيفه في استقطاب رموز المعارضة المهاجرة، ويفرغه من أي محتوى سياسي يقرب بين السلطة والمعارضة.

وقررت السلطات الجزائرية حصر مشروع لم الشمل المعلن عنه منذ عدة أشهر، في تسوية الوضعية الاجتماعية والإدارية لبقايا عناصر التنظيمات الإسلامية المسلحة المستفيدة من قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية لعامي 1999 و2005 من طرف الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وذكر بيان لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة عبدالمجيد تبون، أن الرجل الأول في الدولة، أمر بـ”إعادة النظر في مشروع هذا القانون، وحصر الفئة المستفيدة منه فيما تبقى من الأفراد، الذين سلموا أنفسهم، بعد انقضاء آجال قانون الوئام المدني”.

وجاء القرار واضحا وصريحا ليؤكد أن المشروع الذي أثار جدلا واسعا في البلاد، جاء لتسوية وضعية باقي العناصر الإسلامية المسلحة، التي تمردت على سلطة الدولة وحملت السلاح في تسعينات القرن الماضي، وقطع الطريق أمام جميع التأويلات التي تحدثت عن إصداره بغرض استقطاب رموز المعارضة السياسية لاسيما تلك المتواجدة في الخارج، من أجل إنهاء حالة الاستقطاب بينهما، والتمهيد لبناء جبهة داخلية متماسكة.

ومكن قانونا الوئام المدني والمصالحة الوطنية اللذان أطلقهما بوتفليقة عامي 1999 و2005، من عودة نحو 20 ألف إسلامي مسلح خاصة من تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ، وعمدت السلطة إلى إبقائه مفتوحا أمام الراغبين
في تسليم أنفسهم لمؤسسات الدولة، غير أن متأخرين منهم وجدوا أنفسهم في أوضاع اجتماعية وإدارية غير مضبوطة.

ولم يوضح البيان الموقف تجاه حالة المساجين الإسلاميين الذين قضوا عقوبات تناهز الـ30 عاما بسبب أفعال وصفتها السلطة بـ”الإرهابية”، حيث جرى تداول معلومات عن إطلاق سراحهم بموجب مشروع لم الشمل، خاصة وأن المعنيين المقدر عددهم بنحو 160 سجينا، تمت محاكمتهم من طرف محاكم خاصة وقد قضوا عقوباتهم في الغالب.

وتكون السلطات الجزائرية بهذه الخطوة قد أنهت حالة الغموض التي لفت المشروع طيلة الأشهر الماضية، بتخصيص لم الشمل لتسوية وضعية بقايا فلول المسلحين الإسلاميين، وإفراغه من المحتوى السياسي الذي راج في مختلف الدوائر السياسية والإعلامية حول إطلاقه لتقليص نفوذ المعارضة واستقطاب ما يمكن استقطابه من الناشطين في الخارج.

وتحدث بعض هؤلاء على غرار الضابط والإعلامي المقيم في فرنسا، والمصنف ضمن لائحة الإرهابيين الصادرة في الجريدة الرسمية للدولة هشام عبود، خلال الأسابيع الماضية، عن اتصالات تلقاها من مسؤولين أمنيين ومدنيين، عرضوا عليه الانخراط في المشروع مقابل توقفه عن نشاطه السياسي المعارض في الخارج.

النظام قطع الطريق أمام التأويلات التي تحدثت عن إصدار مشروع لم الشمل لاستقطاب رموز المعارضة في الخارج

وأكد هذا الطرح العديد من الناشطين المعارضين، غير أن الاتصالات لم تحمل طابعا رسميا، مما يؤكد أن المشروع لم يكن يحظى بالإجماع لدى دوائر السلطة، وهو ما اتضح الآن بتسخيره كليا للتائبين من حملة السلاح تحت راية الإسلام المسلح، وإفراغه من أي محتوى سياسي يقلص الفجوة بين السلطة ورموز المعارضة المهاجرة.

ويبدو أن السلطة الجزائرية التي سجلت تقاربا لافتا بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعقد لقاء أمني لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين، تراهن على تفهم باريس لطلبات التسليم التي تقدمت بها سابقا إلى السلطات الفرنسية من أجل استقدام عدة ناشطين يقيمون في باريس خاصة المصنفين ضمن لائحة الإرهابيين، على غرار الضابط والإعلامي هشام عبود، والمدون أمير بوخرص، وقائد ومؤسس حركة “ماك” الانفصالية فرحات مهني، مما يعطي الانطباع أن السلطة الجزائرية لم تعد بحاجة إلى مقاربة سياسية لإسكات هؤلاء، ما دامت في الأفق إمكانية حل المسألة بواسطة الإجراءات الأمنية.

وأكد مسؤولون حزبيون ممن استقبلهم الرئيس تبون، في إطار المشاورات السياسية حول المشروع المذكور، أن ”لتبون الرغبة في تسوية بقايا الأزمة الأمنية مع الإسلاميين“، في إشارة إلى مساجين حقبة التسعينات المحسوبين على جبهة الإنقاذ.

وأكد هذا الأمر القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، لكن اكتفاء بيان مجلس الوزراء بتخصيص سطرين فقط ودون تعليق أو توجيه من الرئيس تبون بشأن مشروع لم الشمل، يعطي الانطباع أن السلطة تريد قطع الطريق أمام التأويلات السياسية.

4