السلطان هيثم بن طارق يقود عمان ممسكا بطرفي معادلة التطوير والاستمرارية

تعهُّد سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق بالسير على خطى سلفه لا يعني الركون إلى ما أنجز طيلة نصف قرن من حكم السلطان قابوس بن سعيد، حيث سيظل باب التطوير والإضافة مفتوحا وستظل هناك قضايا يتوجّب حلّها وخطط يتعيّن إحكامها وتفعيلها وسياسات يتحتّم تطويرها وربّما تعديلها على مقاس المتغيّرات وما تفرضه من تحدّيات.
مسقط – طغت عبارة “المواصلة والاستمرار” على مختلف قراءات المحلّلين والمستشرفين للوضع في سلطنة عمان في مرحلة ما بعد السلطان قابوس ذي البصمات الماثلة بقوّة في مختلف نواحي الحياة بالبلد.
ولا يعني ذلك إغفال قدرة السلطان الجديد هيثم بن طارق المتسلّح بثقافة عالية وخبرة واسعة بشؤون الدولة، على وضع بصماته على مسيرة تطوير البلاد وتعديل ما يجب تعديله مسايرة للمستجدّات السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل السلطنة ومن حولها.
وتنتظر السلطان هيثم بن طارق مهمّات الحفاظ على مكانة السلطنة في محيطها الإقليمي والدولي والحفاظ على دورها كوسيط فاعل بين أكثر الفرقاء اختلافا وتضادّا دون التورّط في صراعاتهم والاكتواء بنيران التوتّرات التي يثيرونها، وكذلك الحفاظ على توازناتها الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، دون إغفال ضرورة التكيّف مع متطلبات جيل جديد متأثر بتيار العولمة الذي لا يقاوَم.
وفي مجال السياسة الخارجية، يرجّح أغلب المتابعين للشأن العماني أن تواصل السلطنة في عهد السلطان الجديد سياسة الحياد التقليدية التي اتّبعتها مسقط طيلة فترة حكم السلطان الراحل التي استمرت لنصف قرن من الزمان.
وتوفي السلطان قابوس، مساء الجمعة، عن تسعة وسبعين عاما. وفي انتقال سلس وسريع للسلطة، أدى وزير التراث والثقافة العماني هيثم بن طارق آل سعيد، السبت، اليمين الدستورية بعد تعيينه سلطانا لعُمان خلفا لابن عمه الراحل قابوس.
ويرجّح محللون أن يحافظ السلطان الجديد على إرث سلفه ويستمر في سياسته التي جلبت الاستقرار السياسي إلى مسقط في منطقة حافلة بالتقلّبات.
وتوجّهت الدول الغربيّة مرارا إلى مسقط لتطلب منها التوسط، ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، لكن في قضايا دولية أيضا، بما في ذلك الاتّفاق النووي مع إيران في عام 2015.
وتعهد سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق بعد تعيينه بمواصلة سياسة بلاده الخارجية القائمة على عدم التدخّل.
وقال السلطان البالغ من العمر خمسة وستّين عاما في أول تصريحات له بعد تنصيبه “سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت”، مشدّدا على قيام السياسة الخارجية العمانية على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
وأبقت السلطنة على قنوات اتصال مفتوحة مع إيران والمتمردين الحوثيين في اليمن وحتى مع إسرائيل التي لا ترتبط معها بعلاقات رسمية.
ويرى عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ بجامعة الكويت والزميل في مركز كارنيغي بدر السيف أنه “من دون شك، ستظل عُمان تتبع نفس النهج حيث قدم لها هذا النهج الكثير”.
وتابع بما أن الأسرة الحاكمة ارتضت خيار السلطان قابوس في تسمية الحاكم “فمن الطبيعي أن تستمر في سياساته الخارجية حيث هذه السياسات قدمت الكثير لعمان، ولا سبب لتغيير النهج”.
ولفت السيف في حديثه لوكالة فرانس برس إلى طريقة تعامل الأسرة الحاكمة وسرعتها في توجيه رسالة للمواطنين والجيران بأنّ الأمور تحت السيطرة.
وكان السلطان الجديد يتولى في السابق رئاسة لجنة الرؤى المستقبلية المكلفة التخطيط لمستقبل عُمان حتى عام 2040.
وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إنّ “الضمان الأفضل لحياد عمان سيكون عبارة عن إعادة هيكلة اقتصادية ناجحة تعتمد على شعبها وتتجنب الاعتماد على أي قوة أخرى”.
وحافظت مسقط على علاقات جيدة مع إيران بينما بقيت في مجلس التعاون الخليجي رغم العداوة العميقة بين الرياض وطهران.
وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب في اليمن، والتي تُعتبر إيران طرفا فيها عن طريق وكلائها الحوثيين، لا تزال مسقط تستقبل قيادات وممثلين للمتمردين الحوثيين وتؤمّن لهم لقاءات واتصالات مع أطراف إقليمية ودولية في إطار جهود عملية البحث عن مخرج سلمي للأزمة.
وتقول الخبيرة في شؤون الخليج سنام فاكيل من معهد تشاتام هاوس “من مصلحة السلطان الجديد تقديم نفسه كشخص سيدعم الاستمرارية ويواصل إرث قائد مثل قابوس الذي كان يعتبر ناجحا”.
ويؤكد مراقبون أنّه على الرغم من رحيل السلطان قابوس فإنّ خبرة سلطنة عمان الدبلوماسية واستعدادها لخوض مفاوضات غالبا ما تتسم بالسرية سيظلّ أمرا ثابتا، كما ستستمر السياسة التي أرساها السلطان قابوس في التعامل مع النزاعات المعقّدة والتحديات الصعبة.