السلطات الكويتية تستعجل حسم مشكلة البدون في غياب البرلمان

قرار إلغاء جواز السفر المخصص للبدون جمع بين الجرأة والحذر من الوقوع في محاذير حقوقية محرجة أمام المجتمع الدولي.
الثلاثاء 2024/07/16
ملف شائك عابر للأجيال

الكويت - سرّعت الكويت من إجراءاتها لحسم العديد من الملفّات الخلافية المزمنة التي تعذّر حلّها على مدى سنوات طويلة بسبب الاختلاف الشديد بشأن الحلول المطروحة وأساليب تنفيذها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وانصبّت إجراءات اتّخذتها السلطات الكويتية مؤخّرا على موضوع عديمي الجنسية المعبّر عنهم محليا بـ”البدون” وهو موضوع شائك تتشابك فيه العوامل القانونية والسياسية والحقوقية.

وتريد السلطات اغتنام فرصة غياب البرلمان الذي حُلّ في مايو الماضي بقرار من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وتعليق عدد من مواد الدستور لفترة أقل من أربع سنوات، لحسم ملف البدون بشكل نهائي.

وخلال السنوات السابقة مثّل مجلس الأمّة الذي كثيرا ما كان للمعارضة وزن كبير داخله مركز ممانعة ورفض للإجراءات المقترحة لحلّ قضية البدون نظرا لعدم شعبية تلك الإجراءات وانطوائها أحيانا على شبهة التجاوز على حقوق الإنسان.

جدية السلطات الكويتية وحزمها في إغلاق ملف البدون ظهرت في قرار اتّخذته مؤخّرا وُصف بالراديكالي وهو يمس الآلاف من أفراد هذه الفئة

وظهرت جدية السلطات الكويتية وحزمها في إغلاق ملف البدون في قرار اتّخذته مؤخّرا وُصف بالراديكالي وهو يمس الآلاف من أفراد هذه الفئة.

ويتعلّق الأمر بقرار وزير الداخلية الشيخ فهد يوسف الصباح بإلغاء ووقف إصدار جوازات السفر المعروفة محليا باسم جوازات مادة 17 والتي تمنح لفئة غير محددي الجنسية والمقيمين على الأراضي الكويتية بصورة غير قانونية وفي حالات محدّدة مثل السفر للعلاج أو الدراسة.

ويتراوح عدد البدون في الكويت بين ثلاثة وثمانين ألف فرد بحسب آخر الأرقام الرسمية ومئة وستة آلاف فرد، وفق تقديرات منظمات حقوقية دولية. وكان العدد يتجاوز في تسعينيات القرن الماضي المئتي ألف فرد لكنّه تناقص منذ ذلك الحين لعدّة أسباب من بينها صعوبة وصول هذه الشريحة إلى الخدمات والامتيازات الكبيرة الممنوحة من قبل الدولة للمواطنين الكويتيين.

وكثيرا ما تتخذ السلطات الكويتية من تناقص العدد حجّة على صحّة نظرتها للبدون على أنّهم مواطنو دول أخرى وأنّهم مقيمون في البلد بصفة غير قانونية ويمتلكون وجهات للمغادرة نحوها.

وقال صالح الفضالة رئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية في وقت سابق إنّ السلطات تعرف الجنسيات الأصلية لأغلب البدون الموجودين على الأراضي الكويتية.

ولا تخلو الساحة الكويتية من مدافعين عن هذه الشريحة بدوافع بعضها حقوقي محض، وبعضها الآخر مسيّس. وكثيرا ما استخدم نواب برلمانيون معارضون ملف البدون وسيلة لمناكفة الحكومة والضغط عليها ومساومتها على ملفات أخرى.

ولم يتردّد بعض النواب في تحريك أفراد من البدون في تحرّكات احتجاجية ضدّ السلطات، وهو أمر مخالف لقوانين البلاد التي تمنع على غير المواطنين ممارسة أيّ نوع من أنواع تلك الأنشطة سواء تعلق الأمر بإضرابات أو اعتصامات أو مَسيرات أو غيرها.

لتحاشي الوقوع في محاذير حقوقية طلبت الداخلية من أصحاب الحالات الإنسانية من حملة جواز سفر مادّة 17 مراجعتها، وذلك "لتمكينهم من استثناءات وحلول خاصة وفقا لما تقتضيه حالاتهم"

وشهدت محافظة الجهراء غربي العاصمة الكويت في ربيع سنة 2002 أشهر حركة احتجاج نظمها البدون بالتعاون مع جهات حقوقية وقاموا خلالها بنصب خيام اعتصام لهم في ساحة عمومية وأعلن أفراد منهم دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام.

ولتحاشي الوقوع في محاذير حقوقية طلبت الداخلية الكويتية من أصحاب الحالات الإنسانية من حملة جواز سفر مادّة 17 مراجعتها، وذلك “لتمكينهم من استثناءات وحلول خاصة وفقا لما تقتضيه حالاتهم”، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عن مصادر مطلعة على الملف.

وقالت الوزارة إن كل من لديه جواز سفر مادة 17 يعتبر لاغيا، موضحة في بيان أن الإجراء يأتي “في إطار المزيد من الدراسة والتدقيق من قبل جهات الاختصاص”.

ونقلت وسائل إعلام محلية من جهتها عن مصادر في وزارة الداخلية قولها إنّ القرار مستمر “إلى حين تعديل الشروط الحالية لاستخراج هذه الوثيقة ووضع آلية جديدة سيعلن عنها قريبا”.

وأوضحت المصادر أن قرار إلغاء الجواز لن يطبّق على الحالات المرضية المستعصية المستمرة في العلاج بالخارج شرط الاستظهار بتقرير حكومي كويتي معتمد يثبت وجود تلك الحالات وتقرير المستشفى الخارجي الذي يعالج فيه المريض.

كما أكّدت استمرار العمل بجواز مادة 17 للطلاب الذين يدرسون في الخارج، على ألاّ يتم إصدار جوازات لطلاب جدد يرغبون في مواصلة الدراسة خارج الكويت.

وتقول جهات كويتية إنّ على سلطات البلاد توخّي أكبر قدر من الدقّة والحذر في معالجة ملف البدون كي تتحاشى الاصطدام بالمجتمع الدولي الذي أظهر في أكثر من مناسبة اهتمامه بالملف.

وتعبّر منظمة العفو الدولية عن اختلافها مع الرواية الرسمية الكويتية بشأن هذه الشريحة وتقول إن عشرات الآلاف من غير محددي الجنسية ولدوا في الكويت ولدى العديد منهم وثائق تثبت أن آباءهم وأجدادهم ولدوا على أرض الدولة، وتذكّر بأن مذكرة حقوق الطفل التي تعتبر الكويت طرفا موقّعا عليها تقتضي حصول أيّ طفل على جنسية حتى يتمكّن من ممارسة حياة طبيعية ويتمتع بالحقوق الأساسية من غذاء وصحة وتعليم وغيرها.

3