السلطات الجزائرية تغذي الصراع اللغوي لتصفية الحسابات مع فرنسا

نواب "حمس" الإخوانية يستغلون الأزمة مع فرنسا من أجل إحياء واحد من المطالب الأساسية للتيار الإسلامي والقومي في الجزائر.
الأحد 2025/01/26
لعبة فك الارتباط اللغوي مع فرنسا

الجزائر- قدمت مجموعة من نواب البرلمان الجزائري مشروع قانون يحصر لغة الجريدة الرسمية في العربية فقط، ووقف إصدارها باللغة الفرنسية، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان مشروع قانون لتعميم استعمال اللغة العربية في تسعينات القرن الماضي، لكنه أجهض آنذاك من طرف أنصار التيار الفرانكفوني في السلطة، ليتجدد بذلك السجال الأيديولوجي بين التيارين، ولو أن الفارق في هذه المرة، إمكانية وقوف السلطة وراء المبادرة، في إطار الأزمة مع فرنسا، والرد على لائحة البرلمان الأوروبي التي أدانت الوضع الحقوقي في الجزائر.

ويعكف نواب برلمانيون، تقودهم كتلة حركة مجتمع السلم الإخوانية، على إعداد مشروع قانون ينهي العمل بإصدار الجريدة الرسمية للدولة باللغة الفرنسية، في إطار ما يصفونه بـ”استكمال مظاهر السيادة الوطنية”، وهي الخطوة التي تتزامن مع أزمة سياسية غير مسبوقة بين الجزائر وفرنسا، امتدت لتشمل البرلمان الأوروبي، الذي أصدر لائحة ترسم صورة سوداوية للوضع الحقوقي في الجزائر.

ويعدّ اعتماد اللغة الفرنسية بالجزائر شعبيا ورسميا أحد تجليات الصراع الأيديولوجي المزمن في البلاد، ويبدو أن نواب حركة “حمس” قد استغلوا الأزمة القائمة بين النظامين السياسيين في البلدين لإحياء واحد من المطالب الأساسية للتيار الإسلامي والقومي في البلاد، لكنه ظل يصطدم في كل مرة بلوبيات التيار الفرانكفوني المتغلغل في مفاصل الدولة.

◄ الخطوة تأتي بالموازاة مع لائحة التنديد التي أصدرها البرلمان الأوروبي، للوضع الحقوقي القائم في الجزائر، وحض سلطاتها على إطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال

وقد سبق للجزائر أن عرفت تجربة مماثلة في تسعينات القرن الماضي، بالموازاة مع تدشين عهد التعددية السياسية والإعلامية، بأن أصدر البرلمان الذي كان يترأسه آنذاك القيادي المخضرم في جبهة التحرير الوطني عبدالعزيز بلخادم نصا تشريعيا يقر بتعميم استعمال اللغة العربية في كل المؤسسات، غير أن السلطة التي أفرزها وقف المسار الانتخابي حينها من طرف مؤسسة الجيش قررت تعليق العمل بالنص مؤقتا، لكن التعليق استمر إلى غاية الآن.

ومنذ ميلاد المؤسسات الرسمية التي أعقبت موجة الحراك الشعبي خلال العام 2019، ظهر صراع لغة غير معلن بين البلدين، خاصة مع دفع تيارات سياسية في الجزائر، ومعها مؤسسات رسمية كوزارة الدفاع والتعليم العالي والتكوين المهني، إلى استبدال شعارات اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية، وتعميم اللغة العربية في معاملاتها الإدارية، كما أدرجت وزارة التربية اللغة الإنجليزية في مستويات تعليمية متقدمة، الأمر الذي أثار جدلا في فرنسا حول فقدان القطب الفرانكفوني لإحدى قلاعه التاريخية.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن المسألة اللغوية لم تعد تقتصر على تيارين فكريين وأيديولوجيين متصارعين، بعد انضمام السلطة إلى لعبة فك الارتباط اللغوي مع فرنسا.

وتعتبر المبادرة النيابية، “نشر النصوص التشريعية والتنظيمية باللغة العربية حصرا في الجريدة الرسمية، حماية قانونية لمقومات الثوابت الوطنية بهدف تطهير منظومة البلاد من التلوث القانوني الناتج عن إرث السياسات الاحتلالية الفرنسية المجرمة“.

لكنها تبقى معزولة سياسيا إلى حد الآن، كونها لم تستقطب إلا عددا محدودا من نواب حركة مجتمع السلم وبعض النواب المستقلين، بينما لم يصدر أيّ تعليق أو توجيه من طرف أحزاب الكتل الكبرى داخل البرلمان، كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني، وهي كلها قوى سياسية موالية للسلطة، يبدو أنه لم يصلها الإيعاز الفوقي لإعطاء المبادرة الزخم والثقل اللازمين.

وأوضح أصحاب المبادرة أنه “لا يعقل أن يصبح المؤقت دائما بعد أكثر من 60 عاما من الاستقلال، ولا يعقل أيضا أن تتم المناقشة والمداولة والتصويت والمصادقة على النصوص التشريعية والتنظيمية باللغة العربية، وفي آخر المطاف يتم نشرها باللغة العربية والفرنسية معا“.

◄ اعتماد اللغة الفرنسية بالجزائر شعبيا ورسميا يعدّ أحد تجليات الصراع الأيديولوجي المزمن في البلاد

ووضعوا منع صدور الجريدة الرسمية بالغة الفرنسية تحت طائلة “المساءلة الجزائية مع إمكانية نشرها على سبيل الإعلام الرقمي باللغات الأجنبية الأخرى“.

وتأتي الخطوة بالموازاة مع لائحة التنديد التي أصدرها البرلمان الأوروبي، للوضع الحقوقي القائم في الجزائر، وحض سلطاتها على إطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال، الموقوف منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، إلى جانب الناشط محمد تاجديت الذي حكم عليه مؤخرا بخمس سنوات سجن نافذة، والإعلامي عبدالوكيل بلام، المسجون مؤقتا، إلى جانب العشرات ممن أسماهم بـ”معتقلي الرأي”.

وهو ما يشي بأزمة جديدة بين البرلمانين الأوروبي والجزائري، كامتداد للأزمة المتفاقمة بين الجزائر وفرنسا، رغم أن مفاوضات جديدة قد باشرتها الجزائر والاتحاد الأوروبي مؤخرا، من أجل مراجعة اتفاق الشراكة المبرم في العام 2005.

واعتبرت حركة البناء الوطني، أن البرلمان الأوروبي، “غير مؤهل لإعطاء الجزائريين دروسا في حقوق الإنسان، وأن بوعلام صنصال وهو مواطن يحمل الجنسية الجزائرية الأصلية، أوقف بسبب تصريحاته الخطيرة التي أدلى بها لوسائل إعلام فرنسية، والتي تمس بوحدة الشعب وبالسلامة الترابية للجزائر وبأمنها القومي“.

وشددت على أن “اللائحة الأوروبية، هي تدخل سافر وغير مقبول في الشأن الداخلي، ومحاولة جديدة يائسة للضغط على مؤسسات الدولة الجزائرية وتجاوز سيادتها واستقلالية قراراتها القضائية والسياسية والاقتصادية“.

أما التجمع الوطني الديمقراطي، فقد شدد على أن “القضاء الجزائري، هو الجهة الوحيدة المخولة للنظر في قضايا المواطنين الجزائريين، وأنه لا يحق لأي جهة أجنبية، بما في ذلك البرلمان الأوروبي، التدخل في هذه المسائل“.

ووصف اللائحة بـ”غير المؤسسة والمستندة إلى ادعاءات واتهامات خبيثة، تهدف إلى تشويه صورة الجزائر وتضليل الرأي العام الدولي.”

وذهبت جبهة التحرير الوطني أبعد من ذلك، حيث اعتبرت اللائحة، تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للجزائر، وانتهاكا لسيادتها واستقلالية القضاء، وأن مضمونها باطل وتقاريرها مغلوطة، تحمل في ثناياها اتهامات خبيثة، في محاولة بائسة لتشويه صورة الجزائر وتضليل الرأي العام الدولي.

ودعت لائحة البرلمان الأوروبي، التي حازت على الأغلبية المطلقة، حيث صوت عليها 533 نائبا ولم يعترض عليها إلا 24 نائبا فقط، إلى “وقف توقيف واحتجاز بوعلام صنصال، محمد تاجديت وعبدالوكيل بلام، كما أدان توقيف جميع النشطاء الآخرين والسجناء السياسيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من المعتقلين أو المدانين لممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير“.

1