السلطات التونسية تستعد للتعامل مع موجات الحرارة في الصيف

تونس - يطرح اشتداد موجات الحرارة مع حلول فصل الصيف في تونس تساؤلات حول مدى استعداد السلطات للتعامل مع هذا التغير المناخي، خصوصا مع تكرر الانقطاع في الكهرباء والماء الصالح للشرب بمختلف مناطق البلاد.
ويقول الخبراء في المجال البيئي إن ارتفاع درجات الحرارة يقلق المواطنين، خصوصا في ظل تزايد الطلب على الماء.
ويضيفون أن على الرغم من تسجيل زيادة مهمة في مستوى تعبئة السدود هذه السنة، فإن إجراءات ترشيد استهلاك الماء التي اتخذتها السلطات في السنوات الماضية لا تزال مطروحة بشدة.
وحذّرت وزارة الصحة التونسية من التعرض لضربة الشمس التي قد تصيب كافة الشرائح العمرية على اختلاف حالاتهم الصحية، وذلك على إثر موجة الحرّ التي تشهدها البلاد خلال الأيام الأخيرة.
ودعت وزارة الصحة، في بلاغ لها، إلى ضرورة التقيّد بجملة من الإجراءات الوقائية لتفاديها، على غرار عدم الخروج في فترة القيلولة التي تمتد من الساعة 11 صباحا إلى الساعة الرابعة بعد الزوال وشرب الماء بكميات كافية حتى ولو لم يكن هناك إحساس بالعطش ولبس قبعة ونظارات وثياب خفيفة وفاتحة حتى يتمكن الجسم من التنفس.
وشددت وزارة الصحة على ضرورة الجلوس في مكان بارد وشرب الماء وأخذ قسط من الراحة في حالة الشعور بالإغماء أو الصداع أو ارتفاع حرارة الجسم، والاتصال بالإسعاف في حال لم تشهد الوضعية الصحية تحسنا.
تعاني مختلف المناطق التونسية من معضلة الانقطاع المتكرر لمياه الشرب في وقت تتزايد فيه درجات الحرارة مقابل تراجع نسب المياه في السدود، وسط تحذيرات الخبراء من إهدار الماء لتجنّب تهديدات العطش.
وتتواصل التهديدات للمنظومة المائية خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تسببت في تفاقم ظاهرة الجفاف والاستعمالات غير المدروسة للماء، حيث سجلت سنة 2024 مستويات متدنية لتعبئة الموارد المائية ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود 35 في المئة رغم ارتفاع معدل التساقطات، وهو ما يرجع إلى تدهور المنشآت المائية التي تراجعت فاعليتها في استيعاب الإيرادات المائية وتخزينها.
وأفاد حمدي حشاد، المتخصص في الشأن البيئي، بأن “من الناحية الصحية لا بدّ على المواطن أن يكون واعيا بمدى خطورة ارتفاع درجات الحرارة وأن الوضع المناخي متغير، حيث تتجاوز درجات الحرارة 35 درجة، وهو أمر من شأنه أن يمثل خطرا على صحة الإنسان.”
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “في هذه الفترة، يجب شرب الماء بكميات كافية، والتكثيف من الومضات التحسيسية في وسائل الإعلام، خصوصا وأن معدل أيام الحرارة في تونس ارتفع إلى حدود 35 يوما بعد أن كان سابقا لا يتجاوز الأسبوعين.”
ودعا حمدي حشاد السلطات إلى “ضرورة ترشيد استهلاك الماء، والعودة إلى الإجراءات التي تم اتخاذها سابقا في هذا الشأن، خصوصا أن نسبة امتلاء السدود المقدرة بـ41 في المئة لا تكفي لتجنب مخاطر العطش.”
وتابع الخبير البيئي “تحلية مياه البحر إجراء مهم من شأنه أن يساهم في تقليص الطلب على الماء، والسلطة أمام خيارات صعبة.”
وزارة الصحة التونسية حذّرت من التعرض لضربة الشمس التي قد تصيب كافة الشرائح العمرية على اختلاف حالاتهم الصحية
وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش. وتصاعدت الدعوات المطالبة بتغيير السياسات المائية المتبعة في البلاد، بسبب ضعف نتائجها في ضمان حق مختلف المناطق في الماء الصالح للشرب.
وعلى الرغم من ندرة المياه في البلاد التونسية فإن حجم التساقطات سنويا يصل إلى 34 مليار متر مكعب من مياه الأمطار، لا تستغل منها الدولة التونسية إلا ما حجمه 2.7 مليار متر مكعب سنويا، تضاف إليها 2.1 مليار متر مكعب من المياه الجوفية القابلة للاستغلال. وعلى الصعيد الاجتماعي مثّل الحق في الماء المطلب الرئيسي في التحركات البيئية لسنة 2024 حيث تم تسجيل 252 تحركا احتجاجيا نفذه السكان من أجل الحق في الماء، وهو ما يمثل نسبة 59 في المئة من جملة التحركات البيئية.
ويتميز مناخ البلاد التونسية عموما بالجفاف وبقلة التساقطات المطرية، ويعود ذلك بدرجة أولى إلى مناخها المتوسطي وموقعها من خطوط العرض وبدرجة ثانية إلى خصائص الدورة الهوائية العامة التي تحول دون وفرة التساقطات المطرية وخاصة في فصل الشتاء باعتباره فصل ذروة تساقط الأمطار.
واتجهت السلطة التونسية إلى تحلية مياه البحر كخيار أمثل لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب وتجنّب خطر العطش، ولجأت إلى بناء محطات تحلية خصوصا في مناطق الجنوب، وأهمها محطة الزارات من محافظة قابس التي دشّنها الرئيس قيس سعيد العام الماضي.
وفي يوليو من العام الماضي أعلن الرئيس التونسي دخول محطة تحلية مياه البحر بالزارات في ولاية قابس بالجنوب الشرقي مرحلة الاستغلال الرسمي، في خطوة يرى مراقبون أنها تترجم مدى جدية السلطة في إيلاء أزمة مياه الشرب الاهتمام اللازم.
وعانت تونس من جفاف لخمس سنوات متتالية وانحباس الأمطار لفترات طويلة، وهي من بين الدول الأكثر تهديدا بشح المياه في منطقة الحوض المتوسط. وأدى ذلك إلى تقلص في محاصيل الحبوب والخضراوات وارتفاع الأسعار.