السلطات التونسية تحتفظ بعدد من الموقوفين في قضايا فساد وشهادة زور

تونس - قرر قضاة التحقيق في تونس مساء الاثنين الاحتفاظ بكل من الرئيس الأول الأسبق لمحكمة التعقيب والمدير العام لإذاعة "موزاييك" الخاصة وخمسة نقابيين، في قضايا مختلفة، في خطوة قال مراقبون إنها تندرج ضمن تعهد الرئيس قيس سعيّد بتفعيل المحاسبة ضد القوى المتورطة في الإضرار بمصالح البلاد وعدم الإفلات من العقاب.
ووفق إذاعة "موزاييك" الخاصة فقد أمر قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بتونس بسجن الرئيس الأول الأسبق لمحكمة التعقيب والقاضي المعزول الطيب راشد، مشيرة إلى أن التهمة الموجهة إليه تتعلق بإجبار شخص على الإدلاء بالشهادة زورا.
وكان الطيب راشد قد تم إيقافه في الثاني عشر من فبراير الحالي ضمن حملة إيقافات شملت أيضا قاضي التحقيق المعزول البشير العكرمي، الذي كان مكلفا بملف اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد براهمي، وقد تقرر إيداعه في القسم النفسي بمستشفى منوبة غرب تونس العاصمة.
وقال رئيس "الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب" (خاصة) في تونس فتحي الجراي في تصريح متلفز إن "الحالة الصحية للقاضي بشير العكرمي في استقرار وظروف إقامته في المستشفى اعتيادية ولم نسجل انتهاكات خطيرة، والمهم أن عائلته اطمأنت عليه في الوقت الحالي".
والعكرمي من بين 57 قاضيا قرر الرئيس التونسي قيس سعيّد، في يونيو الماضي، عزلهم بتهم بينها "تغيير مسار قضايا" و"تعطيل تحقيقات" في ملفات إرهاب وارتكاب "فساد مالي وأخلاقي"، وهو ما ينفي القضاة صحته.
وذكرت إذاعة "موزاييك" أن قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي المالي أصدر مساء الاثنين بطاقات إيداع بالسجن في حق خمسة نقابيين، على خلفية شبهات التلاعب بأموال نقابة أمنية وتزوير فواتير خاصة بعمليات التزود بأغراض وخدمات مختلفة لفائدة النقابة الأمنية التي يشرفون على مكتبها التنفيذي.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت سابقا إيقاف تسعة أشخاص، من بينهم نقابيون أمنيون ووسطاء من معارفهم وأقاربهم، على خلفية ملف تلاعب بأموال منخرطين وافتعال فواتير في عمليات مالية وصلت قيمتها إلى 134 مليون دينار (نحو 43 مليون دولار).
وعلى إثر إيقاف النقابيين الخمسة، حاول الاتحاد العام التونسي للشغل استثمار الأمر في معركته مع الرئيس قيس سعيّد، في خطوة بدت للكثير من المتابعين أنها لا تخلو من انتهازية لتحقيق مآرب سياسية، لينظم السبت الماضي سلسلة من التحركات الاحتجاجية في عدة محافظات بالبلاد.
ورغم تنديد اتحاد الشغل في أكثر من مناسبة بالتدخلات الخارجية في الشأن التونسي، وانتقاده انتقادا لاذعا ما أسماه القوى التي تستقوي بالخارج، إلا أنه استعان بالأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش للمشاركة في احتجاج مناهض للحكومة بأحد أكبر القوى في تونس.
وبعد أن أمر الرئيس التونسي بطرد لينش لوحت الأخيرة باللجوء إلى "أعلى المستويات في الاتحاد الأوروبي"، في خطوة تحريضية تظهر أن ما حذرت منه الرئاسة التونسية في بيانها السبت قد تحقق بشأن التدخل في السيادة التونسية.
وبدلا من الاعتراف بخطأ الاستعانة بأجنبية وما يمكن أن تجره من مشاكل على المنظمة، زاد اتحاد الشغل التصعيد بأن دعا الاثنين كافة النقابيين في العاصمة تونس إلى تجمع احتجاجي ومسيرة في الرابع من مارس المقبل.
إلى ذلك، أعلنت إذاعة "موزاييك أف.أم" الخاصة في تونس عن قرار قاضي التحقيق إيداع مديرها نورالدين بوطار السجن لتهم ترتبط بالإساءة للسلطة وتبييض أموال.
ونقلت الإذاعة عن المحامي أيوب الغدامسي ليل الاثنين أن قاضي التحقيق أصدر القرار على خلفية "استعمال الخط التحرري لموزاييك للإساءة لأعلى هرم للسلطة ورموز الدولة وتأجيج الوضع في البلاد".
وتبث "موزاييك أف.أم" التي تحظى بمتابعة واسعة في تونس، برامج مختلفة من بينها حوارية سياسية وفقرات نقدية ساخرة. وقال المحامي إن التهمة الموجهة إلى مدير المحطة "كيدية".
وأضاف أن "استعمال تهمة تبييض الأموال هو غطاء على التهمة الرئيسية وهي استعمال الخط التحرري لموزاييك للإساءة لأعلى هرم للسلطة".
وأوقف بوطار ضمن حملة إيقافات أمنية شملت الوزيرين السابقين نورالدين البحيري ولزهر العكرمي والسياسي خيام التركي ورجل الأعمال النافذ كمال اللطيف والقاضيين العكرمي والطيب راشد، وكذلك فوزي كمون مدير راشد الغنوشي.
كما أصدرت المحكمة الابتدائية في ولاية أريانة الأربعاء الماضي بطاقة إيداع بالسجن بحق عاطف العمراني، المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية (المخابرات)، وذلك على خلفية ما عرف بـ"الغرفة السوداء في وزارة الداخلية".
وأكد الرئيس التونسي سعيّد أثناء لقائه عددا من القيادات الأمنية بمقر وزارة الداخلية في العاصمة تونس أن الشخصيات والقيادات السياسية التي تم إيقافها "إرهابية ولا بد من محاسبتها"، متهما إياها بـ"التآمر على أمن الدولة".
وكان سعيّد اتهم بعض الموقوفين في الأيام القليلة الماضية بأنهم المسؤولون عن نقص الغذاء وارتفاع الأسعار في البلد، بهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية، متعهدا بالمضي قدما بنفس القوة والتصميم لـ"تطهير البلاد".