السلاح الروسي بين الرغبة العراقية والرفض الأميركي

الولايات المتحدة تمتنع عن تزويد العراق بالأسلحة ولا ترضى أن يشتري أسلحة من روسيا.. أي "لا ترحم ولا تخلي رحمة الله تنزل" وهذا ينطبق على معضلة الكهرباء المزمنة.
الأربعاء 2024/10/16
في العراق السلاح للعرض فقط

أثار تصريح السفير الروسي أليبروس كوتراشيف في بغداد حول تزويد العراق بالأسلحة، موجة من الجدل في الأوساط السياسية والعسكرية العراقية، خصوصا أن العراق يحتاج إلى مثل هذه الأسلحة الدفاعية في هذا الوقت، والتي تماطل الولايات المتحدة في تزويدها للعراق.

هذه ليست المرة الأولى التي يعرض فيها الروس تزويد العراق بالأسلحة، فقد زودت روسيا العراق إبان حرب داعش بالأسلحة الخفيفة والعتاد والذخائر المتوسطة. وقد وقع العراق عقدا مع روسيا عام 2015 لشراء منظومات دفاع جوي وطائرات، كما أكد ذلك مدير شركة تصدير الأسلحة الروسية أناتولي إيسايكين. إلا أن هذه الصفقة لم تتم بسبب الاعتراض الأميركي. كما أوضح السفير الروسي ذلك في لقائه الأخير قبل أيام، حينما قال “لا أحتاج أن أكرر، أميركا تمنع ذلك”.

وتقف وراء عدم تزويد الولايات المتحدة العراق بأسلحة دفاعية عدة أسباب، أولها عدم ثقة واشنطن بالجيش العراقي، وتبرر ذلك بأنه يتبع للأحزاب والمكونات، أي التشكيك بوطنية الجيش العراقي.

◄ الدعوة الروسية لتزويد العراق بالأسلحة الإستراتيجية دعوة للاستهلاك الإعلامي، فهي سالبة بانتفاء الموضوع

ثم إن الولايات المتحدة تتخوف من أن تقع هذه الأسلحة بيد الحشد الشعبي، الذي تعترض واشنطن على وجوده أصلا وتطالب بتفكيكه، وتتهمه بموالاة إيران، ناهيك عن أن بعض الفصائل تقوم بين الحين والآخر بقصف القواعد الأميركية في العراق، وهو ما يسبب قلقا للأميركيين.

بالإضافة إلى وجود اعتراض من قبل الكرد على تزويد الجيش العراقي بالأسلحة التي يتخوف منها الإقليم، والتي ربما تستخدم ضده “كما يقول المسؤولون في أربيل”.

ولعل الأمر الأكثر قلقا هو الحفاظ على أمن إسرائيل من أي هجمات عراقية. كما أن واشنطن ترى أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي قد كفلت للعراق حماية أميركية.

وتقول الإدارة الأميركية إن اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي وقعها العراق مع أميركا عام 2008 تنص على تعهد أميركي بحماية العراق في “حال وقوع أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة”.

هذا البند في الاتفاقية جعل العراق مرتبطا بحماية أميركية، ومن جهة ثانية تبرر الولايات المتحدة من خلال هذا البند عدم تزويدها العراق بالأسلحة الدفاعية، ما دامت هي متعهدة بحمايته، يعني أنه لا يحتاجها. وليبقى تحت الرحمة الأميركية.

لكن، ما أذكى هذا الجدل في هذا الوقت بالذات هو التهديدات الإسرائيلية المستمرة للعراق، وكذلك عدم ثقة العراق بالوعود الأميركية بالحماية، بعد الإرباك الحاصل في صفقة طائرات الـ“أف – 16” التي استلمها العراق ولا تزال معطلة، بعد أن أعلنت شركة “لوكهيد مارتن” المتخصصة بصيانة الطائرات الأميركية انسحابها من العراق، معللة ذلك بالهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية من قبل الفصائل المسلحة، وأن سلامة موظفيها أولوية لديها، مما يعني ذلك توقف عمل هذه الطائرات بالكامل.

◄ الولايات المتحدة تتخوف من أن تقع هذه الأسلحة بيد الحشد الشعبي، الذي تعترض واشنطن على وجوده أصلا وتطالب بتفكيكه، وتتهمه بموالاة إيران

العراق يبحث عن مورد للأسلحة الدفاعية من أجل حماية أجوائه ومياهه وأراضيه، وهو يفضل الأسلحة الروسية، لاسيما وأن السلاح الروسي ومنظومة الدفاع الجوي العراقي كلها روسية وكان التسليح السابق روسيا. لكن، في الوقت ذاته، تعلم بغداد أن هذا الأمر سيغضب الولايات المتحدة، ويعرض العراق للعقوبات، كما فعلت واشنطن ذلك مع تركيا عندما اشترت الأخيرة منظومة “أس – 400” من روسيا وهو ما يخشاه العراق.

المواقف الأميركية واضحة بهذا الشأن، فقد كشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية في عهد الإدارة الأميركية السابقة هيذر نويرت في تصريحات علنية أن العراق سيتعرض لعقوبات أميركية حسب قانون كاتسا الأميركي إذا ما أقدم على شراء منظومات روسية متطورة للدفاع الجوي، وقالت “إن حكومة بلادها قد تواصلت مع الحكومة العراقية بذلك الشأن، والعراق يعرف جيدا تبعات فعل كذلك”.

العراق يتعرض إلى ضغوط أميركية كبيرة في هذا الشأن، لذا يبقى عاجزا عن فعل أي شيء، فأميركا تمتنع عن تزويد العراق بالأسلحة ولا ترضى أن يشتري العراق أسلحة من روسيا، وكما يقول المثل “لا ترحم ولا تخلي رحمة الله تنزل”. وهذا الأمر ينطبق على معضلة الكهرباء المزمنة.

وبالتالي الدعوة الروسية لتزويد العراق بالأسلحة الإستراتيجية دعوة للاستهلاك الإعلامي، فهي سالبة بانتفاء الموضوع.

ورغم شراء العراق عام 2008 لمروحيات وصواريخ لمنظومة “بانتسير” من روسيا، تبقى كل الصفقات خالية من عقود الأسلحة الإستراتيجية، كمنظومتي “أس – 300” و“أس – 400” المضادة للطائرات والتي يحتاجها العراق لحمايته من الطائرات المعادية.

 

اقرأ أيضا:

          • بين انتهاء حكم الميليشيات واسترجاع الدولة الوطنية

9