السعوديون يقبلون على وظائف كانوا يرفضونها في الماضي

الرياض – تبدو شاحنة “وان واي برغر” التي تقدم شطائر الهامبرغر بالجبن مع البطاطا المقلية في الرياض أمرا مألوفا، لكن العلامة الفارقة الجديدة هي أن الشخص الذي يتولى عملية الطهو مواطن سعودي.
وكان السعوديون ينظرون إلى بعض هذه الوظائف على أنها لا تليق بهم، حين كانوا يتمتعون بنظام رعاية اجتماعية سخي.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت تزايد أعداد الذين يعملون في وظائف متدنية في السلم الوظيفي، بعد تقليص الدعم الحكومي الذي تموله عائدات النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى حظر تشغيل الأجانب في قطاعات كثيرة.
ويؤكد بدر العجمي (38 عاما) الذي يملك شاحنة “وان واي بيرغر” أنه حين بدأ “العمل في شاحنة الطعام قبل عامين، استغرب كثيرون في البداية وقالوا: كيف ستقف في الشارع وتبيع شطائر الهامبرغر وأنت من عائلة كبيرة وقبيلة كبيرة؟”.
وبعدما افتتح العجمي شاحنة الطعام الخاصة به، أخذ هذا النشاط ينتشر في السعودية ويحظى باحترام بين الناس. لكن امتلاك الشاحنة شيء والعمل في داخلها لإعداد الطعام شيء آخر.
وتثني وسائل الإعلام السعودية باستمرار على جيل جديد من المواطنين الذين يعملون للمرة الأولى في وظائف مثل تصليح السيارات أو قيادة سيارات “أوبر” أو محطات الوقود، والتي كانت لوقت طويل حكرا على العمال الأجانب.
وتساءل الصحافي السعودي عبدالهادي السعدي في صحيفة “سعودي غازيت” الصادرة بالإنكليزية قبل فترة قصيرة “هل سنرى سعوديين يعملون في تنظيف الشوارع؟”، مؤكدا أن ذلك سيعود بالفائدة على اقتصاد البلاد.
وفي ديسمبر الماضي، رحب السعوديون في منطقة شرق الأحساء بمجموعة من الشبان السعوديين الذين قرروا العمل في محطة وقود. وقال أحد زبائن المحطة في مقطع على تطبيق سنابتشات إن “العمل ليس عيبا. نبي الرحمة كان راعيا للأغنام”.
ويشير غراهام غريفيث، المحلل في مؤسسة كونترول ريسكس، إلى أن “السعوديين أصبحوا يشغلون وظائف كان يشغلها تاريخيا العمال الأجانب”.
وأضاف أن “الوصمة الاجتماعية التي تحيط ببعض الوظائف اليدوية كانت قوية، ولكن الضرورة الاقتصادية تدفع الكثيرين إلى قبول وظائف كهذه بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي”.
ويؤكد الاقتصادي السعودي عبدالله المغلوث أن الاقتصاد الجديد سيدفع المزيد من السعوديين إلى العمل في مجالات السباكة والنجارة والخياطة، وهي وظائف كانت مقبولة في مرحلة ما قبل اكتشاف النفط.
وتأتي “سعودة” العمل في إطار سعي الرياض لإعادة هيكلة الاقتصاد المرتهن للنفط، وإعادة إطلاق وظائف في القطاع الخاص من أجل التقليل من اعتماد المواطنين على الحكومة وخفض كلفة رواتب القطاع العام.
وتوظف الحكومة قرابة ثلثي السعوديين، وتمثل رواتب القطاع العام والمخصصات نصف الإنفاق العام. وتسعى السلطات الى تقليص العجز في ميزانيتها عبر “سعودة” قطاعات مختلفة.
وشرعت الحكومة أيضا في فرض ضريبة شهرية على عائلات المقيمين الأجانب الذين يعملون في القطاع الخاص وموظفيهم، ما دفع الكثير منهم إلى مغادرة البلاد التي كانت ملاذا خاليا من الضرائب. وتظهر أرقام رسمية أن نحو 800 ألف من الأجانب من الطبقة العاملة غادروا السعودية منذ مطلع عام 2017، ما تسبب في “أزمة توظيف”، على ما يؤكد أصحاب العمل.
وأكد صاحب مطعم للوجبات الهندية أنه يعاني مشاكل لأنه غير قادر على تأمين إجازات عمل لطهاته الآسيويين. كما أدى رحيل العمال الأجانب إلى تراجع كبير في سوق الإيجارات.
ويشكو أصحاب عمل يطبقون سياسة “السعودة” من سلوك العمال السعوديين الذين اعتادوا على حقائق اقتصادية مختلفة.
ويقول مدير في مصنع للثلاجات إنه قام بتوظيف العشرات من السعوديين للعمل في تجميع القطع، لكنه وجد عددا منهم “ينامون في سياراتهم خلال ساعات العمل”. وتقوم بعض الشركات في مسعى منها لتلبية حصص السعودة، بتوظيف سعوديين في مقابل رواتب متدنية على أن يبقوا في المنزل، ما يعني وظائف وهمية بحسب خبراء وأصحاب عمل، في ظاهرة يطلق عليها اسم “السعودة الزائفة”.
ولم تؤد هذه السياسة المثيرة للجدل إلى خفض نسبة البطالة بين المواطنين. ووصلت البطالة في صفوف السعوديين إلى نحو 13 في المئة في الربع الأول من العام الحالي. ويقول مراقبون إن التحدي لا يكمن في توفير فرص عمل للسعوديين فقط، بل في إقناعهم بالقبول بها أيضا.
ويشير العجمي، وهو يقلب اللحم في شاحنة الطعام، إلى أنه كان يعمل بمفرده أولا، لكنه وظف بعد ذلك 4 أشخاص هم سعوديان وهنديان لمساعدته، لكن التحدي الآن يتمثل في إيجاد سعوديين يقبلون بالعمل من التاسعة مساء حتى منتصف الليل.
وبجانب شاحنة الهامبرغر، شاحنة أخرى متخصصة ببيع القهوة والحلويات يملكها سعودي أيضا، إلا أن العاملين في داخلها من الفلبين.
ويقول العجمي إن نجاح الشاحنة الأولى دفعه إلى شراء أخرى من طراز “مرسيدس″، ما أضفى احتراما أكبر لعمله. ويؤكد أن “الكثير من الناس من داخل العائلة وخارجها كانوا يعارضون مشروعي، لكنهم يقولون لي الآن: أخبرنا في حال وجود وظيفة شاغرة عندك”.