السعودية والصين ترسمان مسارا لتعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي

الرياض - اتفقت السعودية والصين على تعزيز التعاون الثنائي في عدة مجالات، ودعم بعضهما في الحفاظ على سيادة وسلامة أراضيهما في خضم تحديات إقليمية ودولية فرضتها تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، خاصة في مجال الطاقة والتهديدات الإيرانية والخلافات بين الرياض وواشنطن.
وأفاد بيان مشترك صادر عن البلدين الجمعة على هامش زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة للمشاركة في القمة العربية - الصينية، واجتماعه مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في الرياض، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس"، بأن الجانبين "اتفقا على مواصلة دعم المصالح الجوهرية لبعضهما بثبات، والدعم الثنائي في الحفاظ على سيادة وسلامة أراضي الدولتين، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
وفي مجال الطاقة، أكد الجانبان أن "تعزيز التعاون في هذا المجال يعد شراكة إستراتيجية مهمة" وأكدا أهمية استقرار أسواق البترول العالمية.
وأشارا إلى أن "تطوير وتوطيد التعاون بينهما في مجال النفط يتفق مع المصالح المشتركة للجانبين".
وتضغط الولايات المتحدة على السعودية لرفع الإنتاج من النفط، وذلك في إطار محاولات غربية لاحتواء روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، لكن الرياض رفضت ذلك بسبب التزاماتها ضمن أوبك+، معتبرة أن قرار خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يوميا قرار اقتصادي بحت.
وتعرف العلاقات الأميركية - السعودية توترا في الفترة الأخيرة، فيما هددت واشنطن بمراجعة العلاقات مع المملكة، ووصل الأمر إلى حد تهديد جهات داخل الولايات المتحدة بتجميد مبيعات الأسلحة، ما دفع الرياض إلى التوجه للصين ودول شرق آسيا لتجاوز السياسات الأميركية المتقلبة.
وبحث الجانبان الصيني والسعودي المجال الدفاعي والأمني، حيث أكدا "عزمهما على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الجرائم المنظمة، بما فيها جرائم الإرهاب، والعمل على الوقاية من العنف والتطرف".
واقتصاديا أشاد الجانبان "بنمو حجم التجارة البينية والاستثمارات بين البلدين الذي يجسد عمق واستدامة علاقتهما الاقتصادية"، كما أكدا عزمهما على زيادة حجم التبادل التجاري غير النفطي وتسهيل صادرات المملكة غير النفطية إلى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات النوعية المتبادلة بين البلدين.
واتفقا على تعزيز العمل للاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، وتكثيف التواصل والزيارات بين القطاع الخاص في البلدين، وزيادة سعة رحلات الناقلات الجوية، وتحفيز الشراكات الاستثمارية بين القطاع الخاص في البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة وداعمة في إطار رؤية المملكة 2030، ومبادرة "الحزام والطريق"، وذلك عبر تعميق التعاون في العديد من المجالات بما في ذلك صناعة السيارات، وسلاسل الإمداد، والخدمات اللوجستية، وتحلية المياه، والبنى التحتية، والصناعات التحويلية، والتعدين، والقطاع المالي.
وأكد الجانب السعودي "تطلعه إلى جذب الخبرات الصينية للمشاركة في المشروعات المستقبلية الضخمة في المملكة، وحرصه على تمكين الاستثمارات السعودية في جمهورية الصين الشعبية، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، وأكد أهمية استقطاب الشركات العالمية الصينية لفتح مقار إقليمية لها في المملكة" و"ثمّن اهتمام عدد من الشركات الصينية وحصولها على تراخيص لإنشاء مقارها الإقليمية في المملكة، والاستفادة من الخبرات والقدرات الصينية المتميزة بما يعود بالمنفعة على اقتصادي البلدين".
إقليميا ودوليا، اتفقت السعودية والصين "على أهمية إيجاد حلول سلمية وسياسية للقضايا الساخنة في المنطقة، وذلك عبر الحوار والتشاور على أساس احترام سيادة دول المنطقة، واستقلالها وسلامة أراضيها"، بحسب المصدر ذاته.
وأكد الجانبان دعمهما "الكامل للجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وأهمية التزام الحوثيين بالهدنة، والتعاون مع المبعوث الأممي الخاص لليمن والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام، للتوصل إلى حل سياسي دائم وشامل للأزمة".
كما أكدا "على ضرورة تعزيز التعاون المشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي"، ودعا الجانبان إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكدا على احترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ويمكن للسعودية أن تعول على الصين حليفة إيران لتقريب وجهات النظر وتخفيف حدة التوتر، بعد فشل الولايات المتحدة في تحجيم الخطر الإيراني، فيما يرى مراقبون أن بكين يمكن أن تلعب دور الوسيط الجديد بين طهران والرياض، بعد توقف الحوار بين الطرفين.
وفي الشأن الفلسطيني، اتفق الجانبان "على ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإيجاد أفق حقيقي للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام وفقا لمبدأ حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية".
أما في الشأن اللبناني، فأكد الجانبان حرصهما "على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وأهمية إجراء الإصلاحات اللازمة، والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته".
وأعربا عن استمرار دعمهما للعراق، ورحبا "بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بقيادة محمد شياع السوداني، وتمنيا لها النجاح والتوفيق لتحقيق تطلعات الشعب العراقي في الأمن والاستقرار والتنمية".
وسيلتقي شي جين بينغ الجمعة مع قادة عرب في قمتين وصفتا بأنهما "معلم" في تاريخ العلاقات الصينية - العربية والعلاقات الصينية - الخليجية.
ووصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي والرئيس الفلسطيني محمود عباس وقادة آخرون الخميس إلى الرياض. كذلك سيحضر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش حضورهما.
وقال الرئيس الصيني حسبما نقل عنه الإعلام الرسمي الصيني إن بلاده تتطلع إلى "بذل جهود مشتركة مع الجانب السعودي والدول العربية، لتصبح القمتان حدثين كبيرين كمعلم في تاريخ تطور العلاقات الصينية - العربية والصينية - الخليجية، يسهمان في الارتقاء بالعلاقات الصينية - العربية والصينية - الخليجية إلى مستوى جديد".
وسبق أن زار الرئيس الصيني السعودية قبل نحو ست سنوات، وتأتي زيارته الراهنة بعد حوالي ثلاثة أشهر من قمم مماثلة في الرياض مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وتفتح زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية الباب أمام زيارة مماثلة للعاهل السعودي لزيارة بكين، حيث دعا شي جين بينغ الملك سلمان لزيارة الصين، حسبما أفادت قناة الإخبارية الرسمية السعودية.