السعودية منزعجة من أن إصلاحاتها دائما "لا تكفي"

أثار مشروع قرار طرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول تعزيز إرساء الديمقراطية تحفظات من المملكة العربية السعودية، لما تضمنه من بنود تتعارض والمفهوم القيمي والأخلاقي للمجتمع السعودي من قبيل الإقرار بالميول الجنسية.
نيويورك - أظهرت المملكة العربية السعودية استياء من محاولات بعض الدول التقليل من أثر الإصلاحات الاجتماعية النوعية التي أجرتها خلال السنوات الأخيرة، عبر الاستمرار في طرح مطالب جديدة تتناقض أحيانا وثقافة الشعب السعودي ومفاهيمه القيمية.
ووجه المندوب الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله بن يحيى المعلمي، انتقادات لما أسماه بمحاولات بعض الدول اتباع نهج غير ديمقراطي في فرض قيم ومفاهيم مختلفة على المملكة، مشددا على أن هذا الأمر يتنافى والقانون الدولي الذي ينص على احترام سيادة الدول.
جاء ذلك خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة ناقش مشروع قرار يرتبط بتعزيز دور الأمم المتحدة في إرساء الديمقراطية، وتضمن بندا حول “الميول الجنسية والهوية الجنسية”.
وقال المعلمي إن المملكة لا تختلف مع بقية الدول بشأن دور “الأمم المتحدة في تشجيع إرساء الديمقراطية وزيادة إجراء انتخابات دورية ونزيهة”، لكنها ترفض “محاولات بعض الدول في عالمنا المتحضّر اتباع نهج غير ديمقراطي في فرض القيم والمفاهيم المختلف عليها دوليا، ومحاولاتها إقرار التزامات في ما يتعلق بالميول الجنسية كما ورد في الفقرة السابعة من مسودة القرار المطروح أمامنا”.
واعتبر المعلمي “أن هذا الأمر يتنافى مع أبسط معايير القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على أهمية احترام سيادة الدول واحترام أنظمتها وتشريعاتها الداخلية، ويتعارض مع جوهر الممارسة الديمقراطية القائمة على احترام الرأي الآخر وعدم فرض قيم ومفاهيم لا تتقبلها المجتمعات الأخرى، وإلا لن يكون هناك فرق بين النموذج المثالي للديمقراطية وبين النموذج السلطوي القائم على الهيمنة القيمية واحتكار الحقيقة”.

عبدالله بن يحيى المعلمي: إيجاد تعاون خال من فرض القيم أصبح أمرا ملحّا
وأقدمت السعودية منذ العام 2016 على اتخاذ خطوات إصلاحية وصفت بالمهمة والجريئة، في إطار خطة طموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تستهدف الانفتاح على العالم وجعل المملكة أكثر حداثة وليبرالية وتحويلها إلى بيئة جاذبة للسياحة والاستثمارات الأجنبية.
وكان للمرأة السعودية نصيب مهم من هذه الإصلاحات، حيث تم السماح لها بقيادة السيارة، وفتح المجال أمامها للسفر دون الحصول على موافقة أولياء أمرها، والسماح للمرأة الراشدة بالسكن بمفردها بشكل مستقل بصرف النظر عن حالتها الاجتماعية ومن دون إجبارها على الإقامة مع محرم.
وشملت الإصلاحات الجانب الترفيهي والثقافي حيث رفعت السعودية الحظر على دور العرض السينمائي، وسمحت بإقامة مهرجانات فنية، وخففت من إجراءات التدقيق على الكتب والمجلات المستوردة.
وفي خطوة لا تخلو من دلالات، قررت وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية في مايو الماضي قصر استعمال مكبّرات الصوت الخارجية في المساجد على رفع الأذان والإقامة فقط وعدم تجاوز مستوى ارتفاع الصوت في الأجهزة ثُلث درجة الجهاز، فيما بدا محاولة لتخفيف التلوث السمعي، بيد أن مراقبين رأوا أنها خطوة مثيرة في ظل حساسية المواطنين السعوديين حيال مسألة الشعائر والطقوس الدينية.
ولاقت الإصلاحات التي قامت بها المملكة تفاعلا إيجابيا واسعا على المستوى الدولي، بيد أن البعض ما انفك يضع تلك الإصلاحات على طاولة المشرحة، محاولا في كل مرة التشكيك في جديتها وأهدافها، سواء من خلال التصريحات أو عبر الدفع بحزم جديدة من المطالب داعين المملكة إلى الاستجابة لها.
ويرى محللون سعوديون أن الضغوط التي تمارس على المملكة مبالغ فيها أحيانا، وهناك حالة من عدم الإدراك بضرورة احترام الاختلاف الثقافي بين الشعوب. ويلفت المحللون إلى أن بعض المطالب من قبيل الإقرار بالهوية الجنسية، لا يستطيع صناع القرار في المملكة تمريرها لأنها تتعارض والمفهوم القيمي والأخلاقي للمجتمع السعودي.
ويشير هؤلاء إلى أن قادة السعودية يحرصون على تبني نهج متدرج في الانفتاح، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية الشعب السعودي وطبيعته المحافظة.
وحث مندوب السعودية في كلمته أمام الجمعية العامة على أنه “يجب أن نستفيد من دروس الماضي، وأن نعي أن تعزيز الأساس الأخلاقي في العلاقات الدولية، وأن إيجاد تعاون خال من فرض القيم والأيديولوجيات بين الدول ذات الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة في نظامنا العالمي، أصبح أمرا ملحا من أجل التصدي لظهور خطوط عازلة بين الدول على أساس ثقافي أو حضاري قد تؤدي إلى الصدام وتكون لها عواقب وخيمة على مستقبل الشعوب”.
وبشأن المطالب بالاعتراف بالهوية الجنسية شدد المعلمي على أن “الله خلق من كل زوجين اثنين (ذكر وأنثى) وما هو غير ذلك يتعارض مع هذه الطبيعة والفطرة التي خلق الله بها الأرض ومن عليها. وأن فرض قيم ومفاهيم لا تتناسب مع هذه الطبيعة الإلهية أمر مرفوض لدى الدول التي ثقافتها وهويتها الدينية وعاداتها وتقاليدها ترفض هذه القيم والمفاهيم”.
وجدّد التأكيد على ثبات موقف المملكة العربية السعودية تجاه مصطلحات الهوية والميول الجنسية غير المتفق عليها وتتعارض مع هويتها العربية الإسلامية التاريخية، كما تتعارض مع قوانين وتشريعات العديد من الدول الأعضاء.
وكشف المعلمي بأن “السعودية وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة حاولت التفاوض على نص القرار المطروح وإلغاء الإشارات إلى الهوية والميول الجنسية باعتبارها فقرة طارئة ولم يتم الاتفاق عليها في قرارات سابقة، وهي فقرة دخيلة على سياق القرار وليس لها مكان منطقي فيه، فالديمقراطية لا تستوجب من أحد أن يسأل عن الهوية الجنسية لمن يمارس التصويت، ولا علاقة لهذا الموضوع إطلاقا بمفهوم الديمقراطية ومعانيها، ولكن مع الأسف لم نجد استجابة منطقية لمحاولاتنا حول هذا الموضوع”.