السعودية تُثبّت دعائم تجارة البصمة الكربونية

الصندوق السيادي يعقد أولى شراكات السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني في المنطقة العربية.
الخميس 2022/03/24
مساهمتكم في تعديل مزاج كوكب الأرض حاجة ملحة

ثبّتت السعودية ركائز تجارة الكربون في البلاد عبر أول سوق طوعية لتداول تأمينات هذا المجال في المنطقة العربية، والتي ستبدأ النشاط في 2023 بدخول الصندوق السيادي في شراكة مع خمسة كيانات حكومية تمثل باكورة المنضمين إلى هذا التوجه على أن تتبعها مشاركة كيانات أخرى خلال الفترة المقبلة.

الرياض – اكتسبت استراتيجية السعودية لمسح البصمة الكربونية زخما كبيرا بإبرام صندوق الثروة خمس اتفاقيات مع كيانات محلية رائدة تمثل أولى الشراكات المرتقبة للسوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتشمل قائمة الشركاء التي وقّع معها الصندوق السيادي مذكرات تفاهم غير ملزمة مساء الثلاثاء الماضي كلّا من عملاق النفط أرامكو والخطوط الجوية السعودية وشركات أكواباور ومعادن وإنوا التابعة لنيوم.

ومن المتوقع انضمام المزيد من شركاء التوريد والشراء خلال الفترة المقبلة قبل جولة أولية من المزادات بحلول الربع الأخير من العام الجاري.

ياسر الرميان: مساهمة الشركات تعزز القدرات التي ستتميز بها السوق

وتتضمن الاتفاقيات مساهمة هذه الكيانات، إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة، في العمل على توريد وشراء وتداول أرصدة الكربون وذلك بمجرد تأسيس السوق الذي من المتوقع أن يكون في العام المقبل.

وتأتي الخطوة بعد خمسة أشهر من إعلان الصندوق مع مجموعة تداول التي تتولى إدارة البورصة المحلية عن مبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني.

ويقول خبراء إنه بهذه الخطوة تضع السعودية قدما أخرى في سياسة الإصلاح الاقتصادي ومواصلة تجسيد خطط “رؤية 2030” على الأرض عبر التركيز على جذب الشركات، استعدادا لتحويل العاصمة الرياض إلى مركز إقليمي للأعمال.

ويرجح أن تكون السوق المالية للكربون الوجهة الأساسية للشركات والقطاعات المختلفة التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون أو المساهمة في ذلك من خلال شراء أو بيع أرصدة تعويض الكربون المكافئ عالية الجودة والتي تم التحقق منها والموافقة عليها.

ونسبت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إلى محافظ الصندوق ياسر الرميان قوله إن “مساهمة هذه الشركات في تمشينا تعطينا دليلا قويا على القدرات المرتقبة التي ستتميز بها هذه السوق”.

وأكد التزام الصندوق بمواصلة دعم جهود الحكومة لتعزيز الاستثمار والابتكار من أجل مواجهة تأثير التغير المناخي وتحقيق الحياد الكربوني الصفري في البلد الخليجي النفطي بحلول عام 2060.

ولدى الصندوق الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دور فاعل في مبادرات عالمية تهدف إلى الحدّ من تغيرات المناخ مثل مبادرة مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية (الكوكب الواحد).

وتماشيا مع خطط التحول أطلق الصندوق مؤخرا إطاره التنظيمي للتمويل الأخضر الذي يشمل مبادرات تدعم هذا التوجه، بما في ذلك تأسيس سوق طوعية لتداول الائتمان الكربوني.

وتعليقا على هذا التعاون أكد رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر أن الشركة ستكون شريكا مميزا في المبادرة التي تتماشى “مع طموحنا لتحقيق الحياد الصفري في مرافق أعمالنا التي نملكها ونديرها بالكامل بحلول عام 2050”.

وشدد على أن أرصدة الكربون تمثل “أداة مهمة وفعالة لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية ضمن الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ”.

وتدرك الرياض مدى أهمية تخفيف الانبعاثات مع العمل على استثمارها بما يعود بالنفع ماليا على خزينة الدولة، مع ضرورة الوقوف على المساهمات المشتركة التي تراعي الحفاظ على البيئة والوصول إلى مفاهيم واضحة بشأن ذلك لإنجاح تجارة الكربون التي بدت أمرا ملحا اليوم.

ويرى المتابعون للشأن الاقتصادي السعودي أن اتباع الحكومة لنهج يتضمن ويشجع على نحو صريح كافة الخيارات الممكنة للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ سيساعدها على الوصول إلى نتائج جوهرية في هذا الأمر.

الشركات المنضمة إلى السوق

  • شركة أرامكو 
  • الخطوط الجوية السعودية
  • شركة أكواباور
  • شركة معادن
  • شركة إنوا التابعة لنيوم

واعتبر مدير عام الخطوط السعودية إبراهيم العُمر أن مشاركة شركة الطيران المملوكة للدولة في سوق الكربون الطوعية تشكل حدثا بارزا في مسيرتها.

وقال “نتطلع إلى التعاون مع السوق الجديدة التي تعد من المبادرات المبتكرة لصندوق الاستثمارات، والتي ستسهم في ازدهار مستقبلنا”. وأكد أن الخطوط السعودية ستقوم بدورٍ محوري في مبادرة تعويض الكربون وستسهم في جهود الاستدامة البيئية.

وتعمل في أكبر اقتصادات المنطقة العربية نسبة كبيرة من الشركات التي تسعى إلى خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى وجود عدد من الشركاء العالميين المهتمين بالاستثمار في هذا المجال.

وتتسلح السعودية باستراتيجية طويلة الأمد للطاقة المتجددة، وتبذل جهودا للسيطرة على الانبعاثات كسبيل لتعزيز “الاقتصاد الدائري للكربون” الذي سيسمح باستمرار إنتاج النفط.

وقبل ثلاث سنوات حددت الحكومة خططا لبناء نحو 60 ألف ميغاواط من قدرات الطاقة المتجددة وهي تحث الخطى لمسح بصمتها الكربونية في سلاسل الإمدادات أيضا.

ولم يخف رئيس مجلس إدارة أكواباور محمد أبونيان اهتمام شركته بأن تكون “من أوائل الشركاء الذين يسهمون في تنفيذ خارطة الطريق التي تسعى من خلالها رؤية الحكومة إلى إنجاز جهودها الطموحة نحو تحقيق الحياد الكربوني”.

وأشار إلى أن أول سوق لتأمينات الكربون بالمنطقة العربية ستسهم بدور مهم في تحقيق هذا الهدف مع السماح للمستثمرين من القطاع الخاص والشركات والمنظمات غير الحكومية بتعويض انبعاثاتهم بغية تحويل السعودية إلى مركز عالمي لتجارة الكربون.

وتتمتع الشركات والمؤسسات في البلد الخليجي بمكانة تؤهلها لتوريد وشراء أرصدة الكربون المعتمدة عالية الجودة. ومن المتوقع أن تُمكن السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني المستثمرين في المنطقة من تحقيق طموحاتهم لتقليل أو تحييد أثرهم الكربوني.

وقال الرئيس التنفيذي لمعادن روبرت ويلت إن الشركة “حريصة على مواكبة رؤية السعودية في أن نكون الرواد في حماية البيئة ليس محليا فقط، ولكن إقليمياً وعالمياً من خلال مبادرة السعودية الخضراء وغيرها من المشاريع الرامية إلى الحد من الاحتباس الحراري”.

وشهدت أسواق الكربون نموا سريعا في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم بمتوسط يبلغ 30 في المئة مما رفع قيمتها إلى أكثر من مليار دولار وفقا لبيانات نوفمبر 2021، ويتوقع أن تصل إلى 15 مليار دولار بحلول نهاية هذا العقد.

ويؤكد البنك الدولي أن تجارة الكربون رغم ما يكتنفها من غموض إلا أنها يمكن أن تخلق سوق طوعية تقدر بنحو 100 مليار دولار سنويا. وقال إنه يتوقع أن تتفوق على تجارة النفط لتكون أكبر سوق في العالم.

10