السعودية تنعش آمال إنهاء الحرب الأوكرانية-الروسية برعاية محادثات جديدة

جدة - تستضيف مدينة جدة السعودية اليوم السبت وغدا الأحد، اجتماعا لمستشاري الأمن القومي وكبار المسؤولين من حوالي 40 دولة، بشأن الأزمة الأوكرانية، في مسعى سياسي جديد للمملكة الراغبة بلعب دور دبلوماسي على الساحة الدولية رغم عدم وجود توقعات بأن تحقّق هذه الاجتماعات اختراقا في النزاع مع روسيا.
وأعلنت الرياض مساء الجمعة عقد "اجتماع لمستشاري الأمن الوطني وممثلي عدد من الدول" السبت في جدة الساحلية من أجل بحث "الأزمة الأوكرانية"، وفق ما جاء في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية.
وأكد البيان "استعداد المملكة للقيام بمساعيها الحميدة للإسهام في الوصول إلى حل يفضي إلى سلام دائم".
ومن جهته، قال رئيس الوفد الأوكراني الجمعة إن المحادثات التي تبدأ مع السعودية في مطلع الأسبوع لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا ستكون صعبة، لكن كييف تعول على إقناع المزيد من الدول بدعم صيغتها للسلام.
وتأمل أوكرانيا وحلفاؤها أن يتفق الاجتماع الذي يعقد في جدة لمستشاري الأمن القومي وغيرهم من كبار المسؤولين من حوالي 40 دولة، ليس من بينها روسيا، على مبادئ أساسية حول كيفية إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومبعوثه الرئيسي للمحادثات، في وقت متأخر أمس الجمعة في مقابلة تلفزيونية نُشرت على تطبيق تيليغرام "أتوقع أن تكون المحادثات صعبة".
ويستبعد الاجتماع روسيا، لكن الكرملين قال إنه "سيراقب" الاجتماع. وقالت الصين، التي تربطها علاقات وثيقة مع روسيا، الجمعة، إنها سترسل لي هوي المبعوث الخاص لشؤون أوراسيا للمشاركة في المحادثات.
ويقول المسؤولون الأوكرانيون والروس والدوليون إنه لا يوجد أي احتمال لإجراء محادثات سلام مباشرة بين أوكرانيا وروسيا في الوقت الحالي، إذ تستمر الحرب مستعرة، فيما تسعى كييف لاستعادة أراضيها من خلال هجوم مضاد.
لكن أوكرانيا تهدف أولا إلى بناء تحالف أكبر للدعم الدبلوماسي يتجاوز داعميها الغربيين الأساسيين من خلال التواصل مع دول الجنوب العالمي مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، والتي ظل الحياد هو الموقف المعلن للعديد منها.
وقال زيلينسكي إنه يأمل في أن تؤدي المبادرة إلى "قمة سلام" لزعماء العالم هذا الخريف لتأييد المبادئ، على أساس صيغته الخاصة للتسوية المكونة من عشر نقاط. وترفض موسكو صيغة زيلينسكي للسلام.
وفي المقابل، قال لافروف إن على "الرعاة الغربيين" الطلب من الرئيس الأوكراني تقديم صيغة عن رؤية كييف لوضع الروس والأقليات القومية الأخرى في أوكرانيا بعد "النصر الذي لا يدخر من أجله حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي المال والسلاح".
وأضاف الوزير الروسي -في مقابلة مع مجلة الحياة الدولية- أن ما اعتبرها تهديدات النازيين الجدد في أوكرانيا يتم تجاهلها في مبادرات السلام المتزايدة، مشيرا إلى أن روسيا تثمن أي جهد يبذل من أجل التوصل إلى سلام عادل وثابت في أوكرانيا.
ونقلت وكالة سبوتنيك عن مصدر بوزارة الخارجية الروسية أن السعودية أبلغت روسيا بأنها ستطلعها على نتائج الاجتماع بشأن أوكرانيا.
وستكون "صيغة السلام الأوكرانية" الموضوع الأبرز للمؤتمر، فهي "لن تضمن تحقيق السلام لأوكرانيا فحسب، بل ستخلق أيضا آليات لمواجهة النزاعات المستقبلية في العالم"، على حد قول مدير مكتب الرئاسة في كييف.
وحسب صحيفة بوليتيكو الأميركية، فإن الهدف هو الجمع بين دول من "الجنوب العالمي"، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة وكندا، لدعم جهود أوكرانيا للتوسط في خطة سلام.
ووفقا للصحيفة نقلا عن مصادر مطلعة، سيعقد الاجتماع على مدار يومين حول 10 مواضيع فرعية، تشمل الأمن الغذائي وأمن الطاقة، والإفراج عن الأسرى والأشخاص المرحلين قسرا، بمن فيهم الأطفال، والأمن البيئي، وإمكانية إنشاء محكمة لجرائم الحرب.
وتستند السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، إلى علاقاتها مع الجانبين الاوكراني والروسي، للسعي إلى لعب دور وسيط في الحرب التي مضى عليها الآن ما يقرب من عام ونصف.
ويتماشى ذلك مع خطوات دبلوماسية إقليمية شهدت مؤخرًا العمل على إصلاح الخلافات مع قطر وتركيا ثم إيران وسوريا.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد "مجموعة الأزمات الدولية" جوست هيلترمان إنّه "من خلال استضافتها للاجتماع (حول اوكرانيا)، تريد السعودية تعزيز محاولتها لتصبح قوة وسيطة عالمية لديها القدرة على التوسط في النزاعات".
لكن أزمة الطاقة التي تسبّبت بها الحرب على أوكرانيا عزّزت أهمية المملكة على الصعيد العالمي وساعدت في ترميم صورتها.
وقال هيلترمان إنّ الرياض "تريد أن تكون في الخندق ذاته مع الهند أو البرازيل، لأن هذه القوى المتوسطة إن عملت كفريق فيمكن أن تأمل في أن يكون لها تأثير على المسرح العالمي كقادة لحركة عدم الانحياز المتجددة".
والهند من الدول التي أكدت حضورها في جدة، واصفة ذلك بأنه يتماشى "مع موقفنا الراسخ" بأن "الحوار والدبلوماسية هما السبيل إلى الأمام".
وتشارك الصين في محادثات جدة من خلال مبعوثها إلى أوكرانيا لي هوي، وقد أبدت بكين تصميمها على "مواصلة لعب دور بناء من أجل تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية".
كذلك أبلغت جنوب أفريقيا أنها ستشارك في الاجتماع.
ويذكر أنّ المملكة أيدت قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين الغزو الروسي وكذلك ضم روسيا لأراض في شرق أوكرانيا.
ومع ذلك، ندّدت واشنطن العام الماضي بتخفيضات إنتاج النفط التي قادتها الرياض وموسكو للمساعدة على رفع الأسعار والتي تمت الموافقة عليها في أكتوبر، ووصفتها بأنها ترقى إلى "التحالف مع روسيا" في الحرب.
وفي مايو الماضي استضافت المملكة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة جامعة الدول العربية في جدة، حيث اتهم بعض القادة العرب بـ"غض الطرف" عن أهوال الغزو الروسي.
ويرى الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام عمر كريم أنّ الرياض تبنّت "استراتيجية توازن كلاسيكية" يمكن أن تخفّف من أي موقف روسي مناهض لاجتماعات جدة.
وتابع "هم يعملون مع الروس في عدة ملفات، لذا أعتقد أن روسيا لن تعتبر مثل هذه المبادرة (...) أمرا غير مقبول".