السعودية تمضي في حصاد رؤية التحول رغم التحديات

في أول رد شبه رسمي على سلسلة من التقارير الإخبارية العالمية التي تشير إلى تعثر تمت ملاحظته في الخطط الاقتصادية للبلد، كتبت وكالة الأنباء السعودية تقريرا بمثابة جرد لما تحقق على مدى السنوات الماضية من رؤية 2030، وهي الخطة الرسمية للقيادة في مسيرة الإصلاح والتحديث.
الرياض - تمضي السعودية بعد ثماني سنوات من إطلاق أجندة التحول وتنويع مصادر الدخل نحو تحقيق مستهدفاتها في الفترة المحددة، مدعومة بتفوق غالبية المؤشرات على التوقعات المرصودة وتجاوز أخرى مستهدفات الحكومة.
وشكل التقرير السنوي، الذي رصد منجزات رؤية 2030 خلال العام الماضي، والصادر الخميس، ردا على التقارير التي اعتبرت أن البلد الخليجي يتعثر في ترجمة خطط التنويع على الأرض، بعدما غلبت المؤشرات الإيجابية على معظم المبادرات.
وكانت وكالة بلومبرغ قد شككت في جدوى إستراتيجية السعودية، وخاصة في ما يتعلق بالاستثمار بعدما تحدثت عن مشاكل عملية وتمويلية تواجه البعض من أهم خطط الاقتصاد وهو مشروع نيوم العملاق بقيمة نصف تريليون دولار.
176
مؤشرا من أصل 243 تخطت التوقعات و105 منها تجاوزت مستهدفات 2024 و2025
وذكرت في تقرير مطلع هذا الشهر أن المستثمرين الأجانب لا يزالون حذرين تجاه البلد، مما دفع الحكومة إلى تحمل العبء الأكبر من الإنفاق على المشاريع العملاقة في البلاد.
ولكن التقرير السنوي للرؤية، والذي يمثل منتصف عمر الخطة، أشار إلى أن 176 مؤشرا من أصل 243 تخطت التوقعات، و105 منها تجاوزت مستهدفات العامين الحالي والمقبل.
وتعد المؤشرات التي حللتها “العرب”، وشملت، مثلا، تحقيق 5 مستهدفات من أصل عشرة تحت بند تنمية والتنويع في 2023، دليلا على أن الحكومة لديها إصرار كبير على جعل طموحها واقعا ملموسا رغم التحديات التي أغلبها في علاقة بالوضع العالمي.
وعملت الحكومة على تطوير عدد من المؤشرات الرئيسية، على غرار مؤشر احتساب المؤشرات الأجنبية، لقياس مدى نجاح مبادراتها المتنوعة والتي شملت كافة القطاعات وخاصة في ما يتعلق بالسياحة والرياضة والبنية التحتية والطيران وغيرها.
وأقرّت في أكتوبر الماضي، منهجية جديدة لاحتساب الاستثمار الأجنبي المباشر، كان أول تأثيراتها إجراء تعديل بالخفض على إجمالي رصيد الاستثمار المباشر بنحو 60 مليار دولار.
كما تظهر الأرقام تضاعف تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال العام الماضي بأكثر من أربع مرات على أساس سنوي من 8 إلى 33 مليار دولار.
ومن بين المشاريع التي حظيت بالاهتمام تجميع أول سيارة كهربائية طراز لوسيد العام الماضي، في خطوة سعت من خلالها السعودية إلى إظهار أن مملكة قائمة على إيرادات النفط يمكنها أن تجذب رأس المال الأجنبي لتصبح مركزا عالميا لصناعات المستقبل.
أما الطموحات في المرحلة الثانية من الرؤية، فتتمثل بتطوير القطاعات الواعدة والجديدة ودعم المحتوى المحلي وإشراك القطاع الخاص وزيادة فاعلية التنفيذ وتسهيل بيئة الأعمال.
وتتميز هذه المرحلة بـ”نضج أساليب التخطيط الإستراتيجي ومنهجيات القياس وأدواته”، حيث “تعمل المملكة مع المنظمات الدولية للتأكد من توظيف أفضل الممارسات”، وفق التقرير.
وتهدف الرياض من الخطوة إلى “متابعة الأداء بشكل ربع سنوي وفق منهجيات دقيقة”، ما يرتب “تطوير منهجيات قياس جديدة وتحسينها واستبدال بعضها بأخرى أكثر دقة، لمراقبة التقدم”، وتوجيهه نحو “المسار الصحيح”.
وأبرز النجاحات التي استطاع أكبر منتج للنفط في أوبك تحقيقها في إطار المؤشرات تتمثل في بلوغ مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي 45 في المئة، مواكبة المستهدف للعام، بينما تتطلع الحكومة إلى أن تصل إلى 65 في المئة مع نهاية فترة الرؤية.
مكاسب حصة المحتوى المحلي من نفقات القطاعات غير النفطية زادت، مع ارتفاع نسبة توطين الصناعات العسكرية، فضلا عن إجمالي الأصول المدارة من قبل صندوق الثروة السيادية
ومن العلامات الفارقة أيضا الزخم الذي بات عليه سوق العمل، فمن أصل 6 مؤشرات، حققت السعودية تقديرات 2023 في ثلاثة منها، بينما حققت مستهدفات الرؤية قبل أوانها في ما يتعلق بمستويات البطالة بين السعوديين، وزيادة مشاركة المرأة.
وفي ديسمبر الماضي، رفعت الحكومة مستهدفها لمشاركة السعوديات في سوق العمل إلى 40 في المئة بنهاية هذا العقد.
ورغم أن هذه النسبة انخفضت بنحو 0.5 في المئة خلال الربع الأخير من 2023 بمقارنة سنوية، إلا أنها لا تزال عند 35.5 في المئة، فيما كانت الرؤية تهدف سابقا إلى تحقيق 30 في المئة.
كما تم تسجيل في الربع ذاته، أدنى مستوى من البطالة بين السعوديين على الإطلاق، لتبلغ 7.7 في المئة ولتقترب أكثر من المستهدف والبالغ 7 في المئة بنهاية تنفيذ خطط الرؤية.
وإضافة إلى سوق العمل، تمكنت السعودية من تحقيق مستهدفاتها في العديد من المؤشرات الأخرى كالإيرادات الحكومية غير النفطية، ونسبة الأسر التي تمتلك وحدة سكنية.
كما ترجمت بالفعل خططها المتعلقة بنسبة الملتحقين بسوق العمل من خريجي الجامعات خلال ستة أشهر من تاريخ التخرج، فضلا عن نسبة التجمعات السكانية المغطاة بالخدمات الصحية، وغيرها من المؤشرات.
وبالنسبة لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، فقد تمكنت السعودية من تحقيق مستهدفاتها في ما يرتبط بحصة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز، وإجمالي قيمة الصادرات التراكمية للصناعات المرتبطة به.
كما أن مكاسب حصة المحتوى المحلي من نفقات القطاعات غير النفطية زادت، مع ارتفاع نسبة توطين الصناعات العسكرية، فضلا عن إجمالي الأصول المدارة من قبل صندوق الثروة السيادية، والتي بلغت بنهاية العام الماضي نحو 749.23 مليار دولار.
وبرز تباطؤ في إنجاز بعض الخطط، فقد تأخرت بعض المؤشرات، في وقت أشار التقرير إلى أنها “تخضع لإجراءات تصحيحية للنهوض بها نحو تحقيق مستهدفاتها”.
وشهد العام الماضي تأخر عدد من المؤشرات، لكنها كادت أن تحقق مستهدفاتها، وأبرزها الناتج الإجمالي الذي سجل 790 مليار دولار مقابل 809 مليارات دولار مستهدفة، إضافة إلى الناتج غير النفطي، والذي بلغ 504 مليارات دولار، من 516.37 مليار دولار مستهدفة.
كما تخلّف مؤشر حصة الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي الذي كان مستهدفا عند 36 في المئة، مسجلا 24.5 في المئة، في حين ترغب السعودية في أن يساهم بنحو النصف بحلول نهاية هذا العقد.
وإضافة إلى ما سبق، وصلت نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من قروض البنوك إلى 8.3 في المئة، مقتربة بشكل كبير من تحقيق المستهدف عند 8.6 في المئة، ولكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق مستهدفات 2030 عند 20 في المئة.
أبرز ملامح المرحلة الثانية من الرؤية
- تطوير القطاعات الواعدة والجديدة
- زيادة دعم المحتوى المحلي
- تعظيم مشاركة القطاع الخاص
- زيادة فاعلية تنفيذ الخطط والمبادرات
- تسهيلات أكبر في بيئة الأعمال
ومنذ أن أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030، شهد العالم الكثير من التغييرات على غرار الحرب التجارية الأميركية – الصينية، وغزو روسيا لأوكرانيا وتبعاته على اقتصاد العالم ودول المنطقة.
لكن الحدث الأبرز كان الوباء، الذي أوقف عجلات الاقتصاد العالمي لعامين، وأوصل أسعار النفط إلى مستويات قياسية منخفضة، قبل أن تصعد بشكل صاروخي بعد الحرب في شرق أوروبا ولا تزال الدول تشهد تبعاتها بفعل أسعار الفائدة المرتفعة.
كما شهدت هذه الفترة تخفيضات إنتاج النفط من تحالف أوبك+ والتي لا تزال سارية بهدف الحفاظ على استقرار السوق. ونظرا لأن السعودية تقود هذه التخفيضات، فإنها تطمح لأن تحافظ على الأسعار مرتفعة بما يحق لها المزيد من العوائد لتنفيذ مشاريع الرؤية.
وإضافة إلى هذه الأحداث الخارجية التي لم يقتصر أثرها على مالية الدولة، وامتدت إلى نشاط القطاع الخاص ومصادر تمويلاته، فإن السعودية تحمل عبء عدم استغلال الفرص خلال العقود الماضية، وتحاول التعويض عن ذلك في سنوات.
وكان الأمير محمد قد كشف سبتمبر الماضي خلال مقابلة مع محطة “فوكس نيوز” أن بلاده تستعد للإعلان عن رؤية 2040. ولفت حينها إلى أنه “خلال السنوات الماضية كانت هنالك الكثير من الفرص التي لم نستغلها، ونحن نحاول تعويض ذلك والمضي قدما”.
وأضاف “لو كانت السعودية على المسار المثالي أثناء كل تلك المدة، لكنا ضمن أعلى سبعة اقتصادات في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وأنا أحاول إعادة المملكة إلى المسار الصحيح”.