السعودية تفاجئ أسواق النفط بالتخلي عن خطتها لزيادة الإنتاج

فاجأت السعودية أسواق النفط العالمية بالتخلي عن خطة لتعزيز طاقتها الإنتاجية. وهو تراجع كبير أثار الجدل داخل أوساط الصناعة حول وجهة نظر البلد بشأن الطلب المستقبلي، وفي الوقت ذاته تحقيق أهداف تغذية الطفرة الاقتصادية الشاملة وسد عجز الميزانية.
الرياض – أعلن عملاق الطاقة أرامكو الثلاثاء، أن وزارة الطاقة السعودية طلبت من الشركة المحافظة على طاقتها الإنتاجية الحالية، متراجعة بذلك عن خطة سابقة لزيادتها بمقدار مليون برميل يوميا.
وتأتي الخطوة المفاجئة بعد أن أكدت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في نوفمبر الماضي، إنها تتقدم “بشكل جيد للغاية” في مشروع بمليارات الدولارات لتعزيز القدرة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027، مع استمرار نمو الطلب في الصين والهند.
وقالت الشركة في إفصاح للبورصة “تُعلن أرامكو أنها تلقت توجيها من وزارة الطاقة بالمحافظة على مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة عند 12 مليون برميل يوميا”.
وتنتج السعودية حاليا 9 ملايين برميل يوميا مع طاقة فائضة تبلغ 3 ملايين برميل يوما، بعد أن قلصت الإنتاج كجزء من جهود تحالف أوبك+ لإنعاش سوق النفط العالمية ومنع الفائض.
وقالت فاندانا هاري، مؤسسة شركة فاندا إنسايتس ومقرها سنغافورة لتلفزيون بلومبرغ، إنها “أوضح علامة حتى الآن على أن السعودية تخفف توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في السنوات المقبلة”.
ويعتقد محللون أن تغيير الخطة سيؤدي إلى استنزاف جزء كبير من احتياطي العرض، الذي كان التجار يتوقعونه في وقت لاحق هذا العقد، وهي فجوة قد يكون من الصعب سدها من قبل الآخرين.
لكنهم أشاروا إلى أن الحفاظ على القدرة الاحتياطية الإضافية أمر مكلف، خاصة وأن الطلب من المرجح أن يتباطأ في المستقبل مع تحول الطاقة.
وتعتمد الدولة على إيرادات أرامكو لتمويل مشاريع رؤية 2030، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرامية إلى تحويل السعودية التي كانت منغلقة سابقا، إلى مركز للأعمال والسياحة والرياضة.
وقال مصدر مطلع لرويترز إن القرار “لا علاقة له بالمسائل الفنية لتطوير البرنامج، والشركة مستعدة لاستئناف الخطط إذا طُلب منها ذلك”. وأوضح أن الخطوة لا تعكس تغيرا في وجهات النظر بشأن سيناريوهات الطلب على النفط في المستقبل.
وقبيل انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 28) في دبي أواخر العام الماضي، كانت السعودية من بين الدعاة إلى ضخّ مزيد من الاستثمارات في قطاع الوقود الأحفوري، لضمان أمن الطاقة وخفض التضخم وغيره من المشاكل الاقتصادية.
وخلال المؤتمر، كان وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان أشرس المعارضين للتوصل إلى اتفاق يتضمن “خفض استخدام” الوقود الأحفوري تدريجيا أو “التخلي التدريجي عنه”.
ورغم رفض المصدر المطلع فكرة وجود أي تغيير في توقعات الطلب، فقد رجح أن تكون هناك الكثير من التكهنات في السوق بشأن التداعيات المحتملة على الطلب العالمي على النفط على المدى المتوسط والطويل نتيجة للقرار.
وقال إن “هذا التغيير سيقود الزخم نحو مجالات النمو لأرامكو، مثل الغاز ومصادر الطاقة الجديدة”.
يجري تداول النفط الخام بالقرب من 82 دولارا للبرميل، متماسكا إلى حد كبير مع مواجهة الإمدادات الوفيرة للأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط
واستهلت أرامكو جهودها في عمليات الدمج والاستحواذ في مجال الغاز العام الماضي، إذ اشترت حصة أقلية في ميد أوشن أنيرجي مقابل 500 مليون دولار.
ومن المتوقع أن تعلن الشركة أحدث التطورات بشأن خطط الإنفاق الرأسمالي، عندما تعلن عن نتائج أعمال 2023 في مارس المقبل.
وتوقعت آر.بي.سي كابيتال ماركتس أن تمضي أرامكو في الخطط التي اتُخذت بالفعل، ولكنها قد تخفض ميزانيتها السنوية بمقدار 5 مليار دولار.
وقال بيراج بوركاتاريا، المحلل لدى آر.بي.سي “الأهم من ذلك، أن هذا يمثل أيضا تغييرا في لهجة أحد أكبر منتجي النفط في العالم”.
وتطرقت ماركتس في مذكرة إلى مشاريع رفع طاقة حقل الظلوف إلى 600 ألف برميل يوميا، وحقل المرجان إلى 300 ألف برميل يوميا وحقل البري بطاقة 250 ألف برميل يوميا.
لكن آر.بي.سي “ترجح تأجيل” المشاريع التي لم يتم البت بشأنها، مثل مشروع حقل السفانية بطاقة 700 ألف برميل يوميا.
وجاء في المذكرة “كنا نفترض ميزانية بنحو 12 مليار دولار لمشروع السفانية، منها ثلاثة مليارات دولار يتم إنفاقها في 2024”.
وكانت أرامكو قد توقعت إنفاقا رأسماليا يتراوح بين 45 مليار و55 مليار دولار في 2023، هو الأعلى في تاريخها. وأشارت إلى أنها ستزيد ذلك في السنوات المقبلة.
وقال بيارن شيلدروب المحلل لدى شركة أس.إي.بي “ربما يكون ذلك لتوفير السيولة، لكنه ينطوي على أنها لا ترى حاجة لهذا النفط الإضافي في السوق العالمية”.
ويأتي القرار في وقت تدفع فيه أرامكو أرباحا أكبر بكثير للحكومة، حتى مع خفض إنتاجها. ورفعت الشركة مدفوعاتها الربعية بأكثر من 10 مليارات دولار إلى 29.4 مليار دولار خلال الربعين السابقين، حيث تتطلع الحكومة إلى تمويل عجزها المالي.
ومن المحتمل أن تسجل السعودية عجزا في الميزانية يبلغ 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ولديها أكثر من 46 مليار دولار من متطلبات التمويل.
وتشير تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس إلى أن الحكومة تحتاج إلى سعر للنفط يبلغ 108 دولارات للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها وتلبية الإنفاق المحلي من قبل صندوق الثروة السيادية.
ويجري تداول النفط الخام بالقرب من 82 دولارا للبرميل، متماسكا إلى حد كبير مع مواجهة الإمدادات الوفيرة للأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط.
وسيضيف الإعلان إلى قائمة الشكوك التي تواجه المتداولين، إذ لا توجد علامة على نهاية الحرب الإسرائيلية على حماس، حيث يهدد المسلحون الحوثيون الشحن العالمي في البحر الأحمر، وهناك خطر متزايد من جر إيران إلى الاضطرابات الأوسع في المنطقة.
ومن المرجح، أن يكون للخطوة آثار طويلة المدى على سوق النفط. ومن شأن كبح خطط النمو أن تترك السعودية احتياطي إنتاج أقل في المستقبل في حالة حدوث صدمات في العرض، خاصة في الشرق الأوسط المضطرب.
لكن على المدى القصير، لا يحتاج السوق إلى طاقة إنتاجية سعودية أكبر، لأن ثمة مستويات كافية متاحة بعد أن خفضت منظمة أوبك الإنتاج.
وقالت أمريتا سين مديرة الأبحاث في شركة أنيرجي أسبكتس الاستشارية “علينا أن نسأل: ما هو الجدول الزمني الذي ستحتفظ فيه أرامكو بالقدرة المنخفضة؟”.