السعودية تغري المستثمرين بنظام شامل للتمويل الأخضر

استقبل المحللون والمؤسسات المالية الدولية قرار السعودية إنشاء نظام للتمويل الأخضر من خلال إصدار أدوات الدين الحكومية بالكثير من التفاؤل باعتباره تحركا يؤكد الاهتمام بترجمة الخطط الطموحة للحياد الكربوني وفي الوقت ذاته يدعم ثقة المستثمرين.
الرياض - سرّعت السعودية من جهودها نحو إثبات حرصها على المضي قدما في مسح بصمتها الكربونية، وجذب المستثمرين البيئيين والاجتماعيين والحوكمة بتبنيها إطارا للتمويل المستدام، وهو أحد الاتجاهات التي باتت على رأس أولويات دول منطقة الخليج.
وتخطط الحكومة بموجب المبادرة، التي تم الإعلان عنها الأسبوع الحالي، لإصدار أدوات الدين، مثل السندات الخضراء والصكوك الإسلامية، والتي سيتم استخدام عوائدها لتمويل مشاريع الطاقة البديلة.
وفي أحد ردود الفعل الإيجابية على الخطوة، منح وكالة موديز إنفستور سيرفيس الإطار السعودي الجديد درجة “جيد” في تصنيف الجودة المستدامة.
ووفق وزارة المالية، فإن الإطار يحدد 8 أنواع من المشاريع المؤهلة للحصول على تمويل من مبيعات الديون الخضراء، بدءا من دعم وسائل النقل النظيفة والطاقة المتجددة إلى المشاريع التي قد تساعد المملكة ذات المناخ الصحراوي على التكيف مع التغير المناخي.
ولم تقدم الوزارة تفاصيل حول الجدول الزمني المحتمل للإصدارات، لكنها أكدت في بيان الخميس الماضي أن “الهيكل الجديد سيسمح للحكومة ببيع الصكوك والسندات الخضراء للمشاريع التي تستوفي المعايير”.
وفي كل الأحوال سيكون بيع السندات الخضراء تحت هذا النظام الأول من نوعه بالنسبة للحكومة مع سعي أكبر مصدر للنفط إلى جمع الأموال لمشاريع صديقة للبيئة، والانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، الذي يعتبر من أعمدة اقتصادها الرئيسية.
وتأتي الخطوة بعد شهرين على إعلان سلطنة عمان عن إطار للتمويل المستدام هو الأول من نوعه في الخليج، حيث ينظم عملية توفير أدوات التمويل المستدام المتوافقة مع المعايير والمبادئ الدولية لإطارات العمل الصادرة من رابطة أسواق المال الدولية.
وتهدف السعودية إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 278 مليون طن سنويا بحلول نهاية العقد الحالي، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060.
وكانت الإمارات أول بلد في منطقة الخليج العربي تعلن عن هدفها للوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، كما تستهدف إنتاج 30 في المئة من طاقتها من مصادر الطاقة البديلة والنووية بحلول نهاية العقد الحالي.
وينظر إلى الإطار الجديد للتمويل المستدام على أنه اختبار مهم لإقبال المستثمرين على السندات السعودية وبقية الإصدارات في الشرق الأوسط، كونها إحدى العلامات المهمة للإسراع في التحول الاقتصادي.
واعتبر بشار الناطور الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن نشر السعودية إطار التمويل الأخضر يعد خطوة مهمة يمكن أن تسهل جهودها المستمرة في التمويل المستدام، ويمكن أن تعزز الثقة بين المستثمرين.
ويأتي إصدار الإطار في أعقاب خطوات أخرى توضح جهود البلد الخليجي لتعزيز الشفافية والحوكمة في القطاع البيئي، مثل إنشاء المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي والمركز الوطني لإدارة النفايات.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن الناطور قوله في تقرير أصدرته فيتش الجمعة إن “هذه الخطوات حاسمة في تعزيز مصداقية إطار التمويل الأخضر”.
35
في المئة نسبة استحواذ السعودية على إجمالي السندات الخضراء عربيا في عام 2023
وأوضح أن في سياق التمويل الإسلامي يضيف استخدام الصكوك لتمويل المشاريع الخضراء المؤهلة بعدا مهما للتمويل المستدام، إذ يخدم المستثمرين الذين يبحثون عن أدوات متوافقة مع الشريعة الإسلامية وتدعم أيضا الأهداف البيئية.
وتوقع الناطور أن تلعب الصكوك والتمويل الإسلامي بشكل عام دورا رئيسيا في الجانب التمويلي، حيث سيحتاج العضو البارز في تحالف أوبك+ إلى كميات كبيرة من الاستثمارات، من القطاعين العام والخاص، لتمويل الالتزامات المناخية.
وستتم إصدارات الحكومة من هذه السندات عبر وزارة المالية، وستشرف لجنتان وهي التمويل المستدام، والمشاريع والرصد، على المبيعات وتخصيص التمويل للمشاريع.
وعلى الرغم من أن صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) قد بدأ الديون الخضراء في عام 2022، فإنه لم يكن من الواضح كيف ستختلف أهداف تمويل السندات الخضراء الحكومية، عن تلك التي يصدرها الصندوق.
وكان صندوق الثروة قد أصدر بالفعل سندات خضراء مطلع العام الماضي، وقد جرى تغطيتها بنحو 6 مرات ما يشير إلى رغبة في الاستثمارات بهذه الأدوات الصادرة من السعودية.
ويتبوأ الصندوق، الذي يدير أصولا تتجاوز قيمتها 940 مليار دولار، مكانة مركزية ضمن أجندة السعودية الطموحة لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، والتي يتبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتتوقع فيتش أن يتجاوز سوق الصكوك التي تراعي المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة 7.5 في المئة من الصكوك العالمية في السنوات المقبلة مقابل 4.3 في المئة بنهاية 2023 مع احتمال أن يكون النمو مدعوما بخطط تنويع تمويل الجهات المصدرة.
وأظهرت بيانات أصدرها البنك الفرنسي بي.أن.بي باريبا مؤخرا أن قيمة ما تم بيعه من سندات الاستدامة المصدرة منذ مطلع 2024 بلغت 11.3 مليار دولار، مقابل 7.8 مليار دولار قبل عام.
وأشارت أرقام البنك إلى أن مبيعات السندات الاجتماعية زادت إلى حوالي 4.8 مليار دولار من 2.8 مليار دولار، حتى مع تراجع إصدار السندات الخضراء.
وتسهم سياسات الرياض التنظيمية في جلب الاستثمارات الخارجية، كما أن توافر الموارد الطبيعة من طاقة الرياح والشمسية يعزز دخول الشراكات الأجنبية لبناء مشاريع تشكل قيمة مضافة للاقتصاد.
وتطرح الحكومة بين الفينة والأخرى فرصا استثمارية جديدة أمام أصحاب المصلحة في قطاع الطاقات البدلية بما يشمل مزارع لإنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر الشمسية وأيضا الرياح.
وتندرج هذه المشاريع في سياق إستراتيجية التحول الأخضر التي تعكف السعودية على تنفيذها منذ فترة أسوة بما تقوم به معظم دول الشرق الأوسط لمكافحة الاحتباس الحراري.
ووفقا لوحدة التحليل المالي في صحيفة الاقتصادية السعودية، استحوذ أكبر اقتصادات منطقة الخليج على نحو 35 في المئة من إجمالي إصدارات سندات الاستدامة الخضراء في المنطقة العربية البالغة 41.6 مليار دولار، حيث وصلت قيمتها إلى 14.4 مليار دولار.
وباستثناء السعودية والإمارات وسلطنة عمان والمغرب، لا تزال معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني تحديات جمّة في دمج متطلبات التمويل الأخضر مع برامج الاستدانة الخاصة بها.