السعودية تعزز وتيرة الإصلاح في صناعة التأمين

دخلت السعودية جولة مهمة في مسار إصلاح قطاع التأمين، إذ يسعى المشرفون عليه لوضع أسس جديدة ترتقي بهذه الصناعة في خطوة يرى خبراء أنها ستدعم نشاطها خلال السنوات المقبلة، وبالتالي تعزيز دورها في التنمية انسجاما مع خطط الإصلاح.
الرياض - واصلت السعودية جهود تطوير صناعة التأمين لجعله أحد محركات التنمية مع ضمان مصالح المستثمرين والعملاء في ظل ثورة الإصلاحات التي طالت كافة المجالات.
ويقول محللون إن القطاع يمرّ بمرحلة تصحيحية منذ ثماني سنوات قائمة على تطبيق الحوكمة والشفافية ومكافحة غسيل الأموال وما تتطلبه من الالتزام والامتثال للأنظمة والقوانين التي أقرتها مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة سوق المال.
واتخذت الحكومة خطوة جديدة لتنظيم قطاع التأمين، تمثلت في نقل مهام الرقابة والإشراف على القطاع من البنك المركزي (ساما) ومجلس الضمان الصحي، إلى هيئة التأمين الجديدة التي يُنتظر أن تباشر عملها بعد نحو ثلاثة أشهر أي في منتصف نوفمبر المقبل.
وأقر مجلس الوزراء في جلسته الثلاثاء الماضي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنشاء الهيئة ككيان مستقل يتولى الإشراف والرقابة على القطاع، بهدف تنظيمه وتطويره وتعزيز فاعليته، بما يسهم في ضمان الاستقرار المالي وفق سياسة التحول.
واعتبر وزير المالية محمد الجدعان أن إنشاء الهيئة التي تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية خطوة هامة في خطة برنامج تطوير القطاع المالي، أحد برامج رؤية 2030.
وكتب على منصة إكس (تويتر سابقا) يقول إن القرار يسهم في “تطوير ونمو قطاع التأمين السعودي، دعماً لرفع مساهمة القطاع في الاقتصاد وزيادة توفير الوظائف وتشجيع الاستثمار”.
وأكد البنك المركزي السعودي في بيان أن “القرار يدعم تحقيق تطلعات القيادة بتطوير قطاع التأمين الواعد ليكون ركيزة أساسية في الاقتصاد ويعزز من منظومة إدارة المخاطر”، إلى جانب تطوير منتجات تواكب التطورات الحالية.
وقال محافظ البنك المركزي أيمن السياري إن “وجود كيان مستقل موحد معني بتنظيم قطاع التأمين في المملكة، من المتوقع أن يسهم في تعزيز كفاءة القطاع ورفع مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي، ومواكبة تطورات صناعة التأمين حول العالم”.
وينقسم القطاع التأميني بالبلاد إلى ثلاثة أقسام هي التأمين الصحي والتأمين على الحماية والادخار والتأمين العام، والذي يشمل بدوره 7 أنشطة تشمل السيارات والشحن البحري والطيران والطاقة والهندسة والحوادث والممتلكات والحرائق.
ويقدر حجم سوق التأمينات بنحو 10.3 مليار دولار طبقًا لإحصائيات عام 2020، ومن المتوقع أن ينمو بوتيرة متسارعة حتى نهاية العقد الحالي.
وتواجه القطاع العديد من التحديات في ظل التطور الكبير، الذي يشهده سوق الخدمات المالية والانتشار الكبير لخدمات التكنولوجيا المالية في المنطقة، والتي يقدر معدل نموها السنوي بنحو 30 في المئة وفقا لتقديرات عام 2022.
وعانت شركات التأمين في السعودية بشكل عام من خسائر متراكمة على مدى سنوات، أدّت إلى شطب ثلاث منها في السوق المالية السعودية الرئيسية “تداول”، وجاء ذلك قبل أن تحقق الشركات المتبقية وعددها 27 شركة مدرجة في البورصة المحلية أرباحاً صافية مجمعة بلغت العام الماضي 689 مليون ريال (184 مليون دولار) بفضل تحسّن دخل العمليات، وفق التقرير السنوي للبنك المركزي عن أداء سوق التأمين.
وسجلت شركات القطاع في الربع الثاني من العام الجاري أعلى أرباح فصلية منذ عام 2003، بعد تطبيق معايير محاسبية جديدة مثل المعيار الدولي للتقرير المالي رقم 17 الخاص بعقود التأمين، والتقرير المالي رقم 9 المتعلق بالأدوات المالية.
◙ 10.3 مليار دولار حجم سوق التأمينات في البلد الخليجي وفق الإحصائيات التي تعود إلى سنة 2020
وأدى اعتماد المعايير الجديدة إلى تحوّل لافت في النتائج المالية لهذه الشركات، إذ بلغت الأرباح الصافية المجمعة خلال الربع الثاني 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار) مقارنة بخسائر تقدر بنحو 22.8 مليون دولار قبل عام.
ويبدو أن العامل الرئيس الذي دعم هذا التحول إلى الربحية يعود إلى زيادة أعمال خدمات التأمين، التي ما فتئت تزيد بفضل توسع ثقافة الائتمان بين المواطنين والشركات وحتى المؤسسات التابعة للدولة.
وتهيمن شركتان على 52 في المئة من أرباح القطاع، وهما بوبا للتأمين بحصة تبلغ 31 في المئة، وشركة التعاونية، وهي أقدم شركة تأمين في البلد الخليجي، والتي استحوذت على حصة تقدر بنحو 21 في المئة.
وتظهر الإحصائيات الرسمية أن أرباح هاتين الشركتين وصلت معا إلى حوالي 616 مليون ريال (167.3 مليون دولار).
وكان لافتاً تحوّل 15 شركة من أصل 27 إلى الربحية في الفترة بين أبريل ويونيو الماضيين مقابل تكبدها خسائر في الفترة ذاتها من العام الماضي، مقابل تسجيل عشر شركات نمواً في الأرباح، وتقليص شركتين لخسائرهما المسجلة قبل عام.
وتسارع سباق شركات التأمين لإبرام صفقات اندماج في ما بينها بتشجيع من السلطات المالية، لمواجهة خسائرها الناجمة عن ضعف إمكاناتها بسبب أحجامها الصغيرة، إضافة إلى محاولة مواكبة الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتسارعة في أسواق المال السعودية.
وشهد القطاع موجة من الاندماجات بين الشركات وصل عددها إلى سبع عمليات منذ عام 2019، في ظل دعوات مستمرة من البنك المركزي ووزارة المالية للقيام بذلك وإنشاء كيانات قوية قادرة على التوسع داخليا وخارجيا.
وأحدث عملية اندماج كانت في يونيو الماضي حيث وقّعت شركتا الدرع العربي للتأمين التعاوني والإنماء طوكيو مارين المدرجتان في البورصة المحلية اتفاقية لإتمام الخطوة.
وبموجب الصفقة التي تحتاج إلى موافقة الجهات التنظيمية ستزيد الدرع العربي رأسمالها من خلال إصدار 15.96 مليون سهم عادي جديد قيمتها الاسمية 10 ريالات (2.67 دولار) للسهم الواحد لصالح مساهمي الإنماء طوكيو المستحقين.
وفي ضوء ذلك سيبلغ رأسمال شركة الدرع العربي 798.1 مليون ريال (212.8 مليون دولار) مقسما على 79.8 مليون سهم عادي، سيملك من أصلها مساهمو الإنماء طوكيو 15.96 مليون سهم، أي ما يمثل 20 في المئة من رأس المال بعد الزيادة.
وقبل ذلك بأسبوعين أبرمت شركة عناية للتأمين التعاوني والشركة المتحدة للتأمين التعاوني اتفاقية اندماج ملزمة من خلال تبادل الأوراق المالية.
ووقعت شركتا الأهلية للتأمين التعاوني واتحاد الخليج للتأمين التعاوني السعوديتين في ديسمبر الماضي 2019 مذكرة تفاهم غير ملزمة لتقييم جدوى اندماج الشركتين. وجاء ذلك بعد إعلان ولاء للتأمين ومتلايف أي.آي.جي العربي عن تلقيهما خطاب عدم ممانعة من قبل مؤسسة النقد على الاندماج.