السعودية تعزز علاقتها بقبرص على وقع تأرجح فرص التطبيع مع تركيا

حزمة اتفاقيات تنتظر الرئيس القبرصي خلال زيارته إلى الرياض.
الجمعة 2022/02/25
علاقات متقدمة

تحمل زيارة الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس إلى الرياض عدة دلالات سياسية من حيث توقيتها، خصوصا وأنه كان من المفترض أن يحل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفا على المملكة الشهر الجاري.

الرياض - تشهد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وقبرص تطورا ملحوظا ترجم في تواتر الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي البلدين في الفترة الأخيرة، وذلك على وقع تأرجح فرص تطبيع العلاقات السعودية - التركية.

وكان من المتوقع أن يجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة الشهر الجاري إلى المملكة، لكن الذي سيصل إلى الرياض الأسبوع المقبل هو خصمه الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في زيارة رسمية للمملكة تدوم يومين، يلتقي خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

يأتي ذلك بعد أيام من زيارة وفد سعودي رفيع المستوى بقيادة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى نيقوسيا حيث تمت خلالها مناقشة حزمة من الاتفاقيات يرجح أن يتم التوقيع عليها خلال زيارة أناستاسيادس إلى الرياض.

الأمير فيصل بن فرحان: قبرص جسر يربط الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي

وتقول أوساط سياسية خليجية إن زيارة الرئيس القبرصي تحمل أكثر من دلالة سياسية لعل أهمها عدم إحراز تقدم عملي على صعيد تطبيع العلاقات السعودية - التركية، رغم الهدنة الإعلامية بين الجانبين.

وتشير الأوساط إلى أن توطيد الرياض لعلاقتها مع نيقوسيا لا يخلو من رسائل موجهة إلى أنقرة التي تعتبر أن مثل هذا التقارب يشكل تحديا واختراقا لمجالها الحيوي.

وكان من المفترض أن يزور أردوغان السعودية الشهر الجاري، بيد أن تصريحات للأخير أوحت بتأجيل هذه الزيارة إلى أجل غير مسمى.

وقال أردوغان أثناء عودته الأسبوع الماضي من زيارة إلى دولة الإمارات استمرت ليومين، إن بلاده والسعودية تواصلان الحوار، وإنه ينتظر تقدما من خلال اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة.

وعكست تصريحات الرئيس التركي استمرار الهوة بين أنقرة والرياض، وأرجعت الأوساط السياسية ذلك إلى عدم تجاوز المملكة للإحراج الكبير الذي سببته لها تركيا على الصعيد الدولي من خلال الحملة التي قادتها الأخيرة ضدها في علاقة بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

وشهدت العلاقة بين أنقرة والرياض في السنوات الماضية فتورا بسبب خلافات حول جملة من الملفات من بينها دعم أنقرة للتنظيمات الإسلامية، ومساعيها للتمدد وفرض نفوذها في المنطقة العربية، واتخذت العلاقة بعدا تصعيديا في العام 2018 حينما قامت فرقة اغتيال سعودية بقتل الصحافي خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث استغل الرئيس أردوغان العملية وشن حملة كبيرة ضد القيادة السعودية وعلى رأسها الأمير محمد بن سلمان.

ولم تكتف أنقرة بذلك، حيث عمدت إلى محاولة ضرب الزعامة السعودية على العالم الإسلامي، من خلال استهداف منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من جدة، ثاني أكبر مدينة سعودية، مقرا رئيسيا لها.

وفي سياق التحول الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية منذ العام 2021 والذي جاء نتاج تزايد عزلة أنقرة، واستفحال أزمتها الاقتصادية، أرسل أردوغان على مدار الأشهر الماضية رسائل تفيد برغبة بلاده في بدء صفحة جديدة مع السعودية قائمة على سياسة تصفير المشاكل وتبادل المنافع، لكن الرياض قابلت هذه الرسائل ببرود.

وتقول الأوساط السياسية إن الرياض تريد من أنقرة أكثر من مجرد تصريحات لرد اعتبارها كأن يقدم الرئيس التركي على الاتصال بولي العهد السعودي، خلاف ذلك فليس من المنتظر أن تشهد العلاقة بين الطرفين انفراجة قريبة.

وتشير الأوساط إلى أنه بعد الاختراقات التي حققتها في المنطقة سواء على صعيد علاقتها مع الإمارات وأيضا مع إسرائيل، تبدو تركيا هي الأخرى قد خففت من اندفاعتها صوب المملكة وتحسب خطواتها جيدا في هذا الإطار، وهذا ربما ما استشعرته الرياض التي اندفعت أكثر صوب توثيق العلاقات مع خصوم تركيا الإقليميين وعلى رأسهم قبرص واليونان.

التوافق مستمر
التوافق مستمر

وقال مصدر دبلوماسي أوروبي إنه من المقرر أن يبحث الرئيس القبرصي، خلال الزيارة التي تبدأ الثلاثاء، “عدة مواضيع من بينها توسيع آفاق تطوير التعاون الثلاثي في قضايا الدفاع بين قبرص واليونان والسعودية وتحديات الاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب وتطورات المشكلة القبرصية والمستجدات الإقليمية والعلاقات الثنائية وقضايا الطاقة والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والسعودية إلى جانب تعزيز الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقبرص”.

وألمح المصدر إلى أن أناستاسيادس سيطلع الجانب السعودي على نتائج وانعكاسات الاستفزازات التركية في فاروشا وكذلك التطورات في شرق البحر المتوسط.

وأبدت السعودية في وقت سابق دعمها الكامل لسيادة قبرص على أراضيها وتضامنها مع شعبها.

وقال الأمير فيصل إن بلاده تنظر إلى قبرص على أنها “جسر” يربط الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، “ما يساعد التكتل في فهم ما يحدث في المنطقة”.

وأوضح فيصل بن فرحان عقب محادثات مع نظيره القبرصي يوانيس كاسوليدس في نيقوسيا في الرابع عشر من الشهر الحالي أن “قبرص تساعد في تركيز الانتباه فعليا على جميع الفرص والتحديات في الشرق الأوسط”.

وصرح الوزير السعودي بأن “البلدين يتفقان على أولوية القانون الدولي، وإذا لم نتفق على أن القانون الدولي هو المرشد الأول لعلاقات الدولة فنحن نهدد الجميع بعدم الاستقرار”. وتابع “أعتقد أنه من المهم أن نقف معا للدفاع عن أولوية القانون الدولي أو سيادة الدولة ورفض التدخل بكل أشكاله”.

إبداء الرياض حرصها على توثيق الروابط مع نيقوسيا يأتي في سياق رغبتها في إيصال رسالة لتركيا

وبدت إشارات الوزير السعودي موجهة بشكل غير مباشر إلى تركيا التي تدعم ما يسمى بـ”جمهورية شمال قبرص التركية” والتي لا يعترف بها المجتمع الدولي.

وكانت قبرص تعرضت لانقسام بعد اجتياح تركيا لشمال الجزيرة، على إثر انقلاب عسكري عام 1974، ويقف النظام التركي حائلا أمام جهود الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة.

ويرى مراقبون أن التصريحات السعودية من شأنها أن تخلق حساسية إضافية بين الرياض وأنقرة، حيث تنظر تركيا إلى المسألة القبرصية على أنها من الخطوط الحمراء التي ليس مسموحا بتجاوزها.

ويشير المراقبون إلى أن إبداء الرياض حرصها على توثيق الروابط مع نيقوسيا كما هو الحال مع أثينا، يأتي في سياق رغبتها في إيصال رسالة لتركيا مفادها “أنا هنا في مجالك الحيوي.. فماذا باستطاعتك القيام به”.

ولا تنحصر هذه الروابط في الجانب الاقتصادي بل وأيضا الدفاعي حيث أجرت السعودية مؤخرا مناورة عسكرية مع اليونان، كما كان رئيس هيئة الأركان السعودية الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرولي ضمن الوفد السعودي الذي رافق الأمير فيصل بن فرحان إلى نيقوسيا.

وبحث رئيس هيئة الأركان السعودية مع نظيره القبرصي ديوكريتوس زيرفاكيس، وأيضا مع مستشار الأمن القومي القبرصي الدكتور كيرياكوس كوروس تعزيز التعاون في المجالين العسكري والأمني.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس” أن الرويلي شدد خلال لقاءاته مع المسؤولين القبارصة على أهمية العلاقات العسكرية بين البلدين الصديقين والتعاون العسكري، والدفاعي المشترك.

ويرجح أن يجري خلال زيارة الرئيس القبرصي إلى السعودية توقيع عدد من الاتفاقيات من بينها ما يتعلق بالمجال الدفاعي.

وكان أناستاسيادس زار السعودية في مطلع يناير 2018 في زيارة هي الأولى لرئيس قبرصي إلى المملكة، وجاءت تلبية لدعوة من الرياض أعلنت عنها نيقوسيا في نوفمبر 2017.

3