السعودية تطوع القواعد التنظيمية لتحفيز الاستثمار في سوق التوريق

الرياض تسعى إلى تأسيس سوقاً تتجاوز في حجمها أسواقاً مماثلة في عدد من الدول الأوروبية.
الجمعة 2025/05/02
لا مكاسب دون الاستفادة من الفرص

يجمع الخبراء على أن قيام السعودية بإعادة صياغة القواعد التنظيمية المتعلقة بسوق التوريق تحرك سيسهم في توليد بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، في سياق مبادرات التحول الرامية إلى تحفيز القطاع المالي وتوسيع دوره في دعم الاقتصاد بأدوات مبتكرة تعزز السيولة.

الرياض - تسعى السعودية إلى تحفيز إصدار الأوراق المالية المدعومة بالأصول والمعروف بـ”التوريق”، في خطوة يُتوقع أن تؤسس سوقاً تتجاوز في حجمها أسواقاً مماثلة في عدد من الدول الأوروبية، وفقا المحللين.

والتوريق عملية يتم فيها تصميم أداة ماليّة قابلة للتسويق وذلك من خلال دمج أو تجميع الأصول الماليّة المختلفة ذات السيولة المنخفضة في مجموعة واحدة ثمَّ بيع هذه الأصول للمستثمرين.

وتوفّر هذه الأداة فرصا للمستثمرين متضمنةً زيادةً في رأس المال ما يعزز السيولة في السوق، ويعد الضمان المدعوم بالرهن العقاريّ أحد الأمثلة النموذجيّة على ذلك.

ومن المتوقع أن يشهد سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول في العالم نموًا بحلول عام 2025، مدفوعًا بالابتكار المالي واهتمام المستثمرين والتعديلات التنظيمية.

وقُدِّر حجم سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول بنحو 1.2 تريليون دولار خلال 2023، ومن المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 8 في المئة بين عامي 2024 و2032.

سامح حسن: هناك فرص ضخمة لتوريق الرهون العقارية والقروض
سامح حسن: هناك فرص ضخمة لتوريق الرهون العقارية والقروض

وانتهت الخميس الماضي المهلة التي حدّدتها هيئة السوق المالية السعودية لاستقبال الملاحظات بشأن مقترحات تعديل القواعد المنظمة للكيانات ذات الأغراض الخاصة.

وتوضح مسودة مشروع التعديل أن الغاية من التعديلات هي “تعزيز جاذبية المنشآت ذات الأغراض الخاصة ككيان قانوني لإصدار أدوات الدين والوحدات الاستثمارية؛ من خلال تحسين حوكمتها، وتطوير إجراءاتها، وتمكين عمليات التوريق.”

وتتيح عمليات التوريق التي تعتزم السعودية اعتمادها تجميع القروض، مثل الرهون العقارية، وبيعها على شكل أدوات مالية شبيهة بالسندات، عادةً عبر كيان ذي غرض خاص (شركة).

ويُنظر إلى هذه التعديلات التنظيمية كعنصر حيوي في بناء سوق توريق متقدم يسهم في رفع كفاءة تخصيص رأس المال وتحقيق الشفافية.

ويقول الخبراء في القطاع إن التعديلات المقترحة على قواعد الكيانات ذات الغرض الخاص تُعدّ خطوة ضرورية لتفعيل استخدامها في صفقات التوريق.

ولم تحدد الهيئة جدولاً زمنياً لدخول التعديلات حيز التنفيذ، لكنها تشمل تعزيز حماية حاملي أدوات الدين، ومعالجة تعارض المصالح

ويمكن أن يشكل ازدهار سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول في السعودية أداة فعالة للبنوك لتحرير ميزانياتها، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى ضمن رؤية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

كما يفتح هذا السوق الباب أمام شركات التكنولوجيا المالية الناشئة للحصول على التمويلات للتوسع وسد الفجوات التي تعجز البنوك الكبرى عن تلبيتها، خصوصاً في مجال تمويل المستهلكين.

وأكد سامح حسن المستشار الأول في شركة إنترموني التابعة لمجموعة غروبو سي.آي.أم.دي المتخصصة في التوريق أن هناك فرصا ضخمة في السعودية لتوريق الرهون العقارية وقروض المستهلكين والشركات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى تدفقات الإيرادات.

وأشار حسن لوكالة بلومبيرغ إلى أن السعودية قد تتحول إلى مصدر رئيسي لصفقات التوريق، بما يفوق بعض الدول الأوروبية الكبرى. وقال “إذا جرى تنفيذ الخطط بالشكل المناسب، فلا يوجد ما يمنع السعودية من أن تتفوق بفارق كبير على عدة أسواق.”

وبلغ حجم الأوراق المالية المدعومة بالأصول المطروحة في السوق العامة بإسبانيا نحو 8 مليارات يورو (9.1 مليار دولار) خلال العام الماضي، وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرغ.

وبالإضافة إلى التعديلات المقترحة من قبل هيئة السوق المالية، تعتزم الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، التابعة لصندوق الثروة تطوير سوق التوريق فور إقرار الأنظمة اللازمة، في دور شبيه بما تقوم به شركة فاني ماي الأميركية.

وسجّلت سوق الدين السعودية نمواً متسارعاً خلال السنوات العشر الماضية، بالتزامن مع تطور البنية التحتية المالية في البلاد.

سليم ناثو: الشركات مرشحة لتبني نموذج التوريق لطبيعة أنشطتها
سليم ناثو: الشركات مرشحة لتبني نموذج التوريق لطبيعة أنشطتها

وارتفع حجم الإصدارات العامة من السندات والقروض من مستويات شبه معدومة عام 2012 إلى نحو 84 مليار دولار في عام 2024.

ويتوقع خبراء السوق طفرة مماثلة في قطاع التوريق، مدفوعة بالحاجة التمويلية المتزايدة للمقرضين السعوديين، في ظل توجه البنوك الكبرى نحو تمويل المشاريع الضخمة.

وقال سليم ناثو الشريك في شركة المحاماة أي آند آو شيرمان “يمثل التوريق فرصة هائلة في المملكة. فمع تركيز البنوك بشكل متزايد على تمويل المشاريع العملاقة، تراجع الاهتمام بتمويل الأفراد، ما يولّد فجوة يمكن لسوق التوريق أن تسدّها.”

وتسعى شركات تكنولوجيا مالية عدة إلى دخول السوق السعودية لطرح خيارات تمويل مبتكرة، تشمل قروض السيارات وخدمات “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” والقروض الاستهلاكية غير المضمونة.

ويرى ناثو أن هذه الشركات مرشحة بشكل مثالي لتبني نموذج التوريق، نظراً إلى طبيعة أنشطتها القائمة على تدفقات نقدية متكررة.

وتتمتع شركات مثل تابي وتمارا بحضور قوي في السوق السعودية، حيث أبرمت كل منهما صفقات تمويل ضخمة بالديون لدعم عملياتها، في وقت لجأت فيه شركات أخرى إلى تمويل مشاريعها من خلال بيع الأسهم.

لكن حسن يعتقد أن التوريق قد يشكّل بديلاً أكثر جاذبية، قائلا “حتى الآن، اعتمدت الشركات في الغالب على التمويل من خلال بيع الأسهم.”

وأضاف “في رأيي، تتماشى هياكل التوريق بدرجة أكبر مع المبادئ الإسلامية، لأن التدفقات النقدية فيها تستند إلى معاملات ترتبط بأصول محددة، بدلاً من الاعتماد على الوقت كمحدد للعوائد.”

10