السعودية تطمح إلى حيازة حصة في السياحة العالمية الفاخرة

تسعى السعودية إلى وضع السائح النوعي نصب عينيها من خلال إعلانها عن الوجهات الفاخرة في محاولة لاقتطاع حصة من السوق النامية عالميا، خاصة مع تتالي المشاريع التي يتم إطلاقها لتطوير العشرات من الجزر والمنتجعات على البحر الأحمر.
الرياض - سلط مشروع إيبكون الشاطئي، الذي كشفت عن ملامحه السعودية الأسبوع الحالي، وهو أحدث استثمار في مجال الوجهات الفاخرة، المزيد من الضوء على الإستراتيجية التي تعتمدها الحكومة في إطار تنمية صناعة السياحة.
وأطلقت نيوم الأربعاء وجهتها السياحية الجديدة على خليج العقبة تحت اسم “إيبكون”، وتضم فندقا فائق الفخامة ومنتجعا يحتويان على 41 شقة سياحية فائقة الفخامة، ومساكن فاخرة تشمل 14 جناحا وشقة، إضافة إلى 120 غرفة و45 فيلا سكنية مطلّة على الشاطئ.
ويعد المشروع استكمالا لبرامج واعدة طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ إعلان رؤية 2030، إذ أطلق في 2017 مشروع البحر الأحمر كوجهة سياحية عالمية، وهو ما أعطى لمحة مقتضبة عن آفاق الدخول إلى القطاع.
وبعد ست سنوات من الإعلان بدأت ملامح السياسة بالتكشف مع إطلاق العديد من الوجهات الجديدة على شاطئ البحر الأحمر. ووفقا لما تعلنه السعودية، فإن المفهوم بات أقرب إلى الدمج بين السياحة الشاطئية والسياحة الفاخرة.
ويمتلك البلد مئات الجزر غير المستغلة في البحر الأحمر وتعمل الحكومة على تطوير العديد منها في الوقت الحالي.
ومشروع إيبكون ليس الوجهة الفاخرة الوحيدة لنيوم، فقد سبق وأعلنت عن جزيرة سندالة، والتي أعلن منها ولي العهد السعودي عن هدف لتطوير 50 في المئة من الجزر، وعددها 1150، مشيرا إلى وجود 22 جزيرة قيد التطوير.
وتتوقع الحكومة أن تجذب سندالة التي تضم ثلاثة فنادق فاخرة لديها 333 شقة فندقية و88 فيلا، بالإضافة إلى ناد لليخوت و86 رصيفا بحريا، نحو 2400 زائر يوميا بحلول 2028.
وعلى بعد 350 كيلومترا إلى الجنوب، تعمل شركة البحر الأحمر أيضا على مشاريع سياحية فاخرة، خاصة في جزر شيبارة وشورى وأمالا.
وقال رئيس مجموعة الاستثمارات والشؤون القانونية بالشركة غريغ جيريجيان إن “منطقة البحر الأحمر بدأت فعليا باستقبال السياح، بعدما وصلت أول رحلة إلى مطار البحر الأحمر في سبتمبر الماضي”.
وأشار جيريجيان في مقابلة مع اقتصاد الشرق من بلومبرغ إلى فتح فندقين في المنطقة حاليا، وفي وقت قريب سيتم فتح الفندق الثالث.
ويعتبر سيكس سينس ساوثيرن ديونز البحر الأحمر، والذي لديه 76 عقارا من بينها 40 فيلا، كما يتضمن مجمعا فندقيا مكونا من 36 غرفة تطل على منظر صحراوي، أول المنتجعات التي بدأت باستقبال السياح.
أما المنتجع الثاني فهو سانت ريجيس البحر الأحمر، الذي يضم 90 عقارا، وفقا لجيريجيان، الذي أكد أن منتجع محمية الريتز – كارلتون والذي يضم 82 عقارا سيفتتح قريبا.
وأكد اكتمال 60 في المئة من مشروع ديزيرت روك الذي يوفر 50 فيلا وعشر غرف فندقية، وأما في جزيرة شيبارة فتم تركيب الفيلات العائمة وعددها 38، إضافة إلى تركيب 15 فيلا شاطئية.
ويرى خبراء أن السياحة الفاخرة مرتبطة بشكل كبير بالاستثمار، لذا فإن أبرز التساؤلات تُطرح بشأن الإطار القانوني الذي سيميز هذه المناطق.
ويقول جيريجيان إن رؤية 2030 أرست الكثير من الإصلاحات. وأكد أن الإطار الاجتماعي اللازم للزوار الدوليين ليشعروا بالراحة والترحيب موجود إلى حد كبير.
وأضاف “يجري الآن إنشاء هيئة مخصصة للإشراف على البحر الأحمر، من خلال بيئة تنظيمية مخصصة ومعززة، وستضع معايير التجديد وتراقبها، وتمكن من خلق بيئة تنافسية للأعمال والسياحة”.
أما بخصوص تملّك العقارات، وهو أمر مهم لجذب المستثمرين في بلد يسمح للأجانب بالتملك وفق شروط محددة، فقال جيريجيان إن السعودية تخطط لتخفيف قوانين كجزء من أهدافها الإستراتيجية “مما يجعل شراء عقاراتنا في متناول السوق الدولية بشكل متزايد”.
وتراهن السعودية على الاستفادة من النمو المرتقب في مجال السياحة الفاخرة التي قدرت قيمتها في 2021 بنحو 1.28 تريليون دولار.
ووفقا لتقرير أصدرته مؤخرا شركة الأبحاث غراند فيو، فمن المتوقع أن ينمو المجال بمعدل سنوي يبلغ 7.6 في المئة حتى 2030.
وسيكون النمو مدعوما من المسافرين النخبويين الذين يبحثون عن وجهات غير مستكشفة، حيث تشير فيو إلى أن هؤلاء يميلون إلى الحصول على تجارب فريدة وشخصية للغاية.
وكشف الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة الهيئة السعودية للسياحة فهد حميدالدين في مقابلة مع إذاعة “ثمانية” أن بلاده تركز على السائح “النوعي”، مشيرا إلى أن “الإنفاق هو المعيار الحقيقي للنجاح”.
وأوضح أن إنفاق السياح من الداخل والخارج بلغ عام 2018 نحو 44 مليار دولار، لافتا إلى أن الرقم يشمل الإنفاق المتأتي من الحج. أما المستهدف بحلول نهاية العقد الحالي، فهو الوصول إلى 150 مليار دولار، ما يعني مضاعفته ثلاث مرات.
وأشار حميدالدين إلى أن الزيادة المطلوبة كانت من خمسين مليون زيارة إلى مئة مليون، وفي وقت لاحق رفعت السعودية مستهدفاتها من عدد الزيارات إلى 150 مليونا بحلول 2030.
وقال إن “النجاح لا يتمثل في جذب العدد فحسب، وإنما تغيير الفئة المستهدفة ومعدل الإنفاق ونوع السائح وغرض الزيارة”. ويطرح العمل على سياحة الجزر تساؤلين بشأن نجاح السعودية في مهمتها في ظل وجود الكثير من الوجهات الرائدة في المجال، وأيضا ما إذا كانت تخطط لأن تكون “مالديف جديدة”.
ولخص حميدالدين ذلك بالقول إن بلاده “لديها ثلاثة مقومات تميّزها عن الوجهات الأخرى، الأول هو التنوع الجغرافي، على غرار شاطئ البحر الأحمر الذي يمتد على 1700 كيلومتر ويضم أندر الشعب المرجانية في العالم، والاستفادة من الأخطاء العالمية.
وكان الأمير محمد قد قال سابقا إنه “لا يعتقد أن أي سائح سيأتي إلى وجهة مستنسخة”، لذا فإن بلاده تريد أن تقدم “شيئا جديدا”، لكي يندفع السائح للاطلاع على الثقافة المختلفة في البحر الأحمر.
ولفت خلال إحدى المقابلات التي أجريت معه عام 2021 إلى أن المشاريع قسمت إلى فئتين رئيسيتين، أولاها تستلهم مشاريع أصلية قائمة على طراز معماري محلي من تبوك أو جازان مثلا، أو على طراز مبتكر يحاكي تميز البحر الأحمر وفرادته.