السعودية تسعى للتحول إلى مركز لتصنيع الرقائق

انتقلت طموحات السعودية إلى حدود جديدة بعدما أظهرت إصرارا على بناء نواة لتطوير الرقائق والتحول تدريجيا إلى مركز إقليمي لتصنيعها عبر تخصيص التمويل والأرضية اللازمة لتطوير المهارات وجذب استثمارات خارجية من شركات وازنة في القطاع.
الرياض - تأخذ السعودية التنويع الاقتصادي بجدية، وتدرس حكومتها فرص نمو جديدة في قطاعات أخرى تشمل أشباه الموصلات، مع ارتفاع العجز عن التنبؤ بأسعار النفط الخارجة وعن سيطرة سياساتها في مجال الطاقة.
وتبذل السلطات جهودا للحاق بهذه الصناعة والحصول على دور إقليمي وعالمي فيها مع اشتداد حدة التنافس على الاستحواذ على سوق الرقائق الإلكترونية.
وانطلقت خلال الأسبوع الحالي النسخة الثالثة من منتدى مستقبل أشباه الموصلات السعودي تحت عنوان "تمكين ابتكارات السيليكون، وتهدف فعالياته إلى الترويج للبلاد باعتبارها وجهة لتصنيع الرقائق ومساعدتها على بناء اقتصادها الرقمي".
وشهد اليوم الأول من المنتدى، الذي تنظمه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست)، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، الإعلان عن عدة مبادرات تتعلق بتنمية الكوادر المحلية في هذا المجال الإستراتيجي، وتحقيق تأثيرات تحولية في الشرق الأوسط.
وأعلنت السعودية خلال الحدث عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة حوالي مليار ريال (266 مليون دولار) لدعم الشركات، التي تختار إنشاء متجر في السوق المحلية.
وقال توني تشان، رئيس جامعة كاوست لتلفزيون وكالة الأنباء السعودية الرسمية، إن “أشباه الموصلات مهمة للغاية للعالم وبالأخص للمملكة فهي المحرك الجديد الذي يدفع حياتنا ويقود الاقتصاد، ومن المهم للدول أن تستثمر في ذلك إما مستهلكا ذكيا أو منتجا لها".
ويهدف المركز الوطني لأشباه الموصلات في السعودية إلى جذب 50 صانع نشط إلى السعودية بحلول نهاية العقد الحالي مع التركيز على الرقائق الإلكترونية البسيطة، بدلا من التقنيات المتطورة التي اعتبرتها وكالة بلومببرغ حساسة سياسيا.
كما سيتيح المركز أكثر من 40 مليون دولار من منتجات الدعم المختلفة المقدمة من البرنامج لتنمية تقنية المعلومات للشركات في هذا التجمع.
وصرّح نافيد شيرواني، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة رابيد سيليكون، لبلومبيرغ “نحن لا نحاول استبدال إنفيديا أو تحدي إنتل. نتطلع إلى بداية متواضعة ولكن صلبة، وبمجرد أن نبني القاعدة يمكننا أن نتحدث".
وتشير التقديرات إلى أن إيرادات أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم بلغت حوالي 661 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهي مرشحة للارتفاع في حال ترجمت فرص الاستثمار المتاحة.
وتعدّ التكنولوجيا الرقمية محور تركيز برنامج رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان. وتشمل خطط البرنامج مشروع المدينة الذكية المستقبلي نيوم الذي يضم بدوره مشروع ذا لاين (مشروع الخط).
وفي حين قد يكلّف مشروع ذا لاين ما يصل إلى تريليون دولار مع جهود التنويع الأخرى في البلد الخليجي، تحددت قيمة نيوم وحدها بمبلغ نصف تريليون دولار.
وكانت السعودية قد أطلقت مطلع 2022 برنامجا، هو الأول من نوعه في المنطقة، يستهدف توطين تكنولوجيا صناعة الرقائق، التي تعول عليها العديد من الصناعات الحديثة، وفي مقدّمتها السيارات الكهربائية.
◙ 266 مليون دولار قيمة صندوق استثماري سعودي جديد سيدعم الأعمال في الرقائق
وفي مارس الماضي، تلقّت خطط توطين صناعة الرقائق في السعودية دعما عندما وقّعت كاكست ثلاث شراكات إستراتيجية مع كل من سنس تايم الشرق الأوسط وأفريقيا لتقنية أنظمة المعلومات، وسي.دي.تي الدولية المحدودة وستالرويف التقنية لتصميم الرقائق.
كما تستثمر أرامكو في التكنولوجيا الرقمية. وذكر تقرير غلوبال داتا أنها أنفقت 3.5 مليار دولار على البحث والتطوير في 2023، وأنها كانت نشطة في 250 مجالا في الابتكار بما يشمل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والروبوتات والسيارات الكهربائية.
ويضيف عملاق النفط السعودي، الذي يتوقع جمع نحو 12 مليار دولار من طرح ثان من أسهم في البورصة المحلية "تداول" اليوم الشرائح الإلكترونية إلى هذا المزيج.
وأنشأ صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة) خلال السنة الحالية شركة آلات، برأس مال قدره 100 مليار دولار. وقالت بلومبيرغ إن "المشروع يهدف إلى بناء مراكز تصنيع لجذب شركات تصميم الرقائق الإلكترونية".
وينفق الصندوق، البالغ حجم أصوله نحو 940 مليار دولار، بالفعل الأموال التي خصصتها الدولة لتعزيز المصالح السعودية في التكنولوجيا الرقمية. وأبرمت شركة آلات خلال السنة الحالية صفقة شراكة إستراتيجية مع مؤسسة لينوفو الصينية.
وأكدت المجموعة الصينية أنها ستصدر سندات قابلة للتحويل دون عائد بقيمة ملياري دولار لشركة آلات. لكن ذلك قد يفرز مشاكل مع الولايات المتحدة.
وذكرت بلومبيرغ أن واشنطن حذرت الرياض من أنه سيتعين عليها الاختيار بين الرقائق الصينية والرقائق الأميركية. وجاء في تقرير للوكالة أن مدير آلات قال إن الشركة ستتخلى عن الصين إذا طلبت منها الولايات المتحدة ذلك.
ولكن تشارلز كينيدي المحرر في منصة أويل برايس الأميركية يقول إن الأمور لم تبلغ هذا السيناريو حتى الآن، حيث تضمن إعلان لينوفو أخبار الشركة الصينية التي تخطط لإنشاء مكتب في السعودية.
وقال أميت ميدا، الرئيس التنفيذي العالمي لشركة آلات، حسب تقرير نشرته منصة تيكنود الأسبوع الماضي "مع تأسيس لينوفو لمقرها الإقليمي في الرياض وقاعدة تصنيع الطاقة النظيفة في السعودية، نتوقع أن يتسارع نموها في الشرق الأوسط وأفريقيا".
ومن المقرر أن تخصص الشركة الصينية حوالي 92 مليار دولار أخرى للاستثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة. وذكرت منصة وايا الإقليمية في فبراير الماضي أن بعض الأموال ستُضخ في بناء مصنع للروبوتات الصناعية بقيمة 150 مليون دولار.
وأشار تقرير وايا إلى أن آلات تتطلع إلى استثمارات في قدرات البحث والتطوير للحد من الانبعاثات، إضافة إلى التنقل الذكي وحلول المدن الذكية. ومن بين الشركاء الأوائل مجموعة سوفت بنك، وشركة كاريير الأميركية، وداهوا تكنولوجي الصينية، وشركة تحكّم المحلية التي تطور تكنولوجيا التنقل الذكي.
وتحاول السعودية أن تحقق في التكنولوجيا الرقمية ما حققته دولة الإمارات في مجال العقارات. وقال كينيدي "قد يكون سعيها للتنويع متأخرا بعض الشيء". ولكن الخبير يعتقد أن ذلك قد يحدث إذا نجح في تحقيق التوازن بين بكين وواشنطن، مما سيعزز مرونة مواجهة أسعار النفط على المدى الطويل.