السعودية تستضيف وترأس الدورة الموسعة الـ45 للجنة التراث العالمي

تواصل المملكة العربية السعودية اهتمامها بالتراث نظرا إلى ما تزخر به من إرث ثقافي عريق يعود إلى الآلاف من السنين ويرقى إلى تراث إنساني، فهي توليه العناية الكبيرة، وتخرج به من القوالب الجامدة للتعامل مع التراث إلى أساليب مبتكرة في تكامل بين مختلف الأجيال لترسيخ رسائل هذا الإرث الثقافي والتاريخي، وهو ما جعل السعودية ترأس الدورة الموسعة الـ45 للجنة التراث العالمي التابعة لـ”اليونسكو”.
الرياض - انطلقت الأحد أولى أعمال استضافة السعودية للدورة الموسعة الـ45 للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” الحضورية، والتي تشمل الأحداث والمنتديات المصاحبة لها، وذلك بافتتاح أعمال منتدى المهنيين الشباب في مجال التراث العالمي.
وبدأت أعمال الاستضافة بعد اعتماد المملكة لرئاسة اللجنة في الدورة السابقة، وذلك تتويجًا للجهود الاستثنائية التي تبذلها المملكة في حفظ التراث العالمي تحت مظلة اليونسكو، وذلك امتدادًا للدعم الكبير الذي أسندته لمجال الثقافة والتراث.
تراث عالمي
عقدت الأحد أولى جلسات منتدى المهنيين الشباب في مجال التراث العالمي الذي يُعنى بترسيخ وتعزيز دور الشباب في مجال حفظ التراث العالمي وتزويدهم بما يقوّي إمكانياتهم ويصقل مواهبهم، على أن تبدأ أعمال منتدى مدراء مواقع التراث العالمي الخامس الأحد المقبل، والذي سيوفر منصةً مميزة لمدراء مواقع التراث العالمي لعرض مقترحاتهم ومرئياتهم حول مجال حفظ التراث، إضافةً إلى مناقشة سبل التحديات الواردة في هذا المجال طوال فترة انعقاده التي تنتهي يوم الاثنين الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري.
وتختص لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو في اتخاذ القرارات المتعلقة بإضافة المواقع التراثية المُقترحة إلى قائمة التراث العالمي، وتقييم حالات المواقع المُدرجة واستقبال التقارير والمقترحات المقدمة من قِبل مدراء مواقع التراث العالمي، سعيًا لرفع جودة أعمال حفظ التراث ومواجهة التحديات.
وستدرس اللجنة في اجتماعها مقترحات إدراج 50 موقعًا إلى قائمة التراث العالمي، منها 37 موقعًا ثقافيًا، 12 موقعًا طبيعية، وموقعان متعددا الأهمية، إلى جانب مناقشة 5 تعديلات على حدود المواقع التراثية جذريًا، وتضم قائمة التراث العالمي 1157 موقعًا تراثيًا منتشرة في 167 دولة حول العالم، مقسمةً ما بين مواقع طبيعية مثل الغابات والواحات، ومواقع من صنع الإنسان كالقرى والقصور ذات الأهمية الثقافية والتراثية، ومواقع تجمع بين الاثنين.
اللجنة ستدرس مقترحات إدراج 50 موقعا في قائمة التراث العالمي وتناقش تعديلات على حدود المواقع التراثية
وتضم المملكة ستة مواقع تراثية مسجّلة في قائمة التراث العالمي، وهي مدائن صالح وهي مدينة الحجر، وتقع في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، التي أعلنتها اليونسكو عام 2008 موقعا تراثيا عالميا، كما نجد حي الطريف في الدرعية وهو الموقع التراثي السعودي الثاني في قائمة التراث العالمي التي انضم إليها في عام 2010، ويحمل حي الطريف الذي أسس في القرن الـ15 آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية.
ثالث المواقع التراثية السعودية جدة التاريخية، وقد جاءت موافقة لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو باعتماد منطقة جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي في عام 2014، لاحتلال مدينة جدة التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام، مكانة مهمة عبر الحضارات المختلفة، والتي شهدت في بدايات العصر الإسلامي نقطة تحول كبيرة عندما اتخذها الخليفة عثمان بن عفان ميناء لمكة المكرمة.
كما ضمت القائمة الرسوم الصخرية في حائل التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وتتميز رسومها الصخرية بانتشارها على واجهات الجبال الموجودة في جميع أنحاء المنطقة، ونجد كذلك على قائمة التراث العالمي واحة الأحساء وهي من أكبر وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم من خلال أكثر من 3 ملايين نخلة منتجة لأجود التمور.
وانضمت آبار حمى إلى قائمة التراث العالمي نظرا إلى أنها من أهم المواقع الأثرية في نجران، وهو طريق يمتد بين 6 آبار صخرية، والذي كانت تمر من خلاله القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلي شمالها للتزود بالماء خلال السفر، وهي من أهم مواقع الرسوم الصخرية، ويوجد بها أكثر من 13 موقعا يحتوي على رسوم لمناظر رعي وصيد، ورسوم لأشكال آدمية رسمت بأكبر من الحجم الطبيعي، يلبسون فيها غطاء على الرأس، ويرتدون عقودا ويمسكون الأسلحة، وهناك رسوم لسكاكين وأنصال، ورسوم لرقصات مع آلات موسيقية وغيرها.
إنجاز عالمي

سيزور المشاركون في أعمال اللجنة ثلاثة مواقع من المواقع السعودية الستة، وهي: حي الطريف التاريخي في الدرعية، وواحة الأحساء بمدينة الأحساء – شرق المملكة، وموقع الحِجر في محافظة العُلا.
وقطعت السعودية شوطا كبيرا في حماية إرثها الثقافي وترميمه، حيث نجحت في استغلال التطور التكنولوجي المتسارع، وأجادت توظيفه في خدمة الثقافة والتراث، وذلك بفضل خطط ومحاور رؤية المملكة 2030، وهي الرؤية التي ألقت بظلال إيجابية على مختلف قطاعات الدولة السعودية، بما في ذلك القطاع الثقافي بوجه عام، والتراث وما يتصل به من خرائط ومخطوطات وكتب.
وتسعى الجهات ذات الاختصاص في السعودية إلى الحفاظ على الثراء التاريخي والتراثي، وتسجيل المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي (اليونيسكو)، وإبرازها للعالم، إذ تتميز بقيمتها التاريخية والتراثية التي جعلتها تتأهل لتكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي متميز على مستوى العالم.
يذكر أن لجنة التراث العالمي قد تأسست في عام 1972 بعد توقيع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لاتفاقية التراث العالمي التي تُحدد أطر العمل، ومعالم الجهود الدولية في حفظ تراث الإنسانية، وتتكون هذه اللجنة من ممثلي 21 دولة من أصل 194 دولة حول العالم صدّقت على اتفاقية التراث العالمي.
وتعد رئاسة واستضافة السعودية لأعمال اللجنة والأحداث المصاحبة لها إنجازًا عالميًا نوعيًا يتوج جهودًا حثيثة بذلتها وزارة الثقافة، ممثلة باللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وهيئة التراث.
وتسلط هذه الاستضافة الضوء على الجذور الحضارية العميقة للمواقع التراثية السعودية، والجهود المتواصلة الرامية لتحويل الثقافة كنمط حياة وتعزيز البعد الحضاري للثقافة السعودية وطنيًا وعالميًا، نحو تحقيق مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة رؤية السعودية 2030.