السعودية تستثمر نفطيا في التوترات الجيوسياسية بين روسيا وبولندا

بولندا تسعى لتخفيف تبعيتها الطاقية لروسيا وهو ما تعمل السعودية على استثماره في سياق التنافس المحتدم بينها وبين موسكو على أسواق النفط.
الأربعاء 2022/01/19
السعودية في الحديقة الخلفية لروسيا

الرياض- تعتزم السعودية شراء مصفاة نفط رئيسية ببولندا، في خطوة ستجعل من المملكة مسؤولة عن توريد ثلثي إمدادات النفط البولندية، ما يقلص نفوذ المورد الرئيسي السابق روسيا التي لطالما وظفت هذه الورقة في صراعاتها الجيوسياسية مع بولندا وغيرها من الدول الأوروبية.

وتسعى بولندا منذ فترة طويلة لتقليص اعتمادها على واردات الطاقة الروسية من خلال إبرام صفقات مع موردين آخرين، وتنامى عزمها على ذلك مع تصاعد التوترات بين البلدين.

ونشبت خلافات بين موسكو ووارسو في الأشهر الأخيرة بشأن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، بالإضافة إلى أزمة المهاجرين التي تشمل دولة مجاورة أخرى هي روسيا البيضاء.

وعمقت التهديدات الروسية باجتياح أوكرانيا التوتر بين البلدين حيث تخشى بولندا، التي سبق وأن تعرضت لغزو روسي في عهد الاتحاد السوفييتي، أن تواجه مستقبلا التهديدات ذاتها.

◙ من المتوقع أن تورد روسيا هذا الشهر 120 ألف برميل عبر دروزبا بالمقارنة مع 220 ألف برميل في يناير 2021

وأعلنت مينسك الاثنين الماضي وصول قوات ومعدات عسكرية روسية إلى روسيا البيضاء لإجراء تدريبات مشتركة تبدأ في فبراير، وستجرى هذه التدريبات بالقرب من الحدود الغربية للبلاد، وعلى الحدود مع بولندا وليتوانيا، عضوي حلف شمال الأطلسي، وعلى الحدود الجنوبية مع أوكرانيا.

وفي الأسبوع الماضي حذّر وزير خارجية بولندا زبيجنيف راو، في كلمة أمام المنتدى الأمني الذي يضم 57 دولة، من “أن خطر الحرب في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الآن أكبر من أي خطر برز خلال الثلاثين سنة الماضية”.

وعلى ضوء التوترات المتصاعدة تسعى بولندا كما باقي دول البلطيق لتخفيف تبعيتها الطاقية لروسيا. وتعمل السعودية، أكبر منتج للنفط داخل منظمة أوبك، على استثمار هذا الوضع في سياق التنافس المحتدم بينها وبين روسيا على أسواق النفط.

وساءت الأحوال بين بولندا وروسيا بالفعل بسبب إمدادات النفط في أوائل العام 2021 عندما اضطرت بولندا إلى خفض مشترياتها من النفط الروسي بسبب خلاف على الأسعار بين شركة روسنفت الروسية وشركة بي.كيه.إن أورلين البولندية.

وأعلنت شركة أرامكو السعودية الحكومية الأربعاء الماضي أنها اتفقت على شراء حصة تبلغ ثلاثين بالمئة في ثاني أكبر مصفاة نفط بولندية وعلى زيادة إمداداتها من النفط لشركة النفط البولندية الحكومية بي.كيه.إن أورلين إلى ما بين 200 ألف و337 ألف برميل يوميا.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمصفاة جدانسك 210 آلاف برميل يوميا، وهي ثاني أكبر مصفاة بعد مصفاة بلوك الحكومية البولندية التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 270 ألف برميل يوميا.

وقالت شركة بي.كيه.إن أورلين “نقدر علاقات العمل التي تجمعنا سواء بالشركاء الروس أو غيرهم من موردي النفط لمصافينا”، وأضافت أنها لا تعتزم “وقف العمل مع الشركاء الروس” في حين رفضت الكشف عن تفاصيل عقودها التجارية.

ولم ترد وزارة الطاقة الروسية أو شركة ترانسنفت محتكرة خطوط الأنابيب في روسيا أو روسنفت على الصفقة المحتملة.
وتعد بولندا من أهم الدول المستهلكة للنفط في منطقة البلطيق وتملك شركتها بي.كيه.إن أورلين حصصا في مصاف بليتوانيا وجمهورية التشيك، وهما مشتريتان كذلك لخام أورال الروسي.

وفي حال إتمام الصفقة ستزيد أرامكو إمداداتها من النفط لبولندا بما يتراوح بين ثلاث وخمس مرات، وقد تلبي ما بين 50 بالمئة و70 بالمئة من احتياجات بولندا من الخام.

وقال فيكتور كاتونا من شركة الاستشارات المستقلة جيه.بي.سي إنرجي لوكالة رويترز إن الخام السعودي المر (الذي يحتوى على نسبة عالية من الكبريت) مناسب فنيا للمصافي البولندية المصممة لتكرير خام أورال الروسي المر أيضا لكن لوجستيات الشحن إلى المنطقة قد تزيد التكلفة بالمقارنة مع الشحنات الروسية للبلطيق.

وتابع كاتونا “هدف بولندا المتمثل في الاستقلال عن الإمدادات الروسية دافعه سياسي بالأساس”، مضيفا أن أي خفض في المشتريات من السوق الفورية ومن منافذ السوق سيضر بمصالح مصدري النفط الروس.

◙ الصفقة السعودية مهمة جدّا لبولندا لكن من المستبعد أن يكون لها أثر على السياسات داخل مجموعة أوبك+

ومضى كوتانا يقول إن السعودية تورد بالفعل نحو 90 ألف برميل يوميا من الخام عن طريق البحر لمصفاة جدانسك بالمقارنة مع 142 ألف برميل يوميا من خام أورال الروسي الذي يشحن عبر المسار نفسه.

وارتفعت واردات بولندا المشحونة بحرا، والتي تشمل كذلك خامات بحر الشمال وغرب أفريقيا، مع تراجع الكميات التي تضخ عبر خط أنابيب دروزبا الذي يرجع إلى عهد الاتحاد السوفييتي السابق فيما يعكس المشكلات السياسية والفنية كذلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة.

ومن المتوقع أن تورد روسيا هذا الشهر 120 ألف برميل عبر دروزبا بالمقارنة مع 220 ألف برميل في يناير 2021، وفقا لمصدرين من قطاع النفط وبيانات إيكون، وذلك بالمقارنة مع 500 ألف برميل يوميا في منتصف العقد الأول من الألفية.

وقال مصدران مقربان من الصفقة السعودية إنها مهمة جدا لبولندا لكن من المستبعد أن يكون لها أثر على السياسات داخل مجموعة أوبك+ التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك وحلفاء أبرزهم روسيا.

وأوضح أحد المصدرين أنه رغم اتفاق روسيا والسعودية على ضرورة دعم الأسعار من خلال اتفاقات الإنتاج إلا أنهما معتادتان على التنافس على حصة السوق حتى أن بإمكانهما تقديم دروس إلى الغرب في الإدارة العملية للعلاقات القائمة على المنافسة.

3