السعودية تزيد الإنفاق على التنويع على حساب النفط

تتزايد تأكيدات المحللين بأن الحكومة السعودية ستتخذ مسارا أسرع خلال السنوات الثلاث المقبلة في تنويع مصادر الدخل، عبر توجيه الجزء الأكبر من الإنفاق الاستثماري إلى القطاعات الجديدة التي تعول عليها لتجسيد رؤية 2030 على حساب صناعة النفط.
الرياض - تعكف السعودية على تحويل تركيزها إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستثمارية في رد صريح على الانتقادات التي تروج لها بعض الجهات الخارجية، بأن برامج الإصلاح لن تحقق أهدافها كما هو مخطط له.
ورجح بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس في تقييمات حديثة تم الكشف عنها الجمعة أن تنفق السعودية أموالا أقل في قطاع النفط مما كان متوقعا، ضمن هدفها لإنفاق تريليون دولار على القطاعات الإستراتيجية مع نهاية هذا العقد.
وستوجه الحكومة معظم أرصدتها أو 73 في المئة من إجمالي الاستثمارات، إلى القطاعات غير النفطية حتى 2030، وفقا لمحللي البنك، الذين عدلوا عن تقديراتهم السابقة بتوجيه 66 في المئة من الاستثمارات إلى تلك القطاعات.
ولا تترك هذه الزيادة في الأموال المخصصة للاستثمارات غير النفطية سوى ربع الأموال المتبقية للقطاعات النفطية، وسط تركيز الدولة على الصناعات التي تساعدها على تنويع الاقتصاد، ومن بينها المعادن والنقل والخدمات اللوجستية ونشاط الرقمنة.
وفتحت السعودية اقتصادها على مجالات جديدة منذ 2016، في إطار خطة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالاستثمار في مجالات مثل السياحة والرياضة وغيرهما وإعادة رسم صورة البلاد.
ومن بين الأهداف الكبرى في رؤية 2030 خفض الاعتماد على مبيعات النفط الخام. ومنذ إطلاقها شهد العالم الكثير من التغييرات على غرار الحرب التجارية الأميركية – الصينية، وغزو روسيا لأوكرانيا وتبعاته على اقتصاد العالم ودول المنطقة.
لكن الحدث الأبرز كان الوباء، الذي أوقف عجلات الاقتصاد العالمي لعامين، وأوصل أسعار النفط إلى مستويات قياسية منخفضة، قبل أن تصعد بشكل صاروخي بعد الحرب في شرق أوروبا ولا تزال الدول تشهد تبعاتها بفعل أسعار الفائدة المرتفعة.
كما شهدت هذه الفترة تخفيضات إنتاج النفط من تحالف أوبك+ والتي مازالت سارية بهدف الحفاظ على استقرار السوق. ولأن السعودية تقود هذه التخفيضات، فإنها تطمح لأن تحافظ على الأسعار مرتفعة بما يحقق لها المزيد من العوائد لتنفيذ مشاريع الرؤية.
وشكل التقرير السنوي، الذي رصد منجزات الرؤية خلال العام الماضي والصادر في أبريل الماضي، ردا على التقارير التي اعتبرت أن البلد الخليجي يتعثر في ترجمة خطط التنويع على الأرض، بعدما غلبت المؤشرات الإيجابية على معظم المبادرات.
وكانت وكالة بلومبيرغ قد شككت في جدوى إستراتيجية السعودية، وخاصة الاستثمار بعدما تحدثت عن مشاكل عملية وتمويلية تواجه بعضا من أهم خططها وهو مشروع نيوم العملاق بقيمة نصف تريليون دولار.
ويقول فيصل العظمة، رئيس بحوث الأسهم بمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا (سيميا) لدى غولدمان ساكس، إن "من المرجح أن ينخفض الإنفاق الرأسمالي في قطاع النفط بقيمة 40 مليار دولار من الآن حتى عام 2028".
لكنه أشار في مذكرة إلى أن الغاز الطبيعي سيظل "مساهما رئيسيا في جهود إزالة الكربون والتنمية الاقتصادية وخطط تنويع الاقتصاد في البلاد"، وفق ما نقلته عنه بلومبيرغ.
◙ 1.7 في المئة نمو الاقتصاد في 2024 وفق صندوق النقد على أن يبلغ 4.7 في المئة خلال 2025
وتحوم أسعار خام برنت حاليا حول مستوى 80 دولارا للبرميل، ومع انخفاض إنتاج النفط في السعودية إلى حوالي 9 ملايين برميل يوميا، يرى البعض أن الحكومة في أكبر اقتصاد عربي تواجه خطر زيادة العجز في الموازنة العامة.
وانخفضت إيرادات الحكومة من النفط بنحو الثلث عن مستويات العام 2022، عندما بلغ متوسط أسعار الخام ما يقرب من 100 دولار للبرميل.
وكثفت الرياض في الفترة الأخيرة توجهها إلى أسواق الدين، في وقت سجلت الموازنة عجزا للربع السابع على التوالي، وسط نمو الإيرادات غير النفطية 4 في المئة إلى 37.5 مليار دولار، بما يمثل أعلى مستوى منذ الربع الأخير من عام 2020.
وبلغ العجز في الربع الثاني من العام الحالي 4.1 مليار دولار، كاشفا عن مدى استمرار اعتماد البلاد على الإيرادات الهيدروكربونية. وتتوقع السلطات أن يستمر عجز الموازنة لعدة أعوام على الأقل.
وتتوقع أبحاث غولدمان ساكس أن يتسع عجز الموازنة إلى 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة مع اثنين في المئة بنهاية العام الماضي.
وتوقع خبراء غولدمان أن تبلغ إصدارات الديون السعودية 16 مليار دولار سنويا في المتوسط خلال السنوات الثلاث المقبلة، ارتفاعا من 10 مليارات دولار في السنوات الثلاث الماضية، وذلك نتيجة لاتساع عجز الموازنة الناجم عن انخفاض إيرادات النفط وارتفاع الإنفاق.
وسبق أن أشار وزير المالية محمد الجدعان إلى أن عجز الموازنة "مقصود وبنسب مستدامة ولأهداف تنموية اقتصادية، وليس عجزا إجبارياً كما هو الحال في بعض الدول التي تضطر إلى الاستدانة لتلبية نفقات أساسية قد لا تكون منتجة".
وفي خضم ذلك تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البلد في يوليو الماضي، بنحو 3.4 في المئة مقارنةً بمستوى الشهر السابق له، لكنه ارتفع بنحو 6 في المئة على أساس سنوي، بحسب بيانات البنك المركزي المنشورة الخميس الماضي.
وسجل إجمالي صافي الأصول الأجنبية 429 مليار دولار في يوليو، مقارنة مع 445 مليار دولار في يونيو. وفي يوليو العام الماضي بلغ صافي الأصول الأجنبية 407 مليارات دولار.
ومع ذلك، هناك تقدم متزايد في تمويل القطاعات الجديدة، مع زيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، بحسب أبحاث غولدمان.
ومن المتوقع أن تتلقى صناعة الطاقة النظيفة تمويلا بقيمة 235 مليار دولار، بما يزيد عن التقديرات السابقة التي بلغت 148 مليار دولارا، وسط زيادة السعودية للقدرات المستهدفة بما يتجاوز الضعف بحلول نهاية العقد الحالي.
ورفع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي توقعاته لنمو اقتصاد السعودية العام المقبل بمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 4.7 في المئة عن مراجعة يونيو، في حين خفّضها لعام 2024 بمقدار 0.9 نقطة مئوية إلى 1.7 في المئة، بدفعٍ من تخفيضات إنتاج النفط ضمن أوبك+.