السعودية تراهن على الرقابة الذاتية كأفضل نموذج لإعلام منضبط

اعتبر سلمان الدوسري، وزير الإعلام السعودي، أن إعلام بلاده هو الأقوى والأكثر تأثيرا لوجود عدة عوامل أبرزها الرقابة الذاتية للصحافيين التي تراعي مصالح الدولة وتتماشى مع ثقافة المملكة.
الرياض - رسم وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري الخطوط العريضة التي يسير عليها، معربا عن الرضا بمستوى الحرية التي يحظى بها، في ظل عدم تقديم الحكومة أي توجيهات (تعليمات مباشرة)، لكنها تعطي توجهات عامة.
وأكد الدوسري خلال لقاء تلفزيوني عبر برنامج "الليوان" على قناة روتانا أن النموذج الإعلامي الذي يطبق حالياً في المملكة هو أفضل نموذج لحرية الإعلام، حيث انتقلت الحكومة من الرقابة التقليدية للدولة إلى "الرقابة الذاتية" التي يطبقها الصحافيون أنفسهم والمؤسسات الصحفية لمراعاة مصالح الدولة، مشيرا إلى أن مستوى الحريات في المملكة مرتفع مقارنة بالإقليم (المنطقة).
وتحرص السعودية على نشر خطاب منفتح يتماشى مع التطورات التي تشهدها على الصعد الاجتماعية والترفيهية، لكنْ ما زالت الكثير من المواضيع تمثل انتهاكات غير مسموح بها وتعتبر جرما، وكثيرا ما تعتبر غير مقبولة اجتماعيا لهذا يمكن للرقابة الذاتية أن تأخذ مكان الحكومة في هذا الشأن.
وأوضح وزير الإعلام الدوسري أن سقف الحرية الإعلامية في السعودية ليس منخفضًا كما يزعم البعض، لافتًا إلى أن هناك حريات منضبطة يتمتع بها الإعلام السعودي، مع التأكيد على رفض أي محاولات لتشويه مفهوم الحرية الإعلامية.
ورغم أن مصطلح "الحريات المنضبطة" يثير التساؤلات بشأن دلالاته وحدود وسقف هذه الحريات، إلا أن إجراءات عديدة اتخذتها الوزارة مؤخرا تشير إلى رغبة في الاعتماد على الرقابة الاجتماعية والذاتية. واعتبر متابعون أن الضوابط لا تختلف كثيرا في الدول العربية، لكن التحدي يكمن في تطبيقها، إذ أنها تعتبر مظلة واسعة يمكن أن تشمل أي محتوى لا يتناسب مع الخطاب الرسمي.
لذلك قررت وزارة الإعلام العام الماضي الاستعانة برواد مواقع التواصل الاجتماعي في ضبط المشهد وطالبت المستخدمين ومتابعي وسائل الإعلام بالإبلاغ عن أي محتوى إعلامي يمس جملة من المحظورات الدينية والاجتماعية والرياضية والسياسية، في نهج يشير إلى رغبة السلطات في إشراك الجمهور في الرقابة على الإعلام.
وتحت عنوان "نتشارك معا مهمة الارتقاء بما يعرض ويشاهد ويتداول" طالبت الوزارة المواطنين بالإبلاغ عن أي محتوى إعلامي مخالف. وقالت في بيان عبر صفحتها على موقع إكس إن أي محتوى يمس ثوابت الشريعة الإسلامية، ويثير النعرات والكراهية، ويحرض على العنف ويمس بكرامة الأشخاص، ويشجع أو يؤدي إلى العنف، ويؤجج التعصب الرياضي، ولا يحافظ على حقوق الملكية الفكرية، أو يتضمن معلومات كاذبة، ويخل بالنظام العام والأمن الوطني، ويخل بالآداب العامة، ويستخدم لغة مبتذلة، يمكن أن يتم الإبلاغ عنه من خلال رابط حددته.
وأوضح الوزير السعودي أن مستوى حرية الإعلام في المملكة يتماشى مع الثقافة السعودية، مضيفًا أن الصحافيين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية السعودية يتحلون بإحساس عالٍ بالمسؤولية تجاه المهنة والمجتمع.
كما شدد على أن المهمة الأساسية للإعلام تتجسد في كشف العيوب وتسليط الضوء على القضايا التي تحتاج إلى معالجة، مؤكدًا أن النقد البناء يُعد دورًا أصيلًا يجب أن تقوم به وسائل الإعلام. وتطرق وزير الإعلام إلى أهمية التزام الصحافيين بالحرية المسؤولة، لاسيما في ظل الأوضاع الإقليمية التي تمر بها بعض الدول، مشيرا إلى ضرورة مراعاة المصلحة العامة في التغطيات الإعلامية.
وبشأن محاربة المحتوى الهابط والتباهي، شدد على أنه ضد التباهي بمظاهر "الثراء الزائف" على مواقع التواصل، لكن المجتمع مسؤول مع الوزارة عن محاربة المحتوى الهابط ومشاهيره وترك متابعة هؤلاء هو أفضل عقوبة لهم، مؤكدا أن دور وزارة الإعلام هو ضبط المشهد وليس التحكم فيه، ولخص هذا الأمر بقوله "ليس لدينا عصا ولا نقمع أفراد المجتمع، ولكن لدينا أنظمة وقوانين نطبقها،" وهناك دور آخر يجب القيام به في لفظ هذه الممارسات السلبية.
ونوه بأن الإعلام السعودي له ركيزتان أساسيتان هما الإعلام الوطني واقتصاديات الإعلام، مضيفا "عندما نتحدث عن الأول فهو هادف بكل منصاته، ويُمثِّل رؤية المملكة ويرتقي بها في 2030، أما الجانب الآخر فنحن بحاجة لرفع مساهمته في الناتج المحلي البالغة اليوم أقل من 1 في المئة عند 0.4 في المئة ولكن نستهدف رفعها بنسبة 150 في المئة بحلول 2030."
◙ اعتماد "تام السعودية" كمعيار رسمي لقياس نسب مشاهدة المحتوى الإعلامي يمثل تحولًا في صناعة الإعلام بالمملكة
وتطرق إلى تسرب إيرادات الإعلانات إلى الخارج، حيث اعتبر الوزير السوق والمعلن والإعلام السعودي هي الأكبر في المنطقة العربية، "والفاقد من الإعلانات الذي يذهب إلى خارج البلاد يصل إلى 90 في المئة بدلاً من أن يُسجَّل ضمن مساهمة الإعلام في الناتج المحلي،" متابعا "لذلك نحن نستهدف توطين مثل هذه الصناعة، وبقاء كل الإنفاق الإعلاني في وسائل الإعلام والجهات السعودية داخل المملكة، وعدم تسرُّبه خارجيا." وكان مجلس صناعة الإعلان في اجتماعه السنوي لعام 2024، قد قرر اعتماد مشروع "تام السعودية" كمعيار وطني لقياس نسب مشاهدات المحتوى الإعلامي في المملكة.
ويقدم المشروع بيانات دقيقة وموثوقة وفق أعلى معايير الصناعة العالمية للإعلام، ويأتي ضمن التزامات السلطات بتطوير البنية التحتية للإعلام في المملكة، وتعزيز الشفافية في قطاع الإعلام من خلال تقديم بيانات دقيقة لأصحاب المصلحة، بمن في ذلك وكالات الإعلان وشركات البث والناشرون الرقميون، حول نسب مشاهدات المحتوى الإعلامي، ما يدعم إجراءاتهم نحو اتخاذ قرارات مبنية على بيانات علمية واضحة.
ويقول المسؤولون إن اعتماد "تام السعودية" كمعيار رسمي لقياس نسب مشاهدة المحتوى الإعلامي يمثل تحولًا في صناعة الإعلام بالمملكة، إذ أن البيانات الدقيقة التي يوفرها البرنامج ستعزز قدرة صناع المحتوى على تحسين إستراتيجياتهم وتوجيهها نحو تقديم محتوى يلبي تطلعات الجمهور.
ومن المنتظر إقرار مشروع نظام الإعلام السعودي، الذي يهدف إلى «تنظيم قطاع الإعلام وأنشطته المختلفة وتطويرها، وتنظيم وضع العاملين فيها ومن في حكمهم،» إضافة إلى «تنظيم المحتوى الإعلامي كاملاً والمساهمة في رفع جودته،» من بين أهدافٍ أخرى. لكنّ منتقدين يرون أن هناك ضبابية في آلية عمل الهيئات الموكلة إليها مهمة «تنظيم المحتوى الإعلامي»، وتؤشّر على قيود جديدة سوف تفرض على العمل الإعلامي والصحافيين.
وأعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في السعودية سابقا عن طرح مشروع نظام الإعلام للاستفادة من آراء العموم والمهتمين وذلك على منصة «استطلاع» التابعة للمركز الوطني للتنافسية، فيما تضمنت بنوده قائمة من المحظورات التي تشير إلى الرقابة أكثر مما تشير إلى الضبط والتنظيم.