السعودية تختار خفض الإنفاق وتعديل أولوياتها المالية في 2021

اللجوء إلى السحب من الاحتياطات النقدية والاقتراض لسد العجز.
الخميس 2020/12/17
إشارة إطلاق بداية جديدة للاقتصاد السعودي

تكشف موازنة السعودية لعام 2021 عن ملامح خطط للتأقلم مع التراجع الحاد للعوائد النفطية، الشريان الرئيسي للحياة الاقتصادية للمملكة، وسط الأزمة العالمية التي خلفها وباء كورونا وكان من أبرز مفاجآتها خفض الإنفاق قياسا بالعامين الماضيين للسيطرة على مستوى التضخم مع الاستمرار في السحب من الاحتياطات النقدية وإصدار أدوات الدين.

الرياض - تواجه السعودية ضغوطا شديدة بسبب مخلفات اقتصادية بالغة لوباء كورونا وتراجع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، وهو ما وضعها أمام خيارات ترشيد موازنة عام 2021 ضمن سياق سياسة التقشف مع اقتناص الفرص الممكنة لتنفيذ ما جاء في “رؤية 2030” لمرحلة ما بعد النفط.

وأقرت الحكومة موازنة بقيمة 990 مليار ريال (263.9 مليار دولار) بتراجع 7 في المئة تقريبا عن العام الحالي، وقدرت الإيرادات عند 226.4 مليار دولار على أن يكون العجز عند نحو 37.6 مليار دولار، حيث تسعى لكبح عجز ضخم ناجم عن نزول إيرادات النفط وزيادة في الإنفاق لزمت لمواجهة أزمة فايروس كورونا.

وحتى قبل التوجيهات الجديدة بخفض الإنفاق، كانت الموازنة الحالية قد قلّصت ميلها لزيادة الإنفاق بغية تحفيز النمو. وتبنّت إجراءات لتضييق العجز من خلال تنويع الإيرادات عبر الضرائب والإصلاح الاقتصادي.

ونسبت رويترز إلى مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري قولها، إن “هدف العجز للعام المقبل يبدو طموحا لكننا شهدنا هذا العام دعما حيويا للموازنة من خلال توزيعات قوية لأرامكو وعوائد الاستثمار، وستكون هذه على الأرجح عوامل رئيسية في عام 2021”.

ويواصل البلد الخليجي تسجيل عجز في الموازنة منذ تهاوي أسعار النفط في عام 2014 حين تخلّى عن استراتيجية دعم الأسعار من أجل تعزيز حصصه في الأسواق، لكن الأسعار واصلت التراجع واضطر بعد ذلك إلى الاتفاق مع منتجي أوبك وتحالف أوبك+.

ومن المتوقع انخفاض إيرادات السعودية من النفط بأكثر من 30 في المئة هذا العام بسبب انهيار أسعار الخام وتخفيضات الإنتاج بعد أن حدّت الجائحة من الطلب العالمي على النفط.

وقال وزير المالية والاقتصاد والتخطيط المكلف محمد الجدعان، إن الميزانية تعكس القدرة على “تبني سياسات أكثر ملاءمة في الموازنة بين النمو والاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية على المدى المتوسط والطويل”.

مونيكا مالك: هدف العجز يبدو طموحا وسيعتمد على عوامل التحفيز
مونيكا مالك: هدف العجز يبدو طموحا وسيعتمد على عوامل التحفيز

وفوضت الحكومة وزير المالية في عملية سد العجز عبر إجراءات عدة لعل أبرزها السحب من حساب الاحتياطات النقدية، بالإضافة إلى الاقتراض وإصدار أدوات الدين والصكوك بأنواعها في السوقين المحلية والدولية لتمويل المشروعات الرأسمالية المعتمدة تكاليفها في الميزانية، إلى جانب أكثر من عشرة بنود أخرى.

وأبرز ما يميز الموازنة الجديدة أنها لا تتضمن خططا لرفع الضرائب. ونسبت وكالة الأنباء السعودية للجدعان قوله إن “فرض ضريبة على الدخل، مسألة ليست مطروحة”. وفي المقابل سيتم تحفيز القطاع الخاص كونه أحد أهم الخيارات لتعزيز مستويات النمو.

وقال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إن “عام 2020 كان عاما صعبا على دول العالم جراء تفشي جائحة كورونا إلا أن اقتصاد المملكة أثبت قدرته على مواجهة تداعيات الجائحة”، متوقعا “أن يشهد النمو الاقتصادي ارتفاعا مع الاستمرار في تنمية دور القطاع الخاص”.

ورفعت السعودية ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أمثالها في يوليو الماضي إلى 15 في المئة لدعم خزائن الدولة وتعويض الانخفاض في إيرادات النفط.

وقبل إقرار الموازنة، أكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء أن الموازنة جاءت لحماية صحة المواطنين والمقيمين وسلامتهم، ومواصلة الجهود للحد من آثار كورونا على الاقتصاد، واستمرار العمل على تحفيز النمو الاقتصادي وتطوير الخدمات ودعم القطاع الخاص والمحافظة على وظائف المواطنين فيه.

ومن المتوقع انكماش الاقتصاد السعودي بنحو 3.7 في المئة هذا العام، مع التحول إلى نمو 3.2 في المئة في العام المقبل، خاصة وأن المسؤولين يؤكدون أن أغلب القطاعات الاقتصادية بدأت في التعافي من تأثير الجائحة خلال النصف الثاني من هذا العام.

ولا تزال السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تعتمد بشكل كبير على إيرادات صادرات الطاقة رغم جهودها الواسعة لتنويع الاقتصاد.

وانتعشت أسعار خام برنت بعد هبوطها إلى قاع أكثر من 20 عاما في أبريل الماضي، لكنها الآن عند نحو 50 دولارا للبرميل وهي تقل كثيرا عن مستوى 67.9 دولار للبرميل، الذي تحتاجه السعودية لضبط موازنتها الجديدة، وفق صندوق النقد الدولي.

ولا تكشف السعودية عن سعر النفط المفترض الذي تبني عليه موازنتها، لكن روري فايف العضو المنتدب في مؤسسة مينا أدفيزورز، قال إنه “مبني على الأرجح على سعر التصدير السعودي عند نحو 48 دولارا للبرميل”، مشيرا إلى أن هذا السعر “يتماشى تقريبا مع توقعات السوق”.

وتصب الترجيحات في أن يبلغ رصيد الدين العام حوالي 227.7 مليار دولار، أي بنسبة 34.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية هذا العام، وأن يصل إلى 249.8 مليار دولار بنسبة 32.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام المقبل.

واعتبر مازن السديري رئيس إدارة الأبحاث في شركة الراجحي المالية، أنه من الصعب توقع إيرادات الحكومة من النفط “لأنها تتضمن المتغير الإضافي المتعلق بتوزيعات الأرباح التي ستدفعها أرامكو للحكومة”.

ويقول عملاق النفط السعودي أرامكو إنه سيدفع إجمالي توزيعات بقيمة 75 مليار دولار هذا العام، والتي ستذهب الغالبية العظمى منها إلى الحكومة. وتقول السعودية إن تفشي كوفيد – 19 جعل التنبؤ بسوق النفط أكثر صعوبة، محذرة من أن التقلب في سوق النفط تحدّ كبير للاقتصاد.

11