السعودية تحفز الاستثمار بإطلاق باكورة مناطقها الاقتصادية الخاصة

فتحت السعودية آفاقا واسعة لجذب رؤوس الأموال الخارجية عندما دشنت حزمة أولى من مناطقها الاقتصادية الخاصة، والتي من المتوقع أن تكرس إستراتيجية الحكومة في ترقية مناخ الأعمال أكثر وجعله أكثر جاذبية بما يدعم رحلة النمو في البلاد.
الرياض - أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مساء الخميس الماضي أربع مناطق اقتصادية خاصة موزعة على أنحاء متفرقة من البلاد، في مسعى لتعزيز مكانة أكبر منتج للنفط في العالم كوجهة استثمارية عالمية في غضون سنوات قليلة.
وتتوزع المناطق التي تشرف عليها هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة، في كل من العاصمة الرياض ومدينة جدة ومدينة رأس الخير بالمنطقة الشرقية ومدينة جازان جنوب غرب البلاد.
وأكد الأمير محمد بن سلمان أثناء الإعلان عن هذه المناطق أنها ستفتح آفاقا جديدة للتنمية معتمدة على المزايا التنافسية لكل منطقة لدعم القطاعات الحيوية والواعدة، ومنها اللوجستية والصناعية والتقنية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن ولي العهد قوله “تتميز المناطق الاقتصادية الخاصة الجديدة بمواقع إستراتيجية في الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال مدينة جدة”.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن المناطق الاقتصادية الخاصة تتمتع بنظم تشريعية ولوائح خاصة للنشاطات الاقتصادية من شأنها أن تجعلها من المناطق الأكثر تنافسية في العالم.
وأشار في الوقت ذاته إلى أنَ هذه المناطق تشكل منصات لوجستية وصناعية متكاملة، تتمحور حول المستثمر لتوفير تجربة استثمارية استثنائية، وترسخ مكانة السعودية كبوابة عبور إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وحلقة وصل بين أسواق الشرق والغرب.
وشدد على أنه بإطلاق هذه المناطق “نواصل مبادرات تحويل المملكة إلى وجهة عالمية للاستثمار، ومركز حيوي يدعم سلاسل الإمداد العالمية، لاسيما بعد إطلاق المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة التي تقع ضمن مطار الملك سلمان الدولي في الرياض”.
وقبل عامين أطلق ولي العهد برنامج “شريك” ضمن “رؤية 2030” لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى نحو 65 في المئة ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 إلى 50 في المئة.
ويستهدف البرنامج زيادة تنمية استثمارات القطاع الخاص لتصل إلى 5 تريليونات ريال (1.33 تريليون دولار) بحلول 2030.
واعتبر وزير الاستثمار خالد الفالح أن إطلاق المناطق يشكل “خطوة ريادية لرفد السوق السعودية بالمزيد من الفرص الاستثمارية النوعية التي من شأنها أن تتكامل مع الاقتصاد الأساس في دعم مسار التنمية”.
وقال إن تحقيق ذلك سيتم “من خلال زيادة حجم وجودة الاستثمارات في المملكة وصولا إلى تحقيق رؤية 2030 وتعزيز مكانة المملكة على الخارطة العالمية لقطاع الأعمال”.
وأكد الفالح، الذي يرأس مجلس إدارة هيئة المدن، أن استقطاب الاستثمارات النوعية إلى المناطق الاقتصادية الخاصة سيسهم بدوره في توليد فرص ضخمة للشركات المحلية ورواد الأعمال والمجتمع السعودي عبر العديد من القطاعات.
وسبق أن أشار الوزير في تصريحات إعلامية إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة باتت تشكل نحو ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، متوقعا أن تبلغ 5.7 في المئة بحلول 2030.
وقال خلال مقابلة مع اقتصاد الشرق من بلومبرغ “لا يهمنا حجم هذه الاستثمارات فحسب، بل تهمنا نوعيتها كذلك”.
وأضاف “تجذب السعودية اليوم استثمارات في قطاعات نوعية تشهد منافسة عالية، التي هي بحاجة إلى نظام تشريعي واقتصادي مفتوح، وسهولة الوصول إلى الكوادر البشرية المدربة، وإلى طاقة وكهرباء بأسعار مناسبة”.
وتُمثل هذه المناطق مرحلة أولى من برنامج طويل المدى يستهدف جذب الشركات الدولية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز نمو القطاعات النوعية المستقبلية بإيجاد بنية تحتية قوية وتوفير فرص استثمارية متميزة تدعمها منظومة متطورة من اللوائح والأنظمة.
وتشمل الحوافز المقدمة للشركات معدلات ضرائب تنافسية، وإعفاء للواردات ومدخلات الإنتاج والآلات والمواد الخام من الرسوم الجمركية، والملكية الأجنبية بالكامل، والمرونة في توظيف العمالة الأجنبية وغيرها الكثير.
وما يميز المنطقة الاقتصادية في جدة أنها تقع على أحد الممرات التجارية الرئيسية في العالم، إذ تسعى مدينة الملك عبدالله لإعادة رسم خارطة طرق التجارة الإقليمية وتعزيز مكانة البلاد كوجهة رئيسية لقطاعات التصنيع المتقدمة بما فيها المجالات التقنية الطبية.
كما أنها تبني على القدرات التنافسية التي يوفرها أحدث ميناء تجاري متكامل الخدمات في البلاد، والذي منحه البنك الدولي عام 2022 لقب “أكثر الموانئ كفاءة على مستوى العالم”.
ومع التوجه المتنامي نحو مصادر الطاقة النظيفة، أعلنت اثنتان من أهم شركات صناعة السيارات الكهربائية عن توقيع اتفاقيات للعمل في هذه المنطقة مما يعزز مكانة السعودية كأول مركز متكامل لهذا المجال في المنطقة العربية.
أما المنطقة الاقتصادية الخاصة بجازان والتي تقع بجوار مناجم التعدين والموارد المعدنية، وعلى مقربة من ثالث أكبر ميناء بحري في السعودية، فتشكل موقعا جاذبا للصناعات التعدينية والثقيلة.
ويتيح موقع جازان الجغرافي الذي يشرف على طرق التجارة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب فرصة للشركات التي تتطلع إلى التوسع في أسواق أفريقيا.
حوافز ومميزات
- المناطق تتمتع بنظم تشريعية ولوائح خاصة للنشاطات
- تقديم حوافز ضريبية وجمركية تعزز تنافسية الشركات
- السماح بالملكية الأجنبية الكاملة للمشاريع الجديدة
ويتميز الجنوب الغربي أيضا بالزراعة التي توفر إمكانيات كبيرة لتصنيع المنتجات الغذائية لتلبية الطلب الإقليمي المتزايد ومواجهة تحديات الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة.
وتتميز منطقة رأس الخير بموقعها على المنطقة الشرقية التي تمثل المركز الصناعي للسعودية على مقربة من طرق إنتاج النفط والغاز في الخليج العربي.
وتقدم المنطقة للشركات الدولية والإقليمية بنية تحتية عالمية المستوى وسوقا مهمة للصناعات البحرية بما يتيح لها تأسيس وبدْء أعمالها بشكل فوري.
كما يوفر أحدث ميناء صناعي في البلاد منفذا للأسواق الإقليمية والعالمية الرئيسية، فيما توفر روابط السكك الحديد المباشرة لمناجم السعودية قدرة عالية على الوصول إلى المواد الخام بسهولة.
وبالإضافة إلى ذلك تمنح المنطقةُ المستثمرين فرصة أن يكونوا جزءا من مجموعة ديناميكية وعالمية، وقيادة الابتكارات في مجالات التزود بالوقود وبناء السفن.
وتمثل منطقة الحوسبة السحابية والمعلوماتية تجسيدا مباشرا لسياسة “الحوسبة السحابية أولا” في السعودية، وتؤكد التزام الحكومة بالمضي في طريق الابتكار الرقمي وتعزيز قطاع التكنولوجيا سريع النمو.
وتتبنى المنطقة نموذج أعمال قائما على الابتكار يسمح للمستثمرين بإنشاء مراكز بيانات مادية وبنية تحتية للحوسبة السحابية في مواقع متعددة داخل السوق السعودية.
ويرجح خبراء أن ترسخ المنطقة مكانتها كمنصة إقليمية رائدة وبارزة للشركات العاملة في إنترنت الأشياء وتقنية بلوكتشين والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وابتكارات ويب3.