السعودية تبدد الاستعجال التركي للتقارب وتشارك في مناورات جوية مع اليونان

جزيرة كريت (اليونان) - بددت السعودية آمالا تركية مستعجلة لمصالحة تتجاوز الخلافات، بعد أن وصلت مقاتلات سعودية من طراز “أف – 15 سي” إلى جزيرة كريت مع أطقمها الكاملة للمشاركة في مناورة تدريب مع اليونان في منطقة شرق المتوسط، في خطوة يبدو أنها تحظى بالدعم المصري.
وعبّرت تركيا الرسمية عن صدمتها الكاملة بالقرار السعودي، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام أن بلاده ستبحث مع السلطات السعودية قرارها بشأن إجراء مناورات عسكرية مع اليونان، فيما عبّر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن أسف بلاده وحزنها لمشاركة السعودية في المناورات العسكرية مع اليونان، مؤكدا أن أنقرة كانت تفكر بعدم وجود هذه العلاقة العسكرية أصلا بين الرياض وأثينا.
ويزيد وصول المقاتلات السعودية إلى قاعدة سودا الجوية في كريت للمشاركة في تمرين “عين الصقر1” من الضغط الفرنسي المصري على تركيا للحد من توسعها في شرق المتوسط.
وبالإضافة إلى الضغوط المعنوية الكبيرة التي سلطتها أنقرة على السعودية بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وقيادتها مع قطر لحملة تشويه سياسية استثنائية ضد الرياض، إلا أن تركيا عملت على تأكيد انتشارها العسكري الواسع في نقاط استراتيجية شرق السعودية وغربها وجنوبها، في القاعدة العسكرية في قطر وفي قواعد صومالية وفي الوجود المتزايد في اليمن، في حين تجوب بوارج وسفن حربية تركية البحر الأحمر وبحر العرب.
وترى الرياض أن شرق المتوسط أقرب لها جغرافيا وتأثيره أكثر استراتيجية على أمن شمال السعودية من قرب الصومال على تركيا، والذي يعد استفزازا للسعودية وحلفائها.
وذكرت وزارة الدفاع السعودية أن قواتها الجوية ستشارك القوات اليونانية طلعاتها الجوية وتمارينها المشتركة في سماء البحر المتوسط.
ونشرت الوزارة مقطع فيديو وصورا توثق اللحظات الأولى لوصول مقاتلاتها الجوية مع طواقمها.
وأشارت الوزارة إلى أن تمرين “عين الصقر1” يهدف إلى صقل مهارات الأطقم الجوية والفنية وتطويرها ورفع الجاهزية القتالية للقوات الجوية، إضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية في مجال تنفيذ العمليات الجوية وتخطيطها.
وأشار العقيد الركن عبدالرحمن بن سعيد الشهري قائد المجموعة السعودية القتالية المشاركة في المناورة إلى أن التمرين يهدف إلى “دعم أواصر التعاون المشترك بين القوات الجوية السعودية والقوات الجوية اليونانية، وتبادل الخبرات بين الجانبين ورفع الجاهزية القتالية”.
وإلى جانب الأوروبيين، واليونان وفرنسا منهم على وجه الخصوص، تشترك مصر في قلقها من التوسع التركي في شرق المتوسط.
وتصاعدت التوترات بين اليونان وتركيا في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط، حيث قررت اليونان ضم السعودية إلى حلفها بعدما نجحت في إشراك فرنسا ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل.
وتوقعت مصادر عسكرية مصرية ألا تكون المشاركة السعودية مع اليونان الأخيرة، فالمجال سيكون مفتوحا للدول الصديقة والتي تجمعها رؤى مشتركة رافضة لتوجهات تركيا، وهو ما يدعم رؤية القاهرة حيال تطوير منتدى غاز شرق المتوسط.
وأكدت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة عازمة على أن تدفع تركيا ثمن تصرفاتها المستفزة في شرق البحر المتوسط وليبيا، وتشكيل طوق إقليمي يكبح تصوراتها المنفلتة ويفرض عليها الرضوخ لأحكام القوانين الدولية، مشددة على أن القاهرة لن تنخدع بالتصريحات الإيجابية الصادرة من المسؤولين الاتراك مؤخرا.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني إن مشاركة السعودية تدعم التوجه المصري الساعي نحو مجابهة التدخلات التركية غير القانونية في منطقة شرق المتوسط من خلال تعزيز روابط التعاون والتنسيق مع كلّ من اليونان وقبرص.
وأضاف الكدواني في تصريح لـ”العرب” أنّ “التدريبات العسكرية تستهدف حماية المقدرات الاقتصادية في شرق المتوسط، وهو أمر متفق عليه بين كافة الدول التي بينها معاهدات لتعيين الحدود البحرية، وتعزّز التعاون بين القوى المؤثرة في الإقليم، ما يفتح المجال أمام مزيد من تنسيق المواقف السياسية لوقف تدخلات تركيا.”
وأوضح أن “السعودية لديها ثقل كبير في المنطقة ومن مصلحتها توفير درجة عالية من الأمن في الإقليم بحكم تداعيات التوتر والاستقرار على منطقة الخليج، ومن المهم أن يكون هناك تنسيق عسكري محكم في إطار استراتيجية عربية للردع.”
واعتبرت وسائل إعلام تركية أن مناورات “عين الصقر1” بمشاركة القوات الجوية السعودية تهديد مباشر لتركيا.
وبالغت الصحافة التركية في ذكر أبعاد المشاركة إذ قالت صحيفة هابرلر إن طائرات “أف – 15 سي” السعودية ستُستَخدم من قبل الطيارين اليونانيين، وهو أمر مستبعد لأن هذه الطائرات لم تكن يوما جزءا من القوة الجوية اليونانية ولا يمكن لطيارين يونان غير مدربين عليها لسنوات أن يقودوها. فيما عبرت صحيفة زمان عن قلق الخبراء العسكريين بالإشارة إلى أن السعودية تملك أكبر أسطول من طائرات “أف- 15 سي” في العالم، بعد الولايات المتحدة واليابان.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها دولة خليجية في مناورات مشتركة مع أثينا، حيث سبق وأن شاركت الإمارات في تدريبات استمرت أسبوعين في قاعدة سودا العسكرية في كريت نهاية أغسطس الماضي، في ظل التوترات بين تركيا واليونان بسبب سفينة التنقيب التركية “عروش ريس” شرقي البحر المتوسط.
وسبق وأن أعلن وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس أن بلاده ستوقع اتفاقية مع السعودية لتسليمها نظام صواريخ باتريوت ونصبه وتشغيله في الأراضي السعودية.
كما اتفقت وزارتا خارجية البلدين على تعزيز القدرات العسكرية الجوية للرياض في ظل الهجمات التي تعرضت لها منشآتها خلال الأشهر الأخيرة، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى أثينا.
واعتبر الباحث السعودي فواز بن كاسب العنزي المناورات العسكرية مع اليونان نتيجة التقارب بين الدولتين الذي جاء بعد السياسة التي انتهجتها تركيا خلال السنوات الخمس الماضية عبر تدخلها في الإقليم العربي وتقاربها مع دول تتعارض مصالحها مع مصالح السعودية.
ووصف العنزي في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية تعاون الرياض وأثينا بالطبيعي “في إقليم يعج بالاضطرابات والأزمات، وهو ما يفسر سعيها للتحالف اليوناني لما يمثله موقع أثينا القريب جدًا من أنقرة”.
وطالب العنزي بضرورة أن تشكل السعودية “تكتلًا لمواجهة التحركات التركية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية ودعمها لبعض التيارات الفكرية التي تمثل مصادر تهديد للأمن القومي العربي، وهو ما يؤمّن حماية المصالح الحيوية للمملكة بالتعاون المشترك مع الدول التي تتوافق وسياسية السعودية”.