السعدية لديب.. فنانة الشاشتين الكبيرة والصغيرة في المغرب

الرباط- يمثل تكريم رواد السينما المغربية الأوائل، وخاصة النساء اللواتي تركن بصمات خالدة بين المسرح والسينما والتلفزيون، تقديرا جوهريا لمساهمتهن في تطوير الفنون البصرية في المغرب، حيث أن هؤلاء الرائدات لم يقتصر دورهن على التمثيل فقط، بل ساهمن أيضا في تشكيل الهوية الثقافية والفنية المغربية من خلال أدائهن المميز وأعمالهن المتنوعة.
من بين هؤلاء الرائدات تبرز الممثلة المغربية السعدية لديب كأحد الأسماء التي ارتبطت بالمسار الحافل في مختلف الفنون، حيث أثرت الساحة الفنية بمشاركاتها المتميزة في المسرح والتلفزيون والسينما، ويعد تكريم مثل هذه الشخصيات ليس فقط اعترافا بجهودهن، بل أيضا ضرورة للحفاظ على الإرث الفني الذي ساهم في بناء هوية سينمائية مغربية غنية بالتنوع والإبداع.
إبداعها في التلفزيون
تعد السعدية لديب واحدة من أبرز الممثلات المغربيات اللواتي تركن بصمة واضحة في عالم الفن بالمغرب منذ ظهورها الأول، إذ نجحت في فرض حضورها بقوة، لتصبح وجها مألوفا لدى عشاق المسرح والسينما والتلفزيون، بتفردها الفني وأدائها المميز، حيث استطاعت أن تجمع بين قوة التمثيل وعمق الشخصيات التي تقدمها، ما جعلها تنال إعجاب الجمهور والنقاد على حد السواء.
شقت طريقها بثبات وإصرار منذ بداياتها الفنية في التسعينات، وتميزت بقدرتها الفائقة على تجسيد الشخصيات المتنوعة وإيصال الأحاسيس المعقدة بحرفية عالية، ما جعلها محبوبة الجماهير وأحد الأسماء التي تترك بصمتها في كل عمل تشارك فيه، ومع مرور السنين أصبح اسم السعدية مرادفا للإبداع والتألق، وتجسيدها للأدوار المختلفة يعكس نضجا فنيا ومعرفة عميقة بخبايا الشخصيات التي تتقمصها.
تألقت السعدية لديب في مجال الدراما التلفزيونية من خلال تجسيد مجموعة من الشخصيات التي أصبحت مرسومة في ذاكرة المشاهد المغربي، أحد أبرز أعمالها كان دورها في المسلسل الدرامي الشهير “سلمات أبوالبنات” خلال خمسة أجزاء امتدت من 2020 إلى 2024، إذ قدمت السعدية شخصية “لطيفة” برصانة، محققة تفاعلا قويا مع الجمهور، وهذا العمل الدرامي الأسري تناول موضوعات اجتماعية حساسة وقصصا إنسانية مليئة بالتحديات، ونجحت في رسم ملامح شخصية الأم المكافحة التي تواجه مصاعب الحياة بشجاعة وحنكة.
ولم تقتصر السعدية على تقديم الأدوار العائلية فقط، بل تنقلت بمرونة بين أدوار متنوعة في أعمال أخرى، مثل دورها في “بين القصور” الذي عرض في رمضان 2024، حيث جسدت شخصية “لكبيرة” بكل ما تحمله من تعقيدات وحكمة، كما برعت في مسلسل “طريق الورد” عام 2023، حيث أدت دور “يامنة”، المرأة القوية التي تواجه تحديات الحياة بقوة الإرادة، وفي نفس العام تألقت بدور “بديعة” في مسلسل “بغيت حياتك”، الذي تناول قصصا عن الأمل والطموح.
لمع اسم السعدية لديب أيضا في عالم السينما المغربية، حيث تركت بصمتها عبر العديد من الأفلام التي تناولت قضايا اجتماعية وثقافية مختلفة، مثل فيلم “دموع الرمال” الذي عرض عام 2018، إذ كان أحد الأعمال التي أبرزت قدرات السعدية التمثيلية العالية، فقد نقلت من خلاله مأساة إنسانية معقولة، أما فيلم “العاطي الله” الذي عرض في 2017 فقدمت فيه دورا يحمل في طياته الكثير من التحديات العاطفية، لتثبت مرة أخرى قدرتها على التعامل مع الأدوار المركبة.
وفي فيلم “Burnout” الذي عرض أيضا في 2017، جسدت السعدية دور “ربيعة”، وهي شخصية تحمل عبء الواقع الاجتماعي المرير، مقدمة أداء يلامس أعماق المشاهدين، حيث تنوعت أدوارها السينمائية بين الأمهات القويات والنساء المكافحات، لتثبت أنها قادرة على التنقل بسلاسة بين الشخصيات المختلفة وتجسيدها بعمق وحساسية كبيرة.
كما كانت لديب جزءا من العديد من المسلسلات الاجتماعية التي لاقت نجاحا كبيرا لدى الجمهور المغربي، مثل مسلسل”اليتيمة” عام 2017، إذ قدمت شخصية “فتيحة” التي تحمل في طياتها الكثير من التناقضات النفسية والإنسانية، ما ساعد في تقديم صورة واقعية عن المرأة المغربية القوية والمضحية، وفي مسلسل “سر المرجان” لعبت دور “فاطنة” بكل حنكة وذكاء، حيث عكست من خلاله عمق الشخصية الريفية المغربية بلمسات من الأصالة والتقاليد.
وأحد الأعمال التي وضعتها في مصاف النجوم كان دورها في مسلسل “بنات لالة منانة” بجزأيه الأول والثاني، والذي عُرض في 2012 و2013، هنا قدمت السعدية شخصية “رحيمو”، المرأة التي تعكس صورة النضال النسوي بلمسة مغربية أصيلة، ما جعل هذا المسلسل يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط المشاهدين.
ولم تكتف لديب بما حققته من نجاحات بل واصلت مسيرتها الفنية بالمزيد من العطاء والإبداع، ذلك أن أدوارها الأخيرة في الدراما والسينما أظهرت نضجا فنيا واضحا وقدرتها على التعامل مع الشخصيات الأكثر تعقيدا وصعوبة، ومن خلال مشوارها الطويل أثبتت السعدية أنها ليست مجرد ممثلة، بل فنانة حقيقية تحمل في جعبتها موهبة استثنائية ووعيا فنيا عميقا، خاصة وأن رحلتها الفنية التي امتدت لعقود لا تزال مليئة بالنجاحات والتحديات، وتجسد التزامها الكامل بالفن وجمهورها وهذا ما يجعلها أحد أبرز الأسماء في الساحة الفنية المغربية.
مسيرة وتكريمات
ستحظى الممثلة المتألقة السعدية لديب بتكريم جديد في الدورة الـ17 من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، الذي سيُعقد من 23 إلى 28 سبتمبر 2024، وهذا يضاف إلى تكريماتها السابقة في مهرجانين سينمائيين في سيدي قاسم وتطوان، ويأتي هذا التكريم إلى جانب الممثلة المصرية داليا البحيري، التي تتقارب معها في العمر، حيث تبرز هذه المناسبة كفرصة للتقرب من الفنانة السعدية وتجربتها الفنية الممتدة لأكثر من ربع قرن.
وتبرز لديب التي لفتت الأنظار منذ بداياتها في السينما، سواء إلى جانب راوية أو الراحل محمد بصطاوي، حيث شاركت في أعمال مثل فيلم “كنوز الأطلس” مع محمد أومولود العبازي وفيلم “سبقت رؤيته” مع محمد مفتاح، الذي كان بداية مشوار زوجها المخرج عزيز السالمي.
كما ظهرت في أعمال متعددة أظهرت فيها قدرتها على تجسيد أدوار متنوعة، مثل المرأة المقهورة أو المرأة القوية والمتمردة على الطابوهات، وتميزت بأداء قوي يظهر تميزها في التعبير من خلال حركات جسدها وتعابير وجهها وكلماتها ونظراتها، ومن بين أفلامها البارزة “قصة وردة” لمجيد رشيش، و”شفاه الصمت”، و”ولد الدرب” لحسن بنجلون، و”ظل الموت” لمحمد مفتكر، و”ريح البحر” لعبدالحي العراقي، و”بورناوت” لنور الدين لخماري.
ومنحت لجان تحكيم المهرجانات الوطنية السعدية لديب عدة جوائز تقديرا لأدائها، مثل جائزة ثاني دور نسائي عن فيلم “حجاب الحب” وجائزة أحسن تشخيص نسائي مناصفة مع ماجدولين الإدريسي عن فيلم “البراق”.
وحصلت الفنانة على شهادة الدراسات الجامعية في الفلسفة، وشاركت في دورات تدريبية في المغرب وفرنسا ومصر بعد تخرجها من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، إذ بدأت مسيرتها الفنية في فيلم “كنوز الأطلس”، بينما أضافت إلى رصيدها المسرحي أعمالا ناجحة، إذ تبوأت لديب مكانة مرموقة في عالم التشخيص بفضل عملها الدؤوب وانتقائها الصارم للأدوار، وبرزت صراحتها وجديتها في اختيار الأدوار والتزامها بحقوقها المادية والمعنوية كعوامل رئيسية في نجاحها، حيث أن تكريمها المستمر يعكس التقدير لمساهمتها الفنية الكبيرة، ويعزز مكانتها بين كبار الممثلين والممثلات.
تزوج المخرج عزيز السالمي الفنانة المغربية السعدية لديب عام 2006، واشتهرت السعدية لديب بأدوارها في عدة أعمال تلفزيونية وسينمائية آنذاك، كما اشتهر عزيز السالمي من ناحية أخرى بإخراج العديد من الأعمال مثل “دموع الرمل” و”معطف أبي”. وعلى الرغم من نجاحه في صناعة السينما يظل عزيز السالمي بعيدا عن الأضواء ونادرا ما يظهر في وسائل الإعلام، فقد عُرف بأخذ وقته في إنهاء أفلامه واحترامه لوقت المشاهد، إذ يعمل في السينما ولا شيء غير السينما، حيث يمنح أفكاره الحياة لتخرج من نافذة أفلامه دون الاهتمام بسباق العرض.