السعادة حسب سمير عطاالله

أنا على يقين أن مَن يبدأ نهاره بقراءة عمود سمير عطاالله لا بد أن يقضي نهاره متفائلا. وهو ما يدفعني إلى وصفه بالكاتب السعيد.
السبت 2024/08/31
سمير عطاالله في ما يكتبه هو مكتبة

منذ أكثر من خمسين سنة وسمير عطاالله يكتب عمودا صحفيا يوميا في مختلف الصحف العربية التي عمل فيها. نضارته لم تذبل. يكتب كما لو أنه يكتب عموده الأول. لا يزال جذابا وساحرا في كل ما يقول. سحر كلماته يؤكد فتنة وغنى ما عاشه بالرغم من حزنه وألمه وكثافة تجربته وثقل ما حملته. أشعر بالخوف وأنا أكتب عن تجربته لئلا أنسى شيئا. لقد كتب عن كل شيء. لا يزال يكتب عن كل شيء. عاش حياته في الواقع وعاشها في الخيال. وكان سخيا في الحالين.

كانت حياته في المقابل سخية هي الأخرى. في الجغرافيا كما في التاريخ. ما لديه من أخبار هي أخباره الشخصية. أن يكون روائيا فذلك شغفه الحقيقي.

لو أن الوقت سمح له بكتابة روايات أكثر لكان من أكبر الروائيين. أن يبدأ الكلام من النقطة التي صمت فيها فذلك ما يجعله شبيها بشهرزاد. غير أنه شهرزاد التي سافرت وتسافر بين القارات.

حتى اللحظة يعيش لحظة هروبه من وطنه لبنان بين نارين. نار حنينه إلى قريته ونار نجاته.

وفي الحالين كانت الكتابة هي التي أبقته حيا. وهي ما يجب علينا أن نشكرها. لقد وهبتنا حياة مضافة.

سمير عطاالله في ما يكتبه هو مكتبة وهو في الوقت نفسه خزانة يوميات لمسافر بين الأصقاع والأمم واللغات. غير أنه في الحالين تعلم بألم لغة السياسة.

لا يكتب عن السياسة باعتباره محللا بل لكي يصف الحريق الذي يحدث في أعماقه.

لغته لا تخدع. وهي لغة صافية، نقية، بريئة تلمع كما لو أنها تتبع جرسا شعريا. أكان عليه أن يكتب الشعر؟ فعل ما هو أفضل. لقد صنع عالما. ذلك هو العالم الذي سنسميه باسمه.

يلذ لنا أن نعتبر ذلك العالم خياليا ولكنه يقدم الواقع الذي يحيط به. عالم تمتزج فيه الكتب بالتجارب الشخصية بحيث لا يمكن للقارئ أن يميز بين ما هو متخيل وما هو واقعي.

عطاالله متعدد الثقافات والتجارب وهو يملك لغة هي من صنعه. لغة تبدو بسيطة وغير مترفعة ولا غلوّ فيها غير أنها عصية وإعجازية. معلم أنيق في مهنته وهو صديق حين يهمس بلوعته. لقد جاب الآفاق بقدمي الشاعر الذي يمتلئ غزلا حين تغمره المدن والغابات والأنهار والبشر والمقاهي والصحارى ومخلوقات البحر واليابسة بعاطفتها ولم يكن في أيّ لحظة من حياته سائحا.

ولطالما شعرت أن عطاالله يكتب وهو يمشي. فهو لا يحتاج إلى مكتب لكي يكون كاتبا.

وبقدر ما هو جاد هو ساخر أيضا. في إمكان ضحكته أن تكون بلاغا جادا عن أحوال الدنيا. أنا على يقين أن مَن يبدأ نهاره بقراءة عمود سمير عطاالله لا بد أن يقضي نهاره متفائلا. وهو ما يدفعني إلى وصفه بالكاتب السعيد. 

18