السراج يخفض الرواتب لضمان استمرار الإنفاق على الحرب

يؤشر قرار فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس بالتخفيض في رواتب الموظفين الليبيين إلى بداية إذعانه لمطالب حلفائه الإسلاميين الذين يقدمون تواصل الإغداق على جبهات القتال واستجلاب السلاح والمرتزقة على قوت الليبيين، ما يعمق أزمة حكومة الوفاق المحاصرة في طرابلس.
طرابلس – أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الإثنين قرارا بخفض مرتبات العاملين بالوحدات الإدارية في جميع المؤسسات الممولة من الخزانة العامة بنسبة 20 في المئة بداية من الشهر القادم، في خطوة من شأنها أن تفاقم الغضب الشعبي.
ويرى المتابعون للشأن الليبي أن الخطوة لا يمكن فصلها عن الصراع الدائر بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وحلفائه الإسلاميين بشأن إدارة الأزمة التي تعيشها البلاد، حيث تواجه الحكومة صعوبة في التصرف في خزينة الدولة ما بين ضخ الأموال على أفراد الميليشيات المسلحة وعلى جلب المقاتلين الأجانب والأسلحة والذخائر أو دفع رواتب الموظفين.
ويأتي القرار في وقت لم يستلم فيه أغلب الموظفين الحكوميين في ليبيا مرتباتهم للثلاثة أشهر الماضية بسبب الخلافات في إدارة الموارد المالية بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ومحافظ البنك المركزي في طرابلس المدعوم من الإسلاميين، الصديق الكبير.
وكان السراج في بداية الأمر يرفض سياسات التقشف المالية التي يحاول الكبير فرضها لضمان الإنفاق على الحرب، لكن يبدو أنه يبدي لينا الأن في الاستجابة لهذه السياسات.
وأدى رفضه لسياسات الكبير إلى شن حملة إعلامية عليه تتهمه بالتقصير في تمويل جبهات القتال، وصلت إلى حد التلويح بإقالته وإعلان حكومة “ثوار” أو حكومة حرب.
ويوصف الصديق الكبير بحاكم ليبيا ذي الصلاحيات المطلقة وتحوم حوله الكثير من الاستفهامات خاصة في علاقته بالغرب والإسلاميين الذين يرفضون إقالته من المنصب الذي يتولاه منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
ويرأس الكبير الذي يصفه العديد من الليبيين على أنه إحدى أذرع الإسلاميين المصرف المركزي الليبي ويتمترس في المنصب رغم إقالته مرارا من قبل مجلس النواب الليبي.
التخفيض في الرواتب يشير إلى إذعان السراج لمطالب حلفائه الإسلاميين بتقديم تمويل الحرب على قوت الليبيين
وفي وقت سابق اتهم السراج في بيان له محافظ مصرف ليبيا المركزي بالسيطرة على السياسة النقدية للبلاد وإيقاف منظومات المقاصة والتحويلات وتدخله في سياسات الدولة الاقتصادية والمالية.
وردّ الكبير على السراج قائلا إن الأخير أصدر بيانا ضده بشكل فردي وأرجع إيقافه بيع النقد الأجنبي بشكل مؤقت إلى الضرورة القصوى بسبب توقف إنتاج النفط وتصديره وإقفاله للمنظومة المصرفية على مركزي بنغازي كإجراء احترازي.
ويقول مراقبون إن هدف محافظ المصرف المركزي من إيقاف المرتبات هو خلق ضغط شعبي على القبائل والجيش الليبي لإعادة فتح حقول النفط، إضافة إلى ادّخار الأموال لاستمرار الإنفاق على الحرب.
وتواصل حكومة الوفاق السيطرة على ثروات البلاد وتوزيعها وفقا للولاءات ومناطق النفوذ، ما يعمق الاحتقان الاجتماعي في البلاد التي تسيطر فيها الحكومة المحاصرة في طرابلس على عائدات ثروة نفطية هائلة متركزة في شرق البلاد وجنوبها.
وفي وقت تحذر فيه منظمة الصحة العالمية من تداعيات فايروس كورونا، تعاني المدن الليبية نقصا فادحا في التجهيزات الطبية والمرافق الاستشفائية.
وتعتبر ثروات ليبيا النفطية جوهر الصراع في ليبيا، إذ تستحوذ حكومة الوفاق على أغلب مواردها، ما استدعى تدخل القبائل الليبية في الشرق والجنوب لإغلاق هذه الحقول المحرومة من عائداتها. وتعتمد ليبيا في اقتصادها بشكل أساسي على إيرادات النفط كمصدر رزق وحيد للبلاد التي انزلقت في فوضى عارمة منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي منذ تسع سنوات.
وتعرضت المنشآت النفطية لعدة هجمات وأعمال تخريبية، لكن في منتصف شهر فبراير أغلقت قبائل في المنطقة الشرقية والوسطى موالية للجيش الوطني الليبي الحقول والموانئ النفطية متهمة حكومة الوفاق بإهدار ثروات الشعب على الحروب وجلب المقاتلين الأجانب.
ويعتبر إغلاق الحقول والمنشآت النفطية أخطر ضربة توجه لسلطات طرابلس منذ العام 2011، خصوصا وأنها ناتجة عن حراك شعبي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج والتصدير، والتي تتهم حكومة فايز السراج والأجهزة الخاضعة لها بتبديد إيرادات النفط في استجلاب المرتزقة وتهريب السلاح وتمويل الميليشيات وأمراء الحرب في محاولتها التصدي لتقدم الجيش الليبي، الذي يتشكل في أغلبه من أبناء تلك القبائل.
ويتمسك شيوخ القبائل بقرار غلق الحقول والمصارف والموانئ النفطية لحين تشكيل حكومة موحدة قادرة على حماية مقدرات الليبيين وضرورة وضع حد للعبث القائم بمؤسسات الدولة المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي وجهاز الاستثمارات الخارجية.
وطالب شيوخ القبائل الليبية الأمم المتحدة بسحب اعترافها بما يسمى المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة، في وقت يسيطر فيه الجيش الوطني الليبي على مناطق واسعة في مدن طرابلس.
وأيّد الجيش الليبي على لسان المتحدث باسمه عملية غلق الموانئ النفطية والحقول ومنع تصدير النفط. وكان القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر قد صرح خلال زيارته في وقت سابق إلى باريس، بأن “الجيش الوطني الليبي لا يستفيد ماليا من مبيعات النفط في شرق البلاد”.
وينذر تجاهل حكومة الوفاق للغضب الشعبي من سوء إدارتها لموارد البلاد المالية وتبديدها للأموال في استجلاب المقاتلين ونجدة البنك المركزي التركي (4 مليارات دولار وديعة) على حساب الداخل المأزوم، باندلاع احتجاجات اجتماعية هدد سكان طرابلس بتفجيرها إذا ما مضت الحكومة في اتباع سياسة تقشف قد تصل إلى رفع الدعم عن الوقود، وهو ما تتجلى ملامحه في خفض موازنة 2020 مقارنة بـ2019.
وأقرت حكومة الوفاق موازنة العام 2020 بإنفاق قدره 27.9 مليار دولار مقابل 33.67 مليار دولار للعام 2019. وفي وقت يعيش فيه الليبيون أوضاعا اجتماعية مأزومة، تمضي حكومة الوفاق في فرض موازنة تقشفية، تثقل كاهل المواطنين، في حين تصرف الأموال في دعم جبهات القتال بالمال والسلاح والمرتزقة.
ومن المتوقع أن تتصاعد الأزمة بين حكومة الوفاق وموظفي القطاع العام، بعد إقرار موازنة تقشفية تشمل التخفيضات في رواتب الموظفين وحجب المكافآت والعلاوات والتقليص في عدد موظفي القطاع العام، إلى جانب التلويح برفع الدعم عن الوقود.