السبسي.. سياسي مخضرم عايش تاريخ تونس المتقلب

الرئيس التونسي الراحل كان له دور محوري في إنقاذ تونس من السقوط في منعرج الفوضى والصدام مع الإسلاميين.
الخميس 2019/07/25
تاريخ سياسي حافل

تونس - حظي السياسي المخضرم، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي توفي الخميس عن 92 عاما، بسجل سياسي حافل يعود إلى النصف الأول من القرن الماضي.

وكان السبسي، المولود بضاحية سيدي بوسعيد الراقية بالعاصمة في عام 1926 وخريج كلية الحقوق في باريس عام 1950، شاهدا على بدايات تأسيس الدولة التونسية الحديثة إبان الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي في عام 1956، وقد تقلد عدة مناصب في حكومات متعاقبة منذ ذلك الحين.

كما أشرف على عملية الانتقال الديمقراطي في تاريخ مفصلي للدولة التونسية عقب الإطاحة بالنظام السابق.

فحين التقى ذلك المحامي الشاب مطلع الخمسينات بالرئيس السابق الحبيب بورقيبة، تأثر به أيما تأثر، وانخرط بسرعة في مشروع النضال الوطني، مؤمناً بالمضامين الوطنية التي كان يحرص بورقيبة ورفاق دربه على التشديد عليها.

وتاريخ السبسي كمحام وسياسي بدأ فعليا حينما كان عضوا بالحزب الحر الدستوري الجديد الذي ناضل ضد الاستعمار، كما كان مستشارا لبورقيبة، باني دولة الاستقلال وأول رئيس لتونس.

وقد ظل السبسي ينظر له حتى بعد وفاة بورقيبة عام 2000 كابنه الروحي وهو طالما كرر ذلك في خطاباته، على الرغم من مغادرته الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم في عام 1974 لتأييده الدعوات الى إجراء اصلاحات سياسية قبل أن يعود الى الحكومة في عام .1980

Thumbnail

ومع الزمن باتت القواسم المشتركة بين بورقيبة وقائد السبسي أكثر فأكثر، متيحة للأخير أن يتقلد مناصب سياسية كثيرة بعد الاستقلال، لكنها أيضا مكّنته من أن ينهل من المدرسة البورقيبية كل مبادئها.

وشغل السبسي طيلة فترة حكم بورقيبة حقائب وزارية مهمة، بينها أساسا الدفاع والداخلية والخارجية، وبعد صعود الرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى سدة الحكم في انقلاب أبيض عام 1987،انتخب في البرلمان وتولى رئاسته بين عامي 1990 و.1991

وبعد فترة توارى فيها عن العمل السياسي، عاد السبسي إلى الواجهة بتوليه رئاسة الحكومة المؤقتة إثر الإطاحة بحكم بن علي في ثورة شعبية عام 2011، ليقود البلاد إلى أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة في نفس العام والتي أفرزت فوز الإسلاميين بالحكم.

وأسس السبسي حزب حركة نداء تونس بعد ذلك بعام وكان الهدف التصدي لهيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي والحكم، وقد نجح في إزاحتهم من السلطة بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2014 وصعوده إلى الرئاسة بفوزه في الدور الثاني على حساب الرئيس السابق المنصف المرزوقي.

ويحسب للسبسي أنه ساهم في تجنيب تونس الانزلاق إلى الفوضى بتفادي الصدام مع الإسلاميين، في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في عام 2013 عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بأن انتهج سياسة التوافق مع زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي.

لكن الرئيس الراحل لقي انتقادات من داخل حزبه لتحالفه مع حركة النهضة في الحكم عقب انتخابات 2014 وكان ذلك أحد أسباب الخلافات التي عصفت بنداء تونس حيث شهد انشقاقات أدت إلى إضعافه وخسارته الأغلبية وانقسامه.

كما عُرف قائد السبسي بقاموسه السياسي الخاص، الحافل بمفردات يكررها ويواظب على استعمالها في خطاباته وتصريحاته ومواقفه. قاموس مشتق من لحظات تأسيس الدولة بعد الاستقلال، مفردات تشير إلى التشبث بالمؤسسات والتأكيد على هيبتها، وتؤشر على الوحدة الوطنية وضرورة الإيمان بالحوار، والبحث عن المشتركات الدنيا في العمل السياسي.