السباق إلى قصر المرادية يبدأ مبكرا في الجزائر

القضاء يزيح أحد المنافسين المحتملين لتبون في الانتخابات القادمة.
الخميس 2023/05/18
طموح سياسي يتبخر بقرار قضائي

حمل القرار القضائي المفاجئ بتمديد فترة سجن الجنرال المتقاعد علي غديري إلى ست سنوات، قبل أسابيع قليلة من انتهاء عقوبته السجنية التي هي أربع سنوات، شكوكا كثيرة لاسيما وأن الرجل كان يعد أحد المنافسين المحتملين للرئيس عبدالمجيد تبون في الانتخابات الرئاسية المنتظر إجراؤها نهاية العام المقبل.

الجزائر - بدأ التجاذب حول ساكن قصر المرادية في العام المقبل، يطفو على السطح، من خلال إعادة محاكمة واحد من الوجوه المرشحة له، وقطع الطريق أمامه بعقوبة لا تسمح له بمغادرة السجن إلا بعد عام من الاستحقاق. وأصدرت محكمة جزائرية قرارا برفع العقوبة السجنية بحق الجنرال المتقاعد والمترشح السابق لرئاسيات 2019 علي غديري إلى ست سنوات مع حرمانه من أي حقوق سياسية ومدنية لمدة عشر سنوات.

وجاء القرار القضائي المفاجئ قبل أسابيع قليلة من انتهاء مدة العقوبة بحق غديري، والتي كانت أربع سنوات، على خلفية اتهامات موجهة إليه بإضعاف الروح المعنوية للجيش وقت السلم قصد الإضرار بالدفاع الوطني. وتوجه الجنرال المسجون إلى القاضية التي نطقت بالحكم الجديد قائلا “هذه حملة انتخابية مبكرة”، في إشارة إلى الخلفيات السياسية التي تحوم حول الحكم المفاجئ وعلاقته بالاستحقاق الرئاسي القادم في البلاد.

وعلي غديري جنرال متقاعد من الجيش الجزائري العام 2015، وكان آخر منصب تولاه في المؤسسة هو مدير الموارد البشرية. وكان غديري سيخوض سباق الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة العام 2019 في مواجهة مرشح السلطة آنذاك الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي كان يطمح إلى ولاية رئاسية خامسة، قبل أن تنفجر احتجاجات الحراك الشعبي التي أجهضت المسار ودفعته إلى التنحي عن السلطة في ماي 2019.

◙ رفع العقوبة السجنية بحق علي غديري إلى ست سنوات مع حرمانه من أي حقوق سياسية ومدنية لعشر سنوات

ومن المفترض أن يغادر الجنرال غديري أسوار السجن منتصف يونيو المقبل، بعدما قضى عقوبة الأربع سنوات سجنا التي صدرت في حقه العام 2019، لكن محكمة الاستئناف طعنت في الأمر، وتم النطق بالحكم المذكور الذي انطوى على تصفية حسابات سياسية تستهدف إقصاء مبكرا لمرشح يمكن أن ينافس بقوة الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون.

والتمس النائب العام عقوبة عشر سنوات سجن نافذة في حق الرجل المحسوب على ما يعرف بـ”الدولة العميقة” المشكلة من فلول جهاز الاستخبارات السابق، كما يقضي شريك له في التهم الموجهة إليه عقوبة 12 عاما سجنا نافذا، ويتعلق الأمر بالناشط حسين قواسمية.

وذكرت تقارير محلية بأن الجنرال غديري تم توقيفه العام 2019 بدعوى المشاركة في منح معلومات إلى عملاء أجانب تتعلق بالاقتصاد الوطني، والمساهمة في وقت السلم في إضعاف الروح المعنوية للجيش قصد الإضرار بالدفاع الوطني، والتزوير واستعمال المزور في محررات إدارية، وانتحال صفة منظمة، وتلقي أموال من مصدر أجنبي بغرض الدعاية.

ومع قرب انتهاء مدة سجنه بموجب العقوبة السابقة، فإن أطرافا مناصرة لا تخفي رهانها عليه للترشح للانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام المقبل، خاصة وأن أنصاره كانوا يقدمونه في ثوب ضحية النظام السياسي الذي يتوجب التعاطف معه، لاسيما وأن العقوبة بالنسبة إليهم هي “تصفية حسابات سياسية”، لأنه كان يمثل مشروعا سياسيا مؤهلا لإحداث القطيعة بين تركة النظام وبين تطلعات المجتمع.

وسعى الفريق الدعائي للجنرال المسجون إلى مواكبة احتجاجات الحراك الشعبي في الأسابيع الأولى، بشكل يظهر تأييده للمطالب السياسية التي رفعت في الشارع الجزائري آنذاك، لكن توقيفه بإيعاز من قائد الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح بعثر أوراق الرجل والمناصرين له، قبل أن تبدد تماما مع الحكم الجديد الذي يزيحه تماما عن الساحة السياسية.

ويعد غديري من الكوادر النخبوية العسكرية التي تكونت وترقت داخل المؤسسة العسكرية، فإلى جانب رتبة اللواء، يحمل الرجل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية، وأبدى منذ العام 2018 طموحه لشغل المنصب الأول في الدولة، لكنه لم يكن يحظى بدعم أيّ ظهير سياسي وحزبي، وقرر حينها خوض التجربة كمرشح مستقل تدعمه “الدولة العميقة” والموالون لها في المجتمع المدني.

◙ 36 جنرالا يقبعون في السجون وآخرون في حالة فرار، ما يشكل مؤشرا على عدم الاستقرار داخل أعتى مؤسسات الدولة وأقواها

وبدا في ندوة الإعلان عن الترشح لاستحقاق العام 2019 واثقا من نفسه ومن قدرته على إقناع الجزائريين بضرورة ما كان يصفه بـ”القطيعة بين التركة القديمة وبين تطلعات المجتمع”، ولم يتخوف من أن منافسه حينها هو مرشح السلطة الرئيس الراحل بوتفليقة.

ويأتي التطور الجديد في قضية غديري بالتوازي مع قرار المحكمة العسكرية بالبليدة إحالة قائد الدرك السابق الجنرال عبدالرحمن عرعار إلى السجن المؤقت في انتظار محاكمته، على خلفية تهم تتعلق بالثراء غير المشروع ومخالفة أوامر مهنية، لينضم بذلك إلى لائحة تتشكل من أكثر من 30 جنرالا يقبعون في السجن بتهم مختلفة.

والجنرال عرعار هو ثالث قائد للجهاز الأمني التابع لوزارة الدفاع الوطني يحال على السجن، بعد كل من مناد نوبة والغالي بلقصير الفار إلى إحدى الجزر البريطانية، وكان قد أحيل على التقاعد العام 2021، غير أن ملفه ظل محل متابعة من طرف المصالح المختصة.

ومنذ انفجار قضية شحنة “الكوكايين” في ميناء وهران في ربيع العام 2018، دخلت المؤسسة العسكرية الجزائرية في حالة من اللااستقرار والتغييرات المستمرة في مختلف المناصب والمسؤوليات، حملت في البداية محاربة الفساد والممارسات السلبية، لكنها ارتبطت في وقت لاحق بتجاذبات النفوذ والحسابات السياسية والصراع على السلطة.

وذكرت صحيفة “الوطن”، المحلية الناطقة بالفرنسية، بأن 36 جنرالا يقبعون حاليا في السجون، إلى جانب العشرات من الضباط السامين بمختلف الرتب، وآخرون في حالة فرار، الأمر الذي يشكل مصدر قلق ومؤشر على عدم الاستقرار داخل أعتى مؤسسات الدولة وأقواها.

 

• اقرأ أيضا:

         النظام الجزائري يزرع الحقد.. فيحصد الخيبات

4