الزي الأمازيغي الجزائري يبحث عن فرص الخروج من بيئته التراثية إلى محيطات أوسع

المصممة مولاي زهرة تغامر بلمسات تفصيلية وجمالية تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
الاثنين 2023/07/17
أزياء تعكس الهوية الأمازيغية

يحضر التراث الأمازيغي وخصوصا على مستوى الأزياء بكثرة في الجزائر وتحديدا في منطقة القبائل، فهو انعكاس للهوية ولخصوصية المنطقة وأهاليها، وهو اليوم يبحث عن محاولات للخروج من بيئته والانفتاح على الأسواق الخارجية ولم لا ترويجه عالميا كجزء من الثقافة والهوية الجزائريتين.

الجزائر - تزخر الجزائر بتراث مادي ثري ومتنوع، وهو خلاصة حضارات وأجيال توارثته عبر الزمن، فلا يخلو أي بيت جزائري من قطعة أو غرض يحمل رمزية حضارية أو ثقافية، إلا أن اللافت هو الحضور القوي والانتشار الواسع للزي التقليدي القبائلي، أين يحتفى به حتى من طرف المكون غير الأمازيغي، لاسيما وأنه يتوافق مع الطابع المحافظ لغالبية الأسر الجزائرية.

ورغم تواجد البعد الأمازيغي في عموم الشمال الأفريقي وشمال الصحراء، فإن انتشار الزي الأمازيغي يظهر بشكل لافت في الجزائر لاعتبارات جغرافية وديمغرافية، خاصة مع المكاسب السياسية التي حققتها الثقافة الأمازيغية خلال العقود الأخيرة، فتكرس بذلك كرمز من رموز الهوية الوطنية، فيحضر في المناسبات والتظاهرات والاحتفالات الشعبية، وفي المجتمع بشكل عام.

والسيدة مولاي زهرة أصيلة بلدة بوجيماع بأعالي محافظة تيزي وزّو عاصمة القبائل الجزائرية، هي واحدة من الحرفيات والمصممات المتميزات، بعدما أخذت على عاتقها صهر الأصالة مع المعاصرة، من خلال الاهتمام برموز وأشكال الزي الأمازيغي، وتسويقه في بيئته المتوسطية والعربية والعالمية، مع الحرص على أدق التفاصيل والخصوصيات كالألوان والشكل والخطوط والمغزى الذي يقدم دلالات وخصائص الشخصية الأمازيغية المولعة بالألوان والطبيعة والرمزية.

عن البدايات التي كانت خارج التخصص الدراسي والتكويني، تقول الحرفية والمصممة زهرة إنها “من عائلة مولعة بفنون الخياطة والتطريز، حيث تناقلت الحرفة من الجدة والأم إلى الأخت الكبرى، ما أكسبني ذوقا واهتماما، رغم تخرجي من معهد التجارة الدولية، فإن سحر الأنامل وعشق الإبرة والخيط والاستسلام إلى الخيال عوامل جعلتني أغوص في الزمن والتراث، ودفعتني إلى إعادة دراستي من جديد وتخرجت من معهد خاص بالخياطة والتطريز، كما أن شغفي بأداء دور الناقل حضّني على الاهتمام بالزي الأمازيغي، والعمل على إعطائه بعدا إنسانيا خارج بيئته التراثية”.

عن مغامرتها بالاجتهاد في هذه الحرفة، عكس الكثير من الحرفيات والمصممات اللاتي يكتفين بتقليد واستنساخ الموجود، تقول زهرة “أنا لم أبق أسيرة البعد التراثي، بل اجتهدت لإضافة لمسة إبداعية لمواكبة الأذواق والرغبات، وحتى لا يقتصر لباس المنطقة على الجوانب التراثية في المناسبات والأفراح والتظاهرات، فرُحت أفكر في إدراج لمسات وخامات وخطوط وألوان، على أمل الوصول إلى توسيع استعماله، حتى في حياتنا اليومية، ولم لا في أوقات العمل الإداري والمؤسسات الرسمية، وهي الأمنية التي أراها الشرط الوحيد من أجل ديمومة البصمة الأمازيغية، باعتبارها الهوية الوطنية والوطن والتاريخ”.

شغف كبير

الزي القبائلي النسوي لازم، على مدى العصور الماضية، مختلف أعمار المرأة؛ فلكلّ من الفتاة والمرأة المتزوجة والمسنة زيها الخاص
الزي القبائلي النسوي لازم، على مدى العصور الماضية، مختلف أعمار المرأة؛ فلكلّ من الفتاة والمرأة المتزوجة والمسنة زيها الخاص

لأن الزي القبائلي يتضمن قطعا وأطقما للنساء كما للرجال مثل “البرنوس” الذي هو لباس رجالي، فإن المصممة زهرة ترى بأن “‘البرنوس’ هو رمز الشهامة لدى الرجل في الجزائر والمنطقة المغاربية عموما، فهو عبارة عن رداء يكون في الغالب ذا لون أبيض أو بني، يسدل على الكتفين ويطرز بالخيط، ويصنع من صوف النعاج، ويلازم الرجل في المناسبات والأفراح كالأعراس والأعياد، لكن استعماله تراجع في الآونة الأخيرة ليقتصر على مراسم العرسان في حفلات الزواج فقط ولتوقيت محدود جدا".

وتضيف “لأن خطر الانقراض يهدده بعدما صار لا يلتزم بارتدائه إلا المسنون فقط في القرى، فكرت في إحيائه من جديد بقطع عصرية ملائمة ولمسات تجمع بين الأصالة والمعاصرة حفاظا على هذا الموروث الاجتماعي والمعنوي، فهو رمز للستر والحياء، ولا تخرج العروس من بيت أهلها إلى بيت الزوجية إلا وهي ملتحفة به أو مغطاة تماما به، فضلا على أنه كان اللباس المفضل لرموز وشخصيات ثورة التحرير وعلماء الدين مثل عميروش وعبان وابن باديس وغيرهم”.

وبشأن الجبة القبائلية تقول زهرة إن أصول “تقندورت القبائل” بألوانها الزاهية وأشكالها المتعددة العاكسة للطبيعة وللجمال تعود إلى عهود غابرة، وحملت على مر العصور المتعاقبة لمسات وأفكار المرأة، لتصل الآن إلى شكلها المتداول حاليا، المعبر عن علاقة المرأة الأمازيغية بالطبيعة والأرض، وحتى المشاعر والخيال والانتماء الحضاري، ولذلك تبقى الوسائل التقليدية أساسية لتطريز الرموز والأشكال الأمازيغية.

تقول المصممة الجزائرية “من خلال تلك الجبّة، يمكن استخلاص أحاسيس ووجدان المرأة القبائلية، ففيها يمكن أن تعبر عن الغضب وعن الحب وعن المعاناة وعن الزهو، دون أن تبوح به كلاما منطوقا لزوجها أو لقريبها لأن للرجل مكانة لا تقبل المناقشة في المجتمع القبائلي ولطبيعة العلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل التي لها تقاليدها وتركيبتها الذكورية”.

إنقاذ من الانقراض

لل

وتضيف “للمرأة القبائلية خصوصيات وممتلكات مقدسة، على غرار صندوق المرأة أو ما يعرف الآن بالخزانة، ففيها تحتفظ بذكرياتها وأغراضها الثمينة التي ترمز إلى شخصيتها وحياتها، والجبّة واحدة منها”. وعن الرموز مختلفة الأشكال والألوان بين الدائري والمنكسر والمربع والمستقيم التي تتضمنها الجبة القبائلية، تقول زهرة “من خلال ذلك نحاول الربط بين الماضي والحاضر، وفي كل مرحلة ندرج إضافات جديدة، فالابتكار وتطوير الزي القبائلي هما التأشيرة التي ستخرجه من بيئته التراثية، وتجعله منفتحا على محيطه الأوسع”.

والتوفيق في هذه المعادلة من أعقد العمليات حسب مختصين، فالمصممة مطالبة بحساب لمساتها جيدا من أجل الحفاظ على ذلك الرصيد وجعله أكثر جاذبية وإقناعا للآخر، بدل الوقوع في الابتذال والميوعة التي تجعل الزي عاديا بلا رمزية ولا رسالة، فيفقد التنافسية مع الأزياء الأخرى سواء المعروفة في البلاد أو المنطقة عموما، ولو أن بوادر النجاح لاحت مع الاهتمام المتزايد والإعجاب الذي يحظى به الزي القبائلي في البيئتين المتوسطية والقارية، فكثيرا ما أثارت معارضه إعجاب شخصيات وفنانين كبار، حيث ارتدته دبلوماسيات وزوجات سفراء وهو مكسب كبير يفتح الآفاق لتسويق هذا المنتوج ثقافيا واقتصاديا وإيصاله إلى العالمية.

ألوان الزي القبائلي لا تقل في الغالب عن عشرة ألوان رئيسية تعكس طبيعة المكان والزمان، وأهمها الأصفر رمز الشمس

ومن أبرز لمسات زهرة في أعمالها الإبداعية إدراج الحرف العربي إلى جانب الرمز الأمازيغي في أشكال وتصاميم جديدة، مما أضفى عليها طابعا جماليا ترجم انصهار الحضارتين والهويتين في المجتمع الجزائري.

وللزي القبائلي العديد من القطع والاكسسوارات التي تكون طقما متكاملا ومتناسقا، على غرار “الفوطة” المزينة بمختلف الخطوط والألوان والتي تحاط حول خصر المرأة، وغرضها حماية الجزء الأكثر عرضة من الجبّة للمؤثرات المزعجة أثناء مزاولة أعمالها اليومية، فتؤدي دور المئزر في المطبخ، وهناك أيضا “المنديل” أو غطاء الرأس الذي يحمل مزايا وأشكالا وتطريزا مميزا يزيد من جمال صاحبته ويكمل تناسق قطع الزي القبائلي.

ولم يفرط الزي القبائلي النسوي على مر العصور في مختلف أعمار المرأة، فخص الفتاة بزيها وكذلك المرأة المتزوجة والعجوز المسنة، واهتم بجميع القطع والأعمار، فكما خص الفتاة والبنت الصغيرة والمتزوجة بأزياء معينة، خص العجوز أيضا بزيها المعروف بـ”الكتافية” في بعض المناطق الجزائرية، ذات القماش القطني، وهي جبّة تكون في الغالب ذات ألوان وأشكال زهرية صغيرة.

و”البثرور” هو أيضا حزام يصنع من عدة خيوط صوفية بطول يلف خصر المرأة ويفيض قليلا ليبقى متدليا بعض الشيء، على أن يتم ربط الخيوط على مرتين أو ثلاث وعلى مسافات متساوية، كما ينتهي الحزام بجمع رؤوس الخيط وفتحها فتعطي شكل الوردة الملونة.

وتقول زهرة إن “ألوان الزي القبائلي لا تقل في الغالب عن عشرة ألوان رئيسية تعكس طبيعة المكان والزمان، وأهمها الأصفر رمز الشمس، والأزرق رمز السماء والماء، والأخضر رمز الطبيعة وغيرها”.

14