الزيتون حارس الذاكرة في معرض الفوتوغرافي طارق الدجاني

سلسلة من الصور التي تنطوي على مناظر طبيعية سريالية جاءت بألوان زاهية ومطبوعات متقلّبة يدوية الصنع.
الثلاثاء 2024/12/03
الزيتون شاهد على المعاناة من أجل البقاء

عمّان- من بيت للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش يقول فيه “لو يذكر الزيتون غارسهُ.. لصار الزيت دمعًا،” استوحى المصور الأردني طارق الدجاني فكرة معرضه المنعقد حاليا في غاليري دار الأندى بعمّان.

ويتضمن المعرض، الذي يحمل عنوان “الزيتون: قدماء الزمن.. حرّاس الذاكرة”، لوحات تتسم بألوانها الزاهية ومطبوعات فوتوغرافية يمكن النظر إليها بوصفها تكريمًا لشجرة الزيتون التي أضحت رمزًا للصمود؛ فقد التقط الفنان مشاهد لعدد من الأشجار المعمّرة وقدمها كما لو أنها منحوتات أثرية ذات قيمة رمزية عالية.

ويحتفي الفوتوغرافي الأردني بمكونات الطبيعة، كما يتضح في أعماله التي كرست حضور الحصان العربي الأصيل، أو سلسلته التي اعتنت بإبراز مكانة الصقور في الوجدان العربي، ويمكن ملاحظة ذلك أيضًا في مشروعه الذي قدمه عن الزراعة. يقول الدجاني عن ذلك “أشعر بأنني مضطر إلى استكشاف هذا التاريخ بصريًا، لم أكن مهتمًّا بمنظور وثائقي، بل بتفسير فني يقوم على الخيال والمشاعر الحرة.”

وفي أعماله عن أشجار الزيتون يعكس طارق ظلال الرهبة والحزن معًا، حيث تقف الأشجار التي تعود جذورها إلى عصور ماضية، بمثابة تذكير بالصمود في وجه العدوان، وهي تمثل دعوة للنظر في علاقتنا بأشجار الزيتون “الرومي” في منطقة بلاد الشام، وتقديرها بوصفها من أقدم الكائنات الحية التي لا تزال تتشبث بالبقاء، وهي تقف بجذوعها الملتوية والمتشابكة، بصمت وبثبات، مثل حارس وفيّ للذاكرة، ومراقب فطن لحركة الزمن.

ووفقًا للفنان تشبه هذه الأشجار المعمرة “القادة الذين يجمعون أفراد مجتمعاتهم معًا، ويتعاونون على الحفاظ على إرثهم وعلى الخيط الذي يربطهم بماضيهم، وبهذا المعنى فهي لا توفر الغذاء الجسدي فحسب، بل الروحي أيضًا، وتربط الإنسان بشيء يتجاوز مجالات إدراكه وفهمه.”

ويطرح الدجاني في هذه السلسلة من الصور التي تنطوي على مناظر طبيعية سريالية جاءت بألوان زاهية ومطبوعات متقلّبة يدوية الصنع (نقش غائر)، سؤالًا جوهريًّا مفاده “لو كانت هذه الأشجار قادرة على الكلام، فماذا يمكن أن تقول؟ إذا وقفنا بينها وقمنا بتهدئة أذهاننا، فما الحكمة والمعرفة المنسيّة التي قد تنقلها إلينا؟”

◄ المعرض، الذي يحمل عنوان "الزيتون: قدماء الزمن.. حرّاس الذاكرة"، يتضمن لوحات تتسم بألوانها الزاهية ومطبوعات فوتوغرافية يمكن النظر إليها بوصفها تكريمًا لشجرة الزيتون
المعرض، الذي يحمل عنوان "الزيتون: قدماء الزمن.. حرّاس الذاكرة"، يتضمن لوحات تتسم بألوانها الزاهية ومطبوعات فوتوغرافية يمكن النظر إليها بوصفها تكريمًا لشجرة الزيتون

إن المتأمّل في الأعمال المعروضة وعددها 16، سيجد أنه يقف في مواجهة جملة من المشاعر المتقلبة والمتضادّة؛ الهدوء والرهبة، الحزن والفرح، الألم والأمل. وهذا ما عكسته أيضًا لوحات جاءت بالأبيض والأسود مركزةً على إبراز كل نتوء في الجذع مهما صغر، كأن يد الزمن نحتت فوقه تفاصيل من الحكايات التي مرّت عليه، ومنها ما بدا ملونًا مُظهرًا الشكل الكامل للشجرة في رسوخ جذورها وامتداد فروعها لتعانق الفضاء.

طارق الدجاني من مواليد الأردن عام 1965، حاصل على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في التصوير الفوتوغرافي والفن من جامعة ويستمنستر في لندن. ويعرف باشتغاله على العلاقة بين الإنسان والطبيعة وتفاعله معها، ويرصد في كل مرة ثيمة مختلفة يقدمها في سلسلة من الصور تشبه البحث البصري الذي يرصد تطور علاقة الإنسان ببيئته على امتداد التاريخ.

ويقول حول تجربته الفنية “عندما أنجذب إلى عمل فني، أعرف بشكل غريزي ما الذي يجعلني أشعر به. لذلك أدرك أنني أتفاعل عاطفيًّا قبل أي أفكار عقلانيّة حول ماذا وكيف ولماذا. وهذا يخبرني أن الفن بالنسبة إلي هو في المقام الأول تجربة عاطفية،” مؤكدًا أن “ما أسعى إليه هو الجمال والبساطة، والاحتفاء بالجماليات، وإسكات الضجيج، وتجاوز الحقائق اليومية الدنيوية. أحاول السماح لأجزاء من الذكريات والمشاعر بأن تغذي التجارب الحالية، وأن تستكشف ما يتردد صداه في داخلها،” ومضيفًا “أريد أن أعبّر عن شعوري، وليس مجرد نقله كما هو.”

ويركز الدجاني الذي عاش معظم حياته في أوروبا على ثيمة عمق الجذور العربية. وبموازة بحثه عن التميز التقني فيما يقدمه من أعمال، يسعى إلى تقديم المحتوى العاطفي الذي يثري الأعمال البصرية ويمنحها عمقًا في المعنى.

يقول عن ذلك “لقد وُلدت في إنجلترا لأب فلسطيني وأم إنجليزية، وقضيت سنوات تكويني متنقلا بين دول مختلفة في الشرق الأوسط وأوروبا. لقد شكل هذا التنوع في الثقافات والتقاليد فهمًا معينًا لبيئتي واستجابة عاطفية لها. لقد أدركت منذ ذلك الحين أن السؤال الرئيسي الذي يشغلني في الحياة، ربما مثل كثيرين آخرين، هو: مَن أنا في هذا العالم ولماذا أنا هنا؟”

وحول طبيعة الأعمال التي يقدمها يقول “في وقت سابق من حياتي انتقلت من الفن البصري إلى الموسيقى كمنفذ للتعبير الإبداعي. عدت لاحقًا إلى الصور واستقررتُ على التصوير الفوتوغرافي. على مر السنين، تعلمتُ حرفتي من خلال العمل كفنان ومصور تجاري لوكالات الإعلان والتصميم في لندن وستوكهولم ودبي. لقد وجدت تدريجيًّا أسلوبًا شعرت بالراحة فيه وآمل أن يتحدّث بالحقيقة والعاطفة التي كنت أبحث عنهما.”

أما عن تجربته العملية وأبرز الانعطافات فيها التي قادته نحو الفن، فيقول “بينما كان تعليمي السابق في العلوم والهندسة، عدت لاحقًا في حياتي إلى دراسة الفن والتصوير الفوتوغرافي في جامعة وستمنستر. وفي الوقت نفسه بدأت العمل مساعدًا فوتوغرافيًّا لعدد من مصوري الإعلانات في لندن. لقد غذّت الأكاديمية عقلي وإبداعي، وعلمني المصورون الإعلانيون مهارات التصوير الفوتوغرافي الفنية. لقد زودني تجميع هذه العناصر معًا بالوسائل اللازمة للقيام بالأشياء التي كنت مهتمًّا بها.”

وحول سلوكه هذا المسار الفني واهتمامه بالأعمال التي تجمع بين فن الفوتوغرافيا/ التصوير والطباعة، يقول “أفترض أن سبب ذلك ببساطة هو أنّ لدي حاجة أيضًا. لو كنت موسيقيًّا، فستكون موسيقى. وبما أنني مصور فوتوغرافي وصانع مطبوعات، فأنا ألتقط الصور للتعبير عن شيء لا أستطيع التعبير عنه بطريقة أخرى.”

14