الزواج السري يبدو حلا سهلا للشباب رغم إدانة المجتمع

القاهرة – انتشرت حالات الزواج السري في المجتمعات العربية، بحسب المختصين والباحثين الذين يرون أن لها أسبابا اجتماعية ونفسية يمكن دراستها وإيجاد حلول مناسبة لها لمساعدة المتزوجين سرا وخاصة منهم الشباب على تأسيس حياة صحية في المجتمع، وليس العيش في ما يشبه الحياة الخفية بعيدا عن الأهل والأصدقاء.
لم يعد الزواج السري في المجتمعات العربية يقتصر على حالات قليلة منتشرة في بيئات اجتماعية معينة، بل أصبح ظاهرة تسجل تصاعدا ملحوظا بالرغم من أنها من المواضيع المسكوت عنها. ويعتبر كثيرون هذا النوع من الارتباط حلا ممكنا لظروفهم الخاصة التي تمنعهم من الزواج المعلن ويتعلل الشباب منهم بتطور نمط الحياة والعلاقات بين الشباب وأيضا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة والتي تحول دون أن يتوجوا علاقاتهم العاطفية بمراسم زفاف عادية، فيما يراه آخرون حلا للحفاظ على علاقة عاطفية يريدونها في حياتهم رغم الموانع الشخصية والعائلية وغيرها.
ويتخذ الزواج السري أشكالا وعناوين متنوعة في المجتمعات وفقا للثقافة السائدة، فهناك من يعتمد الزواج العرفي أو الزواج على الطريقة الشرعية دون وثائق مدنية، وغيرهما من الأشكال، المهم أن يكون زواجا يضمن السرية للعلاقة.
يقول أحمد رضا (25 عاما) “الكثير من الناس يناقشون الزواج السري وكأنه خطيئة، ويتجاهلون أن أغلب العلاقات بين الشباب الآن أصبحت حرة، بمعنى أنها على نمط الحياة في المجتمعات الغربية المفتوحة، لكنها أيضا غير معلنة”. ويتساءل أيهما أفضل “زواج سري أم علاقة مشبوهة؟”.
ويرى رضا أن واقع المجتمع لا يوفر مجالات لتحقيق الأحلام الرومانسية وأن الحب أصبح عاطفة شبه مفقودة، فأصبحت مسألة العلاقة بين اثنين إما زواجا وإما علاقات عابرة لأن الزواج ليس سهلا كونه يتطلب وضعا ماليا جيدا واتباع عادات وتقاليد صعبة مجاراتها من ناحية التكاليف المرتفعة جدا مثل توفير الشقة والشبكة والمهر. وتحكي طالبة جامعية عن تجربة زميلتها في الجامعة فتقول إنها أحبت زميلا لها في الجامعة ولكنه لا يملك شيئا، وقررا أن يناقشا الأمر مع الأهل فإذا بوالدها يرفض استقبال زميلها لأنه مازال طالبا وأهل الشاب أيضا رفضوا فكرة أن يتقدم لخطبتها، فكان الزواج السري الحل الذي بدا لهما مناسبا لوضعهما.
ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية ماهر الخطيب “لقد تعرضنا في الكثير من البحوث إلى مناقشة العلاقة الحقيقية بين الشاب وبين المجتمع وملامح الاتصال والانفصال بينهما، واكتشفنا أن الشباب يعاني من عدم انسياب لطاقاته بسبب صعوبة مرورها في قنوات سوية، فلا إشباع الشاب لذاته يتم، ولا المجتمع قادر على توظيف واستغلال طاقاته، ومع الضغوط والإحباطات المتكررة السريعة التي يعيشها الشاب، ومع زيادة المشاكل التي لا تبدو أمامه حلول لها، وبتزايد المشكلات النفسية والجنسية للشباب، بجانب الانخفاض الملحوظ في ممارسة الشباب للأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية والترفيهية فإن الشباب قد يقدم على الزواج السري أو العرفي لأنه لم يجد حلا لمشاكله المادية”.
ويضيف ماهر موضحا أن هذه النوعية من المشاكل لا تخص الشباب وحده، فالأزمات الاقتصادية وهشاشة الوضع المالي أو الاجتماعي تعد مشاكل عامة تؤثر على الجميع، لكنها أكثر تأثيرا على الشباب، لأنهم يحاولون بناء ذواتهم والحصول على تعليم عال ومركز اجتماعي مرموق، ولكن هناك إحباطات كثيرة تواجههم، مثل البطالة والغلاء الفاحش والإرهاب وتراجع القيم الأخلاقية وانهيار عادات وتقاليد جميلة في أسرنا ومجتمعنا إلى درجة فقد الشباب الثقة في كل شيء ووجد نفسه وحيدا يواجه مشاكله دون سند أو معين له.
كثيرون يرون الزواج السري خطيئة، ويتجاهلون أن أغلب العلاقات بين الشباب أصبحت حرة، على نمط الحياة في الغرب
ودعا المختص الاجتماعي إلى ضرورة مساهمة الجهات الرسمية، من بينها وزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة والتربية والإعلام، في العمل على حل مشاكل الشباب ومناقشتها بحرية حتى لا يلجأ أحدهم إلى الزواج السري أو يقترف شيئا لا يناسب مستقبله وانتماءه وعائلته ويمس بأعراف المجتمع.
ومن وجهة نظر أستاذ علم النفس يحيى الموجي، فإن بعض الشبان يسلكون ما يعرف بخالف تعرف، بمعنى الإقدام على سلوكيات وتصرفات يرفضها المجتمع، فيحاول هؤلاء الشباب الخروج من أحكام وعادات المجتمع ويكافحون للخروج من نمط تفكير الأهل الذي يفرض عليهم أن يكون الزواج قائما على الشكل الاستهلاكي المتعارف عليه، مثل تجهيز الشقة كاملة واتباع تقاليد الزواج المتعارف عليها من شبكة ومهر وكل التفاصيل.
وهذا لا ينفي وجود نماذج لشباب متحررين يبدأون حياتهم من الصفر حتى في الأجيال السابقة واستغنوا مثلا عن الشقة بكل مستلزماتها واكتفوا بما استطاعوا توفيره من مستلزمات الحياة، ونجد اليوم أيضا شبابا يختارون ويصممون على اختياراتهم ويكافحون من أجلها، لكن الإقدام على فكرة الزواج السري هو حل يبدو سهلا غير أنه في الحقيقة صعب جدا ولا يدوم رغم أنه حل سريع التطبيق، وقد يضع المجتمع والعائلة في وضع يجبرون من خلاله على دفع ثمن خياراتهم وقد يكون الندم نهاية الكثير منهم.
وتعتبر الخبيرة في علم الاجتماع أمينة عبدالعزيز، أن الظواهر الاجتماعية المتعلقة بجيل الشباب ينظر إليها للأسف بمنطلق من اثنين؛ إما “الإدانة” وإما “التفهم”، وتوضح قائلة “لكن أخشى أن كثيرين يقفزون إلى الإدانة قفزاً دون أدنى محاولة للتفهم، فإذا كانت لدى المجتمع الشجاعة قد يعترف بأن الواجب هو إدانة نفسه قبل أن يدين العناصر التي تبدو متمردة من جيل الشباب”.
وتشير عبدالعزيز إلى أن المطروح هنا هو مسألة الألفة في العلاقة بين الرجل والمرأة، فإذا كان المجتمع في ظل قيمه الأخلاقية والدينية وثقافته السائدة عموما يدعو الشباب إلى أن يتم ذلك من خلال الزواج فإن على هذا المجتمع نفسه أن يتكفل بتكلفة هذا الزواج. ففي ظل الحياة الحديثة تتكلف مؤسسة الزواج مبالغ هائلة أي تلزمها ميزانية ضخمة “على الأقل لإيجاد سقف يعيش تحته الزوجان”.