الزمن يعود بدارفور إلى الوراء.. عودة الرسائل الخطية مع انقطاع الاتصالات

النزاع في السودان يأخذ بعدا تصعيديا جديدا ويتسبب في انقطاع خدمتي الهاتف والإنترنت.
الخميس 2023/09/07
بانتظار أخبار عن ذويهم

دارفور (السودان) - عادت الرسائل المكتوبة باليد لتصبح وسيلة التواصل في دارفور، بعد توقف خدمتي الهاتف والإنترنت بسبب الصراع الجاري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

هذه الرسائل لا يحملها ساعي بريد كما في الماضي وإنما ينقلها سائقو حافلات النقل المشترك.

وغادر أحمد عيسى منذ أيام عدة مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور حيث عاش طوال حياته وترك خلفه الكثير من الأقارب والأصدقاء.

اليوم وقد صار في مأمن في بلدة الضعين الواقعة على بعد 150 كيلومترا شرق نيالا، جلس في مقهى صغير ليكتب رسائل من أجل الاطمئنان عليهم.

أحيانا تصل الرسالة إلى الشخص المعني بعد أسبوع، وحتى لو تسلمها ليس هناك ما يضمن الرد عليها

يقول عيسى البالغ 25 عاما “نحن سكان مدينة نيالا كنا نجد صعوبة أصلا في التواصل مع الناس في الأحياء الأخرى منذ بداية المعارك”.

وصار تبادل المعلومات عن أحوال الأهل والأصدقاء أكثر صعوبة في إقليم دارفور الواقع في غرب السودان والذي يعيش فيه ربع السكان البالغ عددهم الإجمالي 48 مليونا، وكان مسرحا لحرب أهلية دامية قبل عشرين عاما.

ويتابع عيسى “أحيانا تصل الرسالة إلى الشخص المعني بعد أسبوع وحتى لو تسلمها ليس هناك ما يضمن أنه سيتمكن من الرد هو الآخر برسالة خطية”.

ذلك أن الطرقات المؤدية إلى نيالا مليئة بالعثرات. فبعد الجنينة عاصمة غرب دارفور التي أصبحت في يونيو شاهدا على عودة العنف الإثني إلى الإقليم، باتت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع تتركز الآن في نيالا.

وخلال عشرة أيام في أغسطس، فر أكثر من 50 ألف شخص من مدينة نيالا ثاني أكبر مدن السودان من حيث عدد السكان بعد الخرطوم، وفق الأمم المتحدة. كذلك، قتل العشرات من المدنيين ولم تعد شبكات الكهرباء والمياه تعمل ما يعد كارثة في مدينة كان ربع سكانها يعتمدون أصلا قبل الحرب على المساعدات الإنسانية، بحسب المنظمة الدولية.

والأحد، أخذ النزاع بعدا تصعيديا جديدا في نيالا. فللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في أبريل، انضم سلاح الجو إلى المعارك. وقصفت الطائرات الحربية أحياء سكنية عدة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، على ما قال سكان لوكالة فرانس برس.

وعلى منصة إكس (تويتر سابقا)، كتب الناشط الحقوقي أحمد قوجا الذي خرج من نيالا ولكنه يحاول تسليط الضوء على المجازر التي ترتكب في المدينة، إن الأخبار تصل “بالقطارة ومتأخرة كثيرا”.

وقبل أسبوع، نشر عبر المنصة نفسها خبر مقتل “خمس أسر بكامل أفرادها” بسبب المعارك.

تبادل المعلومات عن أحوال الأهل والأصدقاء أصبح أكثر صعوبة في إقليم دارفور الواقع في غرب السودان

وكتب كذلك أنه بقي “16 يوما بلا أخبار عن أسرته الموجودة في نيالا”، موضحا أنه تلقى بعد ذلك رسالة من “أحد أشقائه” الذي وصل إلى الضعين حيث وجد شبكة إنترنت.

وتابع الناشط “إننا نموت كل لحظة نمضيها بلا أنباء عن أسرنا ولا نحلم إلا بشيء واحد وهو أن نعرف كيف حال أهلنا وأصدقائنا”.

ومنذ عدة أسابيع، يتوافد على مكتب السفر الذي يملكه سليمان مفضل في الضعين عدد كبير من الأسر التي ترغب في معرفة أي أخبار عن ذويها الذين لم يتمكنوا من الخروج من نيالا.

ويقول مفضل لوكالة فرانس برس “مع انقطاع الاتصالات، عاد الناس إلى كتابة الرسائل الخطية للاستفسار عن أحوال ذويهم”، وهو يمسك بالأظرف المكتوب عليها بعناية العناوين في نيالا والتي يقوم بإرسالها مع السائقين المتوجهين إلى هذه المدينة. ويوضح أن السائقين “غالبا ما يوزعون خطابات” لدى عودتهم من نيالا.

ويشرح أنه بمجرد أن تصل الرسالة إلى صاحبها في نيالا “يكتب على الفور ردا ويسلمه للسائق”.

ويتعين على السائق بعد ذلك أن ينجح في الخروج من المدينة وهي رحلة صعبة تحت القصف خصوصا في ظل موسم الأمطار الذي غالبا ما يؤدي إلى تعطل حركة السير على طرقات عدة.

5