الزلزال يرهق كاهل تركيا بأعباء اقتصادية أكثر ثقلا

الحكومة أمام تحدي توفير التمويلات لإعمار 11 محافظة منكوبة تسهم سنويا بتسعة في المئة من النمو.
الاثنين 2023/02/20
من سيمولكم لتنظيف هذا الخراب؟

يجد المسؤولون الأتراك أنفسهم في موقف ضاغط للغاية لإعادة إعمار المحافظات التي دمرتها أقسى كارثة طبيعية تتعرض لها البلاد، في وقت يمر الاقتصاد بمحن متعددة أصلا تُجمّلها البعض من المؤشرات الإيجابية ظاهريا دون أن يرى الناس آثارها واقعيا.

إسطنبول - يتحتم على تركيا الآن بعدما كانت تعول على سخاء البعض من الشركاء الأثرياء لتحسين أوضاعها الاقتصادية، أن تواجه تداعيات كارثة الزلزال، التي دمرت العشرات من المدن في السادس من فبراير الجاري تاركة الملايين من الأشخاص بلا مأوى ولا عمل.

وستضطر الحكومة التركية الآن لتخصيص المليارات من الدولارات لإعمار 11 محافظة في الجنوب والجنوب الشرقي، لحقها دمار هائل جراء أسوأ كارثة في تاريخ البلاد المعاصر.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أمر بمنح الملايين من الليرات التركية للمواطنين المتضررين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في منتصف مايو المقبل.

وقد يؤدي ضخ كل هذه المبالغ إلى تحفيز الاستهلاك والإنتاج الصناعي، وهما مؤشران أساسيان للنمو الاقتصادي، لكن الواقع أن تركيا تعاني شحا في الأموال نتيجة مخلفات الحرب في شرق أوروبا وقبلها الأزمة الصحية.

ومع أن الليرة ظلت في سقوط حر أمام الدولار الأميركي خلال تلك الفترة، إلا أن أنقرة تمكنت من إعادة تشكيل احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة بعدما كاد ينفد، بفضل مساعدة روسيا ودول الخليج العربي وفي مقدمتها الإمارات والسعودية.

لفانغو بيكولي: قطاع السياحة يبقى بمنأى نسبيا عن التضرر من الكارثة
لفانغو بيكولي: قطاع السياحة يبقى بمنأى نسبيا عن التضرر من الكارثة

لكن خبراء الاقتصاد يوضحون أن هذه الأموال بالكاد تكفي للحفاظ على التوازن المالي ومنع العملة المحلية التي تواجه وضعا صعبا من الانهيار، وذلك حتى موعد الانتخابات إن لم يتم تأجيلها.

وسيكون أردوغان مضطرا الآن إلى إصلاح أضرار بقيمة 84.1 مليار دولار بحسب تقديرات اتحاد الأعمال والشركات التركي، وهي أكبر من تقديرات مجموعة من رؤساء الشركات الكبرى عند 80 مليار دولار، فيما تقارب تقديرات خبراء آخرين 9.4 مليار دولار.

وتحسبا للانتخابات، وعد أردوغان بتوفير مساكن جديدة للملايين من المتضررين في غضون سنة. وقد تبدو تلك الفترة الزمنية مبالغا فيها. وتقدر وزارة التطوير العمراني أن حوالي 84.7 ألف مبنى انهار أو تضرر كثيرا.

وفي حال تمكنت أنقرة من توفير الأموال بفضل مانحين أجانب جدد، سيتحتم على الرئيس التركي تخصيص قسم كبير منها للبناء والتشييد من أجل إعمار أجزاء كاملة من البلاد هدمت تماما.

ولطالما اعتمد أردوغان في السابق على هذا القطاع الذي تُوجه إليه اليوم أصابع الاتهام باعتباره مسؤولا عن انهيار مبان سكنية كثيرة نتيجة مخالفة معايير البناء المقاوم للزلازل.

وكان التطوير العقاري أساسيا في تحديث قسم كبير من البلاد وفتح مطارات وشق طرق وبناء مستشفيات ومدارس، وكذلك بناء وحدات سكنية ببلد يتجاوز عدد سكانه الثمانين مليون نسمة.

باكي دميريل: من الواضح أن البلاد ستحتاج إلى عملات أجنبية كثيرة
باكي دميريل: من الواضح أن البلاد ستحتاج إلى عملات أجنبية كثيرة

واعتبر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في بيان مؤخرا أن “أعمال إعادة البناء قد تعوض إلى حد بعيد عن الوطأة السلبية للزلزال على النشاط الاقتصادي”.

وقبل هذه الكارثة كانت المنطقة المتضررة تساهم في الاقتصاد التركي بمستوى 9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلد، ولاسيما من خلال مناطق صناعية كبرى في غازي عنتاب ومرفأ إسكندرون الذي تمر عبره منتجات المنطقة المصدرة إلى العالم.

وكذلك، ستطال الصدمة الإنتاج الزراعي. ولفتت أوناي تامغاك أستاذة الاقتصاد في جامعة توب للاقتصاد والتكنولوجيا في أنقرة إلى أن المنطقة تؤمن 14.3 في المئة من المحاصيل المحلية بما في ذلك منتجات الصيد والغابات.

وما يؤكد هذا القلق هو إطلاق منظمة الأغذية والزراعة (فاو) تحذيرات من ظهور بلبلة في الإنتاج الغذائي الأساسي في تركيا وسوريا، مما يضغط على البلدين بشكل أقسى وسط التكاليف التي رفعتها الحرب في أوكرانيا إلى مستوى جنوني.

وبحسب تامغاك التي تحدثت إلى وكالة الصحافة الفرنسية، فإن الزلزال طال أيضا البنى التحتية الخاصة بالطاقة والمواصلات وقنوات الري، وهذا أيضا يدعو للقلق.

ويراجع البعض الماضي محاولين إيجاد نموذج يمكن اتباعه غير أن محمود محي الدين المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي اعتبر أن العواقب الاقتصادية للزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات لن تكون بمستوى أضرار الزلزال الذي ضرب البلد في 1999.

وسارعت المؤسسة المالية المانحة إلى التوضيح أن المسؤول كان يتكلم بصفة شخصية، ما يعني أن هذه الكارثة قد تكون مخلفاتها الاقتصادية أشد وقعا.

14.3

في المئة من المحاصيل الزراعية بما في ذلك منتجات الصيد والغابات تؤمنها المحافظات المدمرة

وخسر الاقتصاد التركي في الزلزال السابق ما بين نصف نقطة مئوية إلى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما طال قلب تركيا الصناعي، بما فيه عاصمتها الاقتصادية إسطنبول.

غير أن الاقتصاد انتعش بسرعة وسجل اعتبارا من العام 2000 نموا بنسبة 1.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بفضل جهود الإعمار، بحسب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وجاء في مذكرة شاركها ولفانغو بيكولي المحلل في مكتب تينيو للاستشارات أن القطاع السياحي الذي “أصبح من المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية لتركيا” سيبقى بمنأى نسبيا عن الأضرار إذ أن المنطقة المنكوبة ليست القبلة الأولى للسياح الأجانب في البلد.

ومع ذلك سيظل الاقتصاد التركي بشكل عام معرضا للرياح المعاكسة ما قد يعيق النمو خلال العام الحالي، حيث أن تنفيذ أي من الخطط يحتاج إلى الكثير من الأموال وربما الكثير من الاستثمارات.

وقال باكي دميريل أستاذ الاقتصاد في جامعة يالوفا بهذا الصدد لوكالة الصحافة الفرنسية “من الواضح أن البلاد ستحتاج إلى عملات أجنبية”، مشيرا إلى أنه سيتحتم على تركيا زيادة الاستيراد.

غير أن الحكومة لديها هامش مناورة بسيط، حيث أن الدين السيادي التركي ضعيف نسبيا، ما قد يتيح لها الاقتراض إما بطرح سندات أو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

ويقاطع المستثمرون الأجانب البلاد بسبب السياسة الاقتصادية التي يتبعها أردوغان والمخالفة للنهج التقليدي، والتي قضت بخفض معدلات الفائدة بانتظام، ما تسبب بارتفاع حاد في التضخم.

وعند وقوع الكارثة، كانت تركيا أعلنت للتو عن نسبة تضخم رسمية بقيمة 58 في المئة بالمقارنة مع أكثر من 85 في المئة بنهاية العام الماضي.

11