الزلزال سرق الفرحة من قلوب العائلات التركية بقدوم شهر رمضان

آديامان (تركيا) - يتجمع أفراد أسرة كابلان، وهو اسم تركي يعني النمر، حول طاولة مستديرة معدة على أرضية الخيمة التي يقيمون بداخلها، لتناول أول وجبة إفطار في شهر رمضان لهذا العام، بمدينة آديامان التركية، بينما يأتي صوت آذان المغرب من بعيد.
ويوزع رب الأسرة أكرم أرغفة الخبز، بينما تصب الأم آسلي الماء في أكواب وتقدمها لطفليها، ويخيم الصمت على الخيمة باستثناء أصوات خافتة تلهج بالدعاء بالرحمة، لأولئك الذين فقدوهم في الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا الشهر الماضي.
وأدى الزلزال إلى مقتل عشرات الآلاف من سكان مدينة آديامان وحدها، والكائنة في جنوب شرقي تركيا، بينما أصبح كثيرون بلا مأوى.
وبعد مرور ستة أسابيع على الكارثة، لا تزال هذه المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها 310 آلاف نسمة غارقة في الحزن، وغادرها الكثير من الأفراد، بينما لا يزال الذين بقوا فيها يعانون من مصاعب جديدة، حيث يقيمون في ملاجئ مؤقتة، وهم يستقبلون شهر رمضان المعظم.
قائمة طعام الإفطار متواضعة هذا العام، لأنه لا يوجد الكثير من الطعام الذي يمكن وضعه على المائدة
وفي مشهد يتناقض إلى حد كبير مع البهجة المعتادة، المصاحبة لتناول الإفطار في تجمعات تسودها الألفة، فإن أول وجبة في شهر رمضان لهذا العام، سادها جو من التجهم، حيث انشغل الكثيرون بالتفكير في ظروف حياتهم الجديدة.
ويعبر عن هذه الحالة أكرم بقوله “لم أكن أتخيل على الإطلاق أن نستقبل رمضان بهذا الوضع، وبقلوب أثقلها الحزن، وكنت أتمنى أن تشاركنا شقيقتي وأبناؤها تناول الإفطار في أول يوم من الشهر الكريم”.
لم يستطع أكرم أن يمنع دموعه من الانهمار، بعد أن تذكر العديد ممن فقدهم، من أصدقائه وزبائنه في محل الحلاقة الذي صار مغلقا الآن.
توفيت شقيقة أكرم وأبناؤها الأربعة في الزلزال، وهو يقوم بزيارة قبورهم كل يوم، حيث يروي الزهور وينظف شواهد القبور، بعد أن وضع عليها وشاح شقيقته ولعب أطفالها.
وفي مكان آخر تتجه بعض الأسر بما فيها أسرة أكرم، لمشاهدة ذبح مجموعة من الخراف والماشية، لإمداد الفقراء باللحوم ترحما على موتاهم، وهي عادة رمضانية محلية.
وفي الظروف العادية، اعتادت آديامان، التي تعد مدينة متدينة تموج بالحيوية في إقليم الأناضول، أن تستعد لاستقبال شهر رمضان في وقت مبكر، وسط جو احتفالي يعم الجميع.
وفي أسى تعلق آسلي زوجة أكرم على هذا الوضع المؤلم، فتقول “سنفتقد بالتأكيد الاحتفاليات الدينية والثقافية هذا العام”.

وتتذكر آسلي البهجة التي كانت تنتاب السكان، عندما يقوم المسحراتية الذين يرتدون الأزياء العثمانية، بالمرور وسط الأحياء وهم يدقون الطبول، لإيقاظ السكان لتناول السحور.
وعندما ينطلق صوت آذان المغرب ومدفع الإفطار التقليدي، كان من المعتاد أن تتجمع أسر في مختلف الأحياء، لتناول طعام الإفطار بشكل جماعي.
ولكن هذا العام لا يزال ذلك الإقليم يتعرض لهزات أرضية، كانت قوة آخرها تبلغ 5.3 درجة على مقياس ريختر، وحثت هيئة الشؤون الدينية التركية “ديانت” السكان على التبرع لمساعدة 11 مدينة ضربها الزلزال.
وتدفق متطوعون من مختلف أنحاء تركيا على المنطقة، لدعم جهود الإغاثة، ومن بينها منظمة “آيز ديرنييه” الخيرية من محافظة إسكيشير، التي تبعد عن المنطقة المنكوبة بمسافة 990 كيلومترا من جهة الغرب.
ووزع أفراد من المنظمة صناديق تحتوي على وجبات للأسر، في أول يوم إفطار في رمضان، وبعد الإفطار يرتدي البعض من المنظمة الخيرية ملابس المهرجين لإبهاج الأطفال، ومشاهدة أفلام الرسوم المتحركة معهم، وذلك في فناء مدرسة محلية، وقريبا من المكان تتناول أسرة إردم الشاي في خيمتها.
وتقول زيليها ربة الأسرة “قائمة طعام الإفطار متواضعة هذا العام، لأنه لا يوجد الكثير من الطعام الذي يمكن وضعه على المائدة”. وتضيف أنها كانت تقوم في ما سبق من أشهر رمضان، بتنظيف بيتها وتزيينه والتسوق وطهي أطعمة وحلوى خاصة.

وظلت أسرة إردم تدخر المال طوال 12 عاما، حتى تمكنت من شراء شقة خاص بها لأول مرة في حياتها، ولكن سعادتها لم تستمر طويلا، فقد انهار المبنى السكني في غمضة عين من جراء الزلزال.
ومن ناحية أخرى استولى ابنها طه البالغ من العمر 17 عاما، على قلوب الأتراك في مختلف أنحاء البلاد، عندما أعد مقطع فيديو أثار تعاطف المشاهدين، معتقدا بأنه الأخير في حياته، بينما كان يرقد محبوسا تحت الأنقاض، في السادس من فبراير الماضي، غير أنه تم إنقاذه بعد ذلك بساعات.
وقال طه في مقطع الفيديو الذي استغرق ثلاث دقائق وأعده بهاتفه المحمول، “أعتقد أنني سأفارق الحياة، فالموت يأتي بغتة، وأنا الآن أشعر بالندم للأخطاء التي ارتكبتها في حياتي”.
وأوضح طه أن أحد الأخطاء التي يندم عليها، هو عدم استذكاره دروسه جيدا استعدادا لامتحانات الجامعة، وقال لوكالة الأنباء الألمانية إنه يحلم حاليا بأن يصبح طبيبا نفسيا ليساعد الأشخاص الذين يتضررون من الكوارث.
وأضاف “أريد أن أخبر الناس بأنه يوجد على الدوام شعاع أمل، حتى في أحلك اللحظات، مثلما رأيت من تحت الأنقاض”.