الزلازل لا تؤثر في امبراطورية فيسبوك

نتائج أعمال فيسبوك حققت أرباحا تفوق التوقعات، بما يُوضح أن المعلنين الرقميين مازالوا ينفقون الأموال بسخاء على الخدمة بهدف الوصول إلى العملاء.
السبت 2019/02/02
زوكيربرغ استحدث منتجا ينمي سلوكا إدمانيا

تغلبت شركة فيسبوك على الأزمات التي لاحقتها طيلة العامين الماضيين، وهي تحتفل بذكرى تأسيسها الـ15 مع مستخدميها البالغ عددهم مليارين، وتواصل التقدم وجني الأرباح واستقطاب المعلنين رغم جميع الانتقادات والاتهامات التي واجهتها.

سان فرانسيسكو – باتت شركة فيسبوك بعد 15 عاما على تأسيسها في إحدى غرف مسكن جامعي في هارفرد أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم مع أكثر من ملياري مستخدم، وتعرضت إلى هزات قوية في العامين الأخيرين كانت كفيلة بالإطاحة بأقوى الشركات، إلا أن إمبراطورية فيسبوك تكتسب قوتها من إدمان المستخدمين على الموقع الأزرق.

في الرابع من فبراير 2004، طرح مارك زوكربيرغ على الإنترنت باكورة هذه الشبكة التي يستخدمها اليوم ربع سكان المعمورة وقد تحوّلت اليوم إلى شركة تساوي قيمتها في البورصة 500 مليار دولار وتجني عائدات صافية قدرها 22 مليارا في السنة الواحدة. وباتت ثروة مؤسسها البالغ من العمر 34 عاما تساوي 62 مليار دولار.

لكن هذا النجاح الباهر يتعرّض منذ سنتين لسلسلة من النكسات تتخلّلها فضائح حول أساليب عمل الشركة التي يأتي الجزء الأكبر من إيراداتها من الإعلانات.

واجهت فيسبوك هجمات متتالية ومعارك قضائية تتعلق بانتهاك الخصوصية وإساءة استعمال البيانات الشخصية، مرورا بالمساهمة في نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المضللة والتأثير في الانتخابات الأميركية عام 2016 واستفتاء البريكست، ونشر المحتوى المتطرف والمسيء للأطفال ثم الدفع إلى مجموعة من المراهقين مقابل التجسس على أنشطتهم عبر الهواتف الذكية، والقائمة لا تنتهي من الاتهامات في الولايات المتحدة، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي أقرّ عددا من القواعد الصارمة ضد شركات الإنترنت للحد من إساءة استخدام البيانات الخاصة بمواطنيه ومحاربة المحتوى المتطرف.

وتثير هذه الخضّات القلق عند المسؤولين السياسيين المتخوّفين من انتشار الأخبار الزائفة على المنصة والمدافعين عن الحياة الخاصة المستائين من استغلال البيانات الشخصية وحتّى المدافعين عن حقوق الإنسان.

ويقول المحلّل جوش بيرنوف “هي شركة قويّة جدا استحدثت منتجا ينمّي سلوكا إدمانيا ولا يستطيع الكثيرون الاستغناء عنه وهي تتحمّل بالتالي مسؤولية كبيرة”.

وتشير ديبرا أهو ويليامسون المحلّلة لدى “إي ماركتر” إلى أن “فيسبوك لم تعد محطّ إشادات بابتكاراتها بعد المشاكل التي واجهتها سنة 2018. وأصبحت فيسبوك شركة ناضجة اليوم بعد 15 سنة ولم تعد مبتدئة”.

شيريل ساندبرغ خاضت مع مارك زوكيربرغ حملة واسعة للتصدي لانتشار المعلومات المغلوطة والدعوات إلى الكراهية
شيريل ساندبرغ خاضت مع مارك زوكيربرغ حملة واسعة للتصدي لانتشار المعلومات المغلوطة والدعوات إلى الكراهية

وقد تحولت شركة فيسبوك إلى ما يشبه الإمبراطورية وهي تملك البعض من التطبيقات المجانية الأكثر شيوعا في العالم، مثل إنستغرام التي قلبت المعايير في مجال التصوير وخدمتي الدردشة؛ مسنجر وواتساب”.

وكلّ تطبيق من هذه التطبيقات يضمّ مليار مستخدم، غالبيتهم من الشباب الذين باتوا ينفرون من فيسبوك باعتبارها “شبكة تناسب الأهل”.

وخلال الأشهر الأخيرة، خاض مارك زوكربيرغ وشيريل ساندبرغ المسؤول الثاني في المجموعة حملة واسعة متعهدين بـ“بذل جهود أكبر وأسرع” للتصدّي لانتشار المعلومات المغلوطة والدعوات إلى الكراهية.

وتنفق الشركة مليارات الدولارات على إصلاح وضع المنصة، من خلال تحسين الأنظمة خصوصا، والاستعانة بالمزيد من الموظّفين. ويعنى اليوم 30 ألف موظّف بمسائل الأمن والسرية.

ويتمسّك مارك زوكربيرغ الذي يتعرّض في الكثير من الأحيان لانتقادات لاذعة تطاله شخصيا بموقف ثابت يشدّد فيه على أن “فيسبوك وُجدت للتقريب بين الناس” وهي من ثمّ محطّ ثقة.

ويدحض دحضا مطلقا فكرة تغيير نموذج العمل بالرغم من النقد الموجّه إلى إدارة البيانات الشخصية، فالخدمة ستبقى مجانية بفضل الإعلانات الموجّهة بناء على ما جمع من بيانات شخصية. وتؤتي هذه الاستراتيجية ثمارها، إذ أن عدد المستخدمين في ارتفاع متواصل وأن المعلنين باقون.

وفي دليل على حسن نواياه، اقترح مارك زوكربيرغ أن يشارك هذه السنة في نقاشات عامة للتباحث في مستقبل الإنترنت وسبل تسخير الشبكة في خدمة المجتمع. وقال في مطلع العام “أنا حريص على المشاركة في النقاشات العامة وتوسيع آفاق مساهمتي لتحديد المساومات الواجب التوصّل إليها والاتّجاه الواجب أخذه”.

يزخر التاريخ بأمثلة عن شركات كانت تبدو في الماضي أنها لا تقهر قبل أن يطويها النسيان. وبالنسبة إلى فيسبوك قد يكمن الخطر في تغيير عادات المستهلكين وطريقة تفاعلهم مع الأجهزة الإلكترونية.

زوكربيرغ: فيسبوك وُجدت للتقريب بين الناس
زوكربيرغ: فيسبوك وُجدت للتقريب بين الناس

ويتساءل جوش بيرنوف على سبيل المثال إن كانت فيسبوك تتحضّر لرواج الواجهات الذكية التي يقدّمها عمالقة مثل غوغل وأمازون. ويقول إن “التطوّر قائم على الخدمات الصوتية وعلى تفاعل الشركات والأفراد مع تقنيات الذكاء الاصطناعي”. ويلفت “ليس من المؤكد أن فيسبوك ستجد مكانة لها في ظلّ هذه التحوّلات”.

لكن الأرقام لا تعكس تشكك بيرنوف، إذ أظهرت نتائج أعمال فيسبوك أرباحا تفوق التوقعات، بما يُوضح أن المعلنين الرقميين مازالوا ينفقون الأموال بسخاء على الخدمة بهدف الوصول إلى العملاء حتى بعد سلسلة من المواقف المحرجة التي تعرضت لها.

وكان المستثمرون يخشون من أن يؤثر تعهد فيسبوك بالاستثمار بقوة في تحسين معايير الخصوصية والأمن سلبا على نمو الشركة، لكن نتائج أعمال الربع الأخير من 2018 بدت مهدئة لتلك المخاوف.

وزاد إجمالي إيرادات الشركة في الربع الرابع بـ30 بالمئة، مرتفعة إلى 16.9 مليار دولار من 12.97 مليار، وهي أضعف وتيرة نمو فصلي للإيرادات في أكثر من ست سنوات كشركة مدرجة. لكن الرقم يتجاوز متوسط توقعات المحللين البالغ 16.4 مليار.

18