الزراعة المغربية تتسلح بالابتكار للتأقلم مع التغير المناخي

تدفع قسوة التغير المناخي المسؤولين في المغرب باتجاه تنسيق جهودهم للتركيز أكثر على السبل الكفيلة لاعتماد حلول فعالة تعتمد على الابتكار واستخدام أنظمة إنتاج مستدامة للتأقلم مع هذه المشكلة في مسار طويل ضمن إستراتيجية الجيل الأخضر لتحصين الأمن الغذائي للسكان.
الرباط - يحث المغرب خطاه باتجاه تمكين الابتكار الزراعي للتصدي لهواجس الأمن الغذائي جراء تغير المناخ، وفي الوقت ذاته إعطاء هذه النوعية من المشاريع دفعة قوية لترسيخ أقدامها في السوق المحلية ولتكون نواة حقيقة لتجارب أكثر توسعا في المستقبل.
ومع تفاقم تداعيات المناخ، أضحى الابتكار أكثر من أي وقت مضى الكلمة المفتاح في المنظومة الزراعية للبلاد ليصبح بإمكانها تطوير وتنفيذ أنظمة إنتاج مستدامة ومرنة قادرة على التكيف مع السياق الراهن الذي يتسم، على الخصوص، بالإجهاد المائي.
ويقود الضغط المتزايد على المياه المزارعين إلى استكشاف تقنيات جديدة، على غرار الري بالتنقيط، واختيار المحاصيل التي تتحمل الجفاف واللجوء إلى التكنولوجيا المتقدمة.
ويقول الخبراء إنه لا يمكن، في مواجهة هذه التحديات، إنكار أن الابتكار يمثل الفرصة الأمثل لتحويل القطاع الزراعي وضمان الأمن الغذائي لبلد يتجاوز تعداد سكانه 37 مليون نسمة.
وتعكس الدورة الـ16 للمعرض الدولي للفلاحة الذي انطلقت فعالياته الاثنين في مدينة مكناس تحت شعار “”المناخ والفلاحة: من أجل نظم إنتاج مستدامة وقادرة على الصمود”، الرغبة في إبراز الأهمية الحاسمة التي يكتسيها تكييف الزراعة مع تحديات المناخ الحالية والمستقبلية.
ويسعى المغرب إلى محاكاة بعض الدول العربية وفي مقدمتها الإمارات، التي تقدم حوافز سخية للاستعانة بالتكنولوجيا الزراعية العالمية لتحويل التحديات الراهنة إلى فرص واعدة تحقق منافع اقتصادية في المدى المتوسط والطويل.
ويوفر المعرض منصة للتبادل وتقديم حلول مبتكرة لتشجيع التعاون بين الفاعلين في القطاع لتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة والمرنة التي تستجيب بفعالية لتداعيات التغيرات المناخية، مع ضمان الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية.
وتتيح مشاركة أكثر من 1500 شركة من سبعين بلدا في المعرض لهم فرصة تسويقية مواتية قادرة على تعزيز حضور شركاتهم في الأسواق المحلية والدولية.
ومن المتوقع أن تسهم الشراكات المرتقبة خلال الحدث في بناء أرضية قوية في استدامة التكنولوجيا الزراعية، ودعم جهود الرباط لتحقيق الأهداف الرئيسية المتعلقة بالاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
ويعيش البلد موسم جفاف للسنة السادسة تواليا، مما أثر بشكل كبير على أداء القطاع الذي يدعم النمو باعتباره محركا رئيسيا للاقتصاد، كما أن 40 في المئة من السكان يعيشون في القرى و75 في المئة منهم يؤمّنون دخلهم من الزراعة.
كما أثرت موجات الجفاف المتتالية بشكل مباشر على احتياطيات المياه المخصصة لري الحقول، إذ أن الموارد الجوفية آخذة في التراجع، وباتت الأمطار أقل تواترا، مما يهدد بعض المحاصيل.
ويصنف البلد من بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ في حوض المتوسط، مما يجعله من الأكثر استيرادا للقمح، كما أن اقتصاده يعتمد بشكل كبير على الزراعة، حيث تُسهم بحوالي 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد المغربي بوتيرة معتدلة في النصف الأول من هذا العام تحت تأثير تراجع القيمة المضافة للزراعة التي تضررت من ضُعف هطول الأمطار في بداية الموسم، إذ من المُرجح أن تحقق البلاد أضعف محصول حبوب منذ 17 عاما.
من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المغربي بوتيرة معتدلة في النصف الأول من هذا العام تحت تأثير تراجع القيمة المضافة للزراعة
ولن يتجاوز الإنتاج المتوقع من الحبوب في الموسم الحالي نحو 2.5 مليون طن، ما يمثل انخفاضا بنحو 54 في المئة مُقارنة بالموسم السابق، وفقا لتوقعات البنك المركزي.
وقال عبدالقادر العلوي رئيس الفدرالية الوطنية للمطاحن في تصريح لبلومبرغ الشرق مؤخرا إن الموسم الحالي قد يكون “أسوأ السنوات العجاف التي تشهدها المملكة”، مشيرا إلى أن الإنتاج المتوقع يعني أن البلاد ستتجه إلى الاستيراد بكثرة.
ووفق المركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكارد)، تستمر تداعيات تغير المناخ في التأثير على محاصيل الحبوب في المغرب، ما يؤكد على ضرورة البحث عن تقنيات زراعية جديدة قادرة على حماية دخل المزارعين وزيادة قدرتهم على الصمود.
وكان المركز قد طور بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث والزراعي المغربي بعد عشر سنوات من الأبحاث والتجارب أصنافا من البذور يمكنها مقاومة التغيرات المناخية.
وما يميز الدورة الحالية من المعرض هو إنشاء مركز للفلاحة الرقمية، الذي يسلط الضوء على دور التكنولوجيا في خدمة الزراعة لجعلها أكثر كفاءة ومرونة، فضلا عن توسيع مساحة قطب المنتجات المحلية لتثمين تنوع الفلاحة المغربية وأنشطة التعاونيات.
وتعني رقمنة الزراعة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبيانات الأنظمة البيئية لدعم تقديم البيانات والخدمات للمزارعين، لزيادة الإنتاجية وبأقل كلفة.
ومع ذلك، تقتصر التقنيات الحديثة حاليا على كبار المزارعين في المغرب، حيث يستخدم نحو 3 في المئة من المنتجين الحلول الرقمية في أنشطة مختلفة في سلاسل الإنتاج.
وسبق أن قالت مديرة المركز الرقمي بوزارة الفلاحة لبنى المنصوري إن “الهدف هو تعميم هذه الخدمات على نحو مليوني مزارع بحلول العام 2030”.
ويرى خبراء أن التحديات التي تواجه قطاع الزراعة، تفرض تغيير أدوات العمل لزيادة كفاءة إنتاج المحاصيل في ظل تزايد المنافسة، منها الماء والتربة أساسا.
وأكدوا أن الرقمنة في القطاع أصبحت ضرورية لمواجهة التغيرات المناخية، وسنوات الجفاف المتتالية التي يشهدها البلد.
وثمة حلول مبتكرة توفرها التكنولوجيا، ومنها التطبيقات الخاصة ببرامج الري اليومي، والتي تساعد المزارعين على تحديد احتياجات أراضيهم بشكل دقيق، بعد تحديد نوع الزراعة وتاريخ البذر ونوع التربة.
ووفق دراسة أجرتها الوزارة فإن عمليات ري الحقول باستخدام المسيرات يستهلك أقل من 20 لترا من الماء لري هكتار واحد مقارنة بحوالي 300 لتر بالنظم التقليدية.
ويعد استخدام تقنيات الري بالتنقيط وترشيد المياه عن طريق إعادة تأهيل البنية التحتية، واستكشاف مصادر بديلة، على غرار الأمطار، من الطرق التي من شأنها تمكين المزارعين المغاربة من تعزيز قدرتهم على الصمود والحفاظ على استدامة إنتاجهم.
كما يتم بذل جهود ملحوظة لتطوير البنية التحتية اللازمة، مثل مرافق تحلية مياه البحر واستغلال الطاقات المتجددة، وكلها مشاريع هيكلية تهدف إلى تأمين التزويد بالماء وتقليل الاعتماد على الموارد المائية المعرضة للتقلبات المناخية.
ويمتلك البلد 9 محطات لتحلية مياه البحر بقدرة 147 مليون متر مكعب سنويا، إلى جانب ثلاثة محطات أخرى مخصصة للإنتاج الزراعي والصناعي.