الرياض مركز حضاري منذ عهد الدولة السعودية الثانية

عرفت السعودية حراكا حضاريا بارزا مع ولادة الدولة السعودية الثانية، رافقه حراك علمي بارز وحركية ثقافية وعلمية تشهد عليها الكثير من الوثائق والآثار التي تتبّعها كتاب “الحياة العلمية في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية” بشكل دقيق ليقدم دراسة وافية.
الرياض - أفرد الباحث السعودي راشد بن محمد بن عساكر كتاباً عن الحياة العلمية في مدينة الرياض يقع في 806 صفحات بعنوان “الحياة العلمية في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية” (1240 – 1309هـ/ 1824 – 1891).
وجاء الكتاب في فصوله الستة ليكشف عن معلومات جديدة، وإضافات مفيدة على ضوء الوثائق والمخطوطات التي لم تنشر من قبل عن واقع التعليم في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية حتى عام 1891.
علماء الرياض
يتطرق الباحث إلى إيضاح مراحل التعليم في مدينة الرياض وطبيعة الحياة العلمية والدينية وأساليبها، وأثر المكانة العلمية لعلمائها؛ كونها أصبحت مركزاً لإعادة نشر الدعوة الإصلاحية؛ إضافة إلى إلقاء الضوء على أبرز الأسر العلمية فيها، ودور التعليم ومعرفة الحلقات التعليمية في المدة الزمنية المحددة في هذه الدراسة، وتقديم تصور واضح لعوامل ازدهار التعليم في مدينة الرياض.
ويسلط الكتاب الضوء على أهم المكتبات العلمية آنذاك، وأبرز محتوياتها والتعرف على تراجم علماء الرياض وقضاتها وطلاب العلم في تلك الحقبة، ومؤلفاتهم وتواصلهم مع العالم الإسلامي.
وتطرق إلى الوراقة في مدينة الرياض، فتحدث عن انتقال المخطوطات والكتب والوثائق من الرياض إلى خارجها، وألقى نظرة على نساخ الكتب والوثائق وعددهم وترجم لهم وبيّن جهودهم في حفظ العلم. وخصص الباحث الفصل الأخير للحديث عن أثر الأوضاع السياسية والأمنية على الحياة العلمية وموقف علماء الرياض منها.
وتأتي أهمية هذا الكتاب في اعتماده على أكثر من ألفي وثيقة تتضمن كثيراً من المسائل الحضارية التي استفاد منها الباحث في دراسة حياة علماء الرياض وكتّابها ونسّاخها وطلاب العلم فيها، إضافة إلى وثائق ومخطوطات أخرى تتعلق بالجوانب العلمية والمراسلات والردود التي جرت بين العلماء.
واهتمت هذه الدراسة بجمع واستيعاب مظاهر وأسس الحركة الحضارية العلمية في مدينة الرياض إبان حكم الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عند تأسيس الدولة السعودية الثانية، حيث نجد أن أدبيات تلك الحقبة التاريخية ووثائقها تشير إلى أن الرياض أصبحت في عهد الدولة السعودية الثانية مركزًا علميًا مهمًا، نتيجة وجود عدد من العلماء البارزين؛ إضافة إلى عودة بعض العلماء ممن هجروا “الدرعية” بعد سقوط الدولة السعودية الأولى.
وقد أدى ذلك إلى نشاط الحركة العلمية، وازدهارها، وعلو مكانتها، وأصبحت عامل جذبٍ لطلاب العلم؛ وهو ما أثر في مسيرة التعليم والنهوض به، وعدّت مدينة الرياض المركز العلمي الأول في عصر الدولة السعودية الثانية، وأدى ذلك إلى إقبال طلاب العلم إليها؛ إضافة إلى ما كان يلقاه العلماء والطلاب من دعم وتشجيع من قادة الدولة، ومن تجارها الموسرين في هذه المرحلة التاريخية.
مركز علمي
يقف الباحث على أكثر من عشر مكتبات علمية، لم يكشف عنها أحد قبل هذه الدراسة؛ مستندا في إظهارها إلى بعض التقارير والمخطوطات التي عثر عليها وتتناول في مجموعها العام تفصيلات مهمة وجديدة.
وقام بتعداد المدارس التي أنشئت في تلك الحقبة وخرجت عددا من طلاب العلم، وذلك من خلال ورودها في بعض الوثائق، ومنها: مدرسة دخنة الشمالية، مدرسة دخنة الجنوبية، مدرسة عبدالله الخرجي، مدرسة حسين بن رشيد السلولي، مدرسة حي الظهيرة، مدرسة ابن سحيم، مدرسة حسن الجفر، مدرسة ابن أبا حسين، مدرسة الثميري، مدرسة مسجد السدرة، مدرسة المعلم عبدالعزيز الخيال، مدرسة قصر الحكم، مدرسة المريقب ومدرسة الأيتام الأولى والثانية، بالإضافة إلى بعض المدارس في قصور الأمراء. ولم يقف الباحث على وجود
مدارس خاصة بالمرأة داخل مدينة الرياض، سوى ما كانت تقوم به بعض المطوعات (مفردها مطوعة) من تدريس للبنات على نطاق ضيق وتعليمهن الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم. أما أبرز المساجد التي كانت تعقد فيها الحلقات العلمية فعدد منها الباحث: جامع الرياض، مسجد دخنة الكبير، مسجد دخنة الصغير، مسجد الحلة، المريقب، السدرة، الظهيرة، المعيقلية ومسجد القصر.
وفي ثنايا الكتاب معلومات وتراجم كثيرة ونادرة استقاها من الوثائق والمخطوطات والرسائل الجامعية والكتب المنشورة والدوريات والصحف والمقابلات الشخصية والروايات الشفاهية مع عدد كبير من المعمرين والعلماء والباحثين المهتمين بتاريخ مدينة الرياض. وختم الباحث كتابه بستة ملاحق لأهم الوثائق التي اعتمد عليها في كتابه مع صور نادرة لمدينة الرياض آنذاك.
يذكر أن الدكتور راشد بن عساكر أحد أهم الباحثين المختصين والمهتمين بتاريخ مدينة الرياض، وله في ذلك مقالات كثيرة ومؤلفات من أبرزها: “قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية أشارت إلى جد الأسرة السعودية وشيخ الدرعية سنة 981هـ”، “بواكير الوثائق والخطوط لبعض الأئمة من آل سعود”، “منفوحة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية – دراسة تاريخية حضارية”، “الأعمال الخيرية والأوقاف الشرعية في نجد للشيخ قاسم بن محمد آل ثاني”، “المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية”، “الأوقاف الشرعية والأعمال الخيرية للملك عبدالعزيز في مدينة الرياض: دراسة وثائقية”، “تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية إلى عام 1373هـ”، و”تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الرياض”.
