الرياض تنزع ورقة من أيدي منتقديها بإلغاء حكم الإعدام على الغامدي

الرياض - ألغت محكمة استئناف سعودية حكما بالإعدام صدر العام الماضي على المواطن محمد الغامدي الذي كان قد انتقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أوضاعا قائمة في المملكة.
وجاءت الخطوة لتُجنّب الرياض المزيد من انتقادات شركاء دوليين ومنظمات حقوقية لها، ويرى البعض أنّه بالإمكان تفادي الكثير منها، مثلما هي الحال بالنسبة إلى قضية الغامدي التي ترى دوائر محلية وخارجية أنّ الحكم فيها لا يتناسب وطبيعة الجرم المنسوب للمحكوم عليه، الأمر الذي يرتّب عبئا حقوقيا على البلد وسمعته الدولية.
وأصبحت السعودية خلال السنوات الأخيرة أكثر اهتماما من ذي قبل بصورتها في الخارج بالنظر إلى وعود الانفتاح التي أطلقها ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان في نطاق مشروع التغيير الاجتماعي والثقافي الذي يقوده ويتضمّن التخلّي عن نهج التدين الصارم الذي سلكته البلاد منذ تأسيس دولتها الحديثة وتخفيف سطوة رجال الدين على المجتمع.
وتعود الطبيعة الصارمة والشديدة لبعض ما يصدره القضاء السعودي من أحكام إلى استناد قوانين البلاد للشريعة الإسلامية.
كما ينبع اهتمام السعودية بسمعتها الدولية وصورتها في الخارج إلى المشروع التنموي الطموح الذي تتضمنه رؤية المملكة 2030 ويشمل إطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة عن طريق شراكات مع أكبر الفاعلين الدوليين في عدّة مجالات والذين لا يهمل الكثير منهم الاعتبارات الحقوقية، وقد سبق لبعضهم أن تعرّض بالفعل لانتقادات بسبب شراكاته مع بلدان متهمة بعدم الالتزام بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان.
السعودية أصبحت أكثر اهتماما بصورتها في الخارج بسبب برنامجها التنموي الذي يتطلب شراكات دولية واسعة
واكتسبت قضية المدّرس السعودي المتقاعد محمد الغامدي بُعدا مختلفا بعد أن أكّد الأمير محمد بنفسه صحة تفاصيل قضيّته في مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية في سبتمبر الماضي.
وقال ولي العهد الذي يشغل أيضا منصب رئيس الوزراء آنذاك “لسنا سعداء بذلك. ونخجل منه”، مضيفا “آمل أن يكون القضاة أكثر خبرة في المرحلة المقبلة من المحاكمات. وقد ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف تماما”.
والخميس أكّد شقيق الغامدي الداعية الإسلامي سعيد الغامدي الناقد للحكومة السعودية والذي يتخذ من لندن منفى اختياريا له أنّ “محكمة الاستئناف ألغت الحكم بحق شقيقي محمد هذا الأسبوع”.
وأضاف “هو أبلغ أسرته في السعودية بإلغاء الحكم وهم أبلغونا.. لم يُحكم عليه مجددا بشيء ولا نعرف هل ستعاد محاكمته أم لا”.
وفي يوليو 2023 أدانت المحكمة الجزائية المتخصصة التي تأسّست في العام 2008 للنظر في قضايا الإرهاب، الغامدي وحكمت عليه بالإعدام على خلفية اتهامات تتعلق بمنشورات فُسّرت على أنها تدعو “للإخلال بأمن المجتمع والتآمر على الحكم” عبر حسابه على منصة إكس.
السعودية تتّبع منذ وصول الأمير محمد إلى منصب ولي العهد أجندة إصلاحية طموحة تهدف إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقا إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية
وقال حقوقيون حينها إن القضية مبنية جزئيا على الأقل على منشورات تنتقد الحكومة وتعرب عن دعمها لما يعرف بـ”سجناء الرأي”.
وذكرت جهات حقوقية أنه كان لحساب الغامدي تسعة متابعين فقط على منصة إكس، لدى النشر. الأمر الذي يقلل إلى حدّ كبير من تأثير آرائه وانتقاداته على الرأي العام.
وفي عدّة قضايا أخرى شدّدت محكمة الاستئناف أحكاما بالسجن بحق المتهمين خاصة بحق ناشطتين سعوديتين تلقتا أحكاما بالسجن لعقود في صيف 2022.
والشهر الماضي حكمت المحكمة نفسها على شقيق آخر لمحمد هو أسعد الغامدي الذي يعمل مدرّسا بالسجن عشرين عاما.
وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش حينها أنّ أسعد “حُكم بالسجن لتُهم تتعلق بنشاطه السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ومنذ وصول الأمير محمد إلى منصب ولي العهد في 2017، تتّبع السعودية أجندة إصلاحية طموحة تهدف إلى تحويل المملكة التي كانت مغلقة سابقا إلى وجهة سياحية وتجارية عالمية وتعتمد إصلاحات اجتماعية.
وبدأت ملامح التغيير تُلمس بالتدريج في المملكة التي قلصت سلطة الشرطة الدينية المعروفة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسحبت من أعضائها صلاحيات إيقاف الأشخاص أو التحفظ عليهم أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم والتثبت من هوياتهم، واختصرت دورهم في إخبار أفراد الشرطة أو إدارة مكافحة المخدرات عن الاشتباه بشخص معين و”العمل على نشر الفضيلة والحض عليها ومنع المنكر بالقول الحسن والرفق بالآخرين”.
كذلك منحت السلطات النساء حقّ قيادة السيارات وباتت تشجّع على تنظيم مناسبات ثقافية وفنية احتفالية كان ينظر إليها في السابق باعتبارها “مجونا” ومخالفة للدين وخروجا عن الأخلاق الحميدة.