الرياض تشق طريق حرير عربيّا لدمشق بعد طهران وأنقرة

لندن- رغم قصر المسافة الزمنية بين القمة العربية التي استضافتها الجزائر في الأول من نوفمبر الماضي والتي فشلت في استضافة سوريا، والقمة العربية الـ32 المنتظرة في 19 مايو المقبل في الرياض، إلا أن الأرض مادت خلالها مرتين.
الأولى، في السياسة حيث انتصرت الرغبة في تصفير المشاكل على كل المشاكل، لأجل الالتفات إلى المصالح الاقتصادية والأمن الجماعي على حساب النزاعات السياسية.
والثانية، في الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا في 6 فبراير الماضي، حيث انتصرت المشاغل الإنسانية على حمى الشروخ والمواقف العدائية.
ووفرت توابع الزلزال القناعات، مما بدأته الإمارات أصلا، بأنه ما من نزاع سياسي أو أيديولوجي يستحق أن يتحول إلى مذبح للتضحية بالمصالح الاقتصادية وفرص التعاون والتنمية الاجتماعية والاستقرار الإقليمي.
وتستند الرؤية في الإمارات، التي تحولت إلى إستراتيجية رسمية للخمسين سنة المقبلة، إلى فكرة تفيد بأن التعاون والمنافع المتبادلة هما ما يجب أن يكون الأرضية التي تقف عليها الخلافات السياسية، وليس العكس. وسواء طال الوقت أو قصر، فإن تلك الخلافات سوف تجد طريقا إلى الحل.
ومثلما شقت الإمارات الطريق إلى أنقرة وطهران ودمشق وتل أبيب، وقد كانت عواصم مشاكل وصراعات، فإن تصفير هذه المشاكل فتح الطريق أمام الرياض كي تخطو الخطوات الكبيرة التالية، وكأن طريقَ حريرٍ جديدا يجري تعبيده برؤى مختلفة عما كان سائدا.
جولات الحوار التي استضافتها بغداد لتطبيع العلاقات بين طهران والرياض، سرعان ما أعقبها انفتاح شامل على تطبيع العلاقات مع أنقرة. وتم تبديد الضجيج الذي أعقب مقتل جمال خاشقجي في سفارة بلاده في إسطنبول، ليلتفت الطرفان إلى حقيقة أنهما قوتان إقليميتان أكبر من أن تتنازعهما تفاصيل صغيرة. ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت دمشق جزءا من طريق الحرير العربي.
ومن المتوقع أن تطوي قمة الرياض صفحة المقاطعة مع دمشق، لتنهي 11 عاما من عجز تلك المقاطعة عن أن تثمر شيئا. وبات من المرجح أن توجه الدعوة للرئيس بشار الأسد للمشاركة في أعمال القمة.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة لرويترز إن السعودية تعتزم دعوة الأسد لحضور القمة العربية. وقال مصدران إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 مايو القادم.
ولم يرد مكتب الاتصال الحكومي السعودي ووزارتا الخارجية في البلدين على طلبات للتعليق.
وذكر جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن الجامعة ليست مطلعة على كل خطوة على المستوى الثنائي بين الدول العربية. وأضاف “لا يفترض أن يجري إبلاغنا مسبقا بالزيارة المفترضة”.
وبدأ الطريق يتمهد منذ 19 فبراير الماضي عندما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في منتدى ميونخ للأمن إن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل النظام السوري، وإن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما”، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين.
وأضاف أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق “الأهداف القصوى” من أجل حل سياسي، فإن نهجا آخر “بدأ يتشكل” لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين، خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا.
وقدم التخلي عن “الأهداف القصوى” أولى الإشارات إلى أن المواقف القائمة على “كسر العظم” لم يعد لها مبرر، وهي غير ذات جدوى، كما أنها لم تحقق شيئا لكلا طرفي الأزمة.
وفي 8 مارس الماضي قال الأمير فيصل بن فرحان إنّ زيادة التواصل مع النظام السوري قد تمهّد الطريق لعودته إلى جامعة الدول العربية.
وكان رشدي قد قال مؤخرا إن “المشاورات متواصلة بين الجامعة العربية والمملكة العربية السعودية للخروج بأفضل بلورة ممكنة لأجندة القضايا التي تحتلّ صدارة العمل العربي المشترك”.
وتستبعد التوقعات أن يسفر الانفتاح العربي على سوريا عن فرصة أفضل لحل سياسي للأزمة، إلا أن ذلك لن يغير المجرى الذي تريد الرياض وأبوظبي وباقي دول المنطقة أن تسلكه لرعاية مصالحها والحفاظ على استقرارها وتنميتها.
ويقول مراقبون إنه لن يكون مطلوبا من الرئيس الأسد أن يُضحي بتحالفه مع إيران، ولا أن يواجه مفاضلة من نوع “العودة إلى الحضن العربي مقابل التخلي عن الحضن الإيراني”. لقد صار المطلوب من سوريا أن تقتفي أثر مصالحها أينما وجدت ذلك مناسبا، وفي أي حضن تشاء. والأمر نفسه معروض على إيران.